في ظل مشهد سياسي معقد في البلاد مع تعدد الحكومات والصراع بين الفرقاء الليبيين،ومع غياب دولة مركزية قوية وانتشار السلاح بشكل كبير،ما ينذر بأن تشهد الأراضي الليبية حربًا أهلية أوأن تكون مرتعًا للجماعات الجهادية والتكفيرية المتشددة،تتواصل مساعي دول الجوار لحل الأزمة في البلاد التي تتهدد هذه الدول أيضا خاصة لآثارها الأمنية والاقتصادية المُكلفة عليهم.

وتتكثف المشاورات على صعيد الدول العربية المجاورة لليبيا بحثاً عن فرص تسوية سياسية للأزمة المتفاقمة في هذا البلد شمال أفريقي،التي تعصف بالبلاد منذ ست سنوات.فبعد القاهرة شهدت تونس محادثات تركزت، حول حث الفرقاء الليبيين، للحوار وتبديد الخلافات حول تنفيذ "اتفاق الصخيرات" والتأكيد على دور الأمم المتحدة باعتباره مظلة أساسية لأي حل سياسي في ليبيا.

وفي تتويج للقاءات مكثفة لوزراء خارجية دول الجوار الليبي طيلة الأسابيع الفارطة،أمضى وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر في قصر قرطاج الرئاسي بتونس،ما سُميّ "إعلان تونس الوزاري لدعم التّسوية الشّاملة في ليبيا بحضور الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.

إعلان تونس

هذا ونص "إعلان تونس" الذي تم التوصل إليه في ختام إجتماع وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر،يومي19 و20 فيفري2017،على "مواصلة السعي الحثيث من أجل تحقيق المصالحة الشاملة في ليبيا،دون إقصاء،في إطار الحوار الليبي الليبي،بمساعدة من الدول الثلاث وبرعاية من الأمم المتحدة،على أن يضم الحوار كافة الأطراف الليبية،مهما كانت توجهاتها أو انتماءاتها السياسية،شرط استعدادها للحلول السياسية وعدم ضلوعها في الأعمال الإرهابية".

كما جدد "إعلان تونس"، الذي تلاه وزير الشؤون الخارجية، خميس الجهيناوي،"رفض دول جوار ليبيا، الثلاث، أي حل عسكري للأزمة الليبية وأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لليبيا، باعتبار أن التسوية لن تكون إلا بين الليبيين أنفسهم"، مشددا على "التمسك بسيادة الدولة الليبية ووحدتها الترابية وبالحل السياسي، كمخرج وحيد للأزمة الليبية، على قاعدة الإتفاق السياسي الليبي الموقع بالصخيرات في 17 ديسمبر 2015، باعتباره إطارا مرجعيا.اضافة الى العمل على "ضمان وحدة مؤسسات الدولة الليبية المدنية المنصوص عليها في الإتفاق السياسي (المجلس الرئاسي، مجلس النواب، المجلس الأعلى للدولة)، بما في ذلك الحفاظ على وحدة الجيش الليبي، وفقا لبنود الإتفاق السياسي الليبي، للقيام بدوره الوطني في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والهجرة السرية".

واتفق المجتمعون على أن يكون إعلان تونس الوزاري، "أرضية لتكثيف وتعزيز الحوار بين الأطراف الليبية، في إطار جدول زمني محدد يتم التوافق بشأنه لاحقا بعد التشاور مع الأطراف الليبية المعنية والأمم المتحدة، باعتبارها الراعي الرسمي للإتفاق السياسي الليبي ولأي تفاهمات جديدة تتعلق بتعديله، على أن تقوم الدول الثلاث، بشكل مشترك ورسمي، بإحاطة الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية ورئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي، بإعلان تونس، لدعم التسوية السياسية الشاملة في ليبيا، باعتباره وثيقة رسمية لدى المنظمات الثلاث".كما اتفق وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر على التنسيق في ما بينهم مع مختلف الأطراف السياسية الليبية، "لتذليل العقبات القائمة، على أن يتم رفع نتائج الإجتماع الوزاري إلى قادة الدول الثلاث، تمهيدا للقمة الثلاثية بالجزائر العاصمة، المزمع عقدها قريبا".

قمة الرؤساء

لم يتحدث الإعلان،عن آليات لحل الأزمة ولم يضبط خارطة طريق ولكنه أشار لعقد قمة بين رؤساء دول الجوار في الجزائر بعد تسريبات طيلة الأسابيع الفارطة بأنها ستتم في تونس.حيث أعلن وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، الاثنين، أن رؤساء تونس والجزائر ومصر سيعقدون اجتماعا بالعاصمة الجزائرية "لدعم تسوية سياسية شاملة" للأزمة في ليبيا الغارقة في الفوضى، من دون تحديد موعد الاجتماع.

وأكد الجهيناوي أن البلدان الثلاثة ستبدأ سلسلة مشاورات في الفترة المقبلة تضمّ كل الأطراف الليبية الرئيسية دون أن يعطي مواعيد محددة لهذه اللقاءات وأشار إلى أن تونس ستدعو المشير خليفة حفتر القائد العسكري في شرق ليبيا في الأيام القليلة المقبلة، مضيفا أن "حالة الترقب والجمود في ليبيا لا يمكن أن تستمر ودول الجوار تلعب دورها في مرافقة الليبيين إلى حوار ليبي-ليبي".

من جهته،اكد وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل ان المبادرة التونسية الجزائرية المصرية هي "رسالة للمجتمع الدولي بأن المنطقة بحاجة للاستقرار والأمن".فيما اشار وزير خارجية مصر سامح شكري على القول بانهم "يريدون وحدة الرؤية للتوصل إلى حل ليبي-ليبي"،وفقا لما ورد في صحيفة الخبر الجزائرية".

دعم وتوافق

وفي سياق متصل،التقى ،الأربعاء 22 فيفري 2017، وزير الخارجية خميس الجهيناوي المبعوث الاممي الى ليبيا "مارتن كوبلر" اضافة الى رؤساء البعثات الدبلوماسية والسفراء المعتمدين في تونس و عدد من السفراء المعتمدين في طرابلس.و أكد الجهيناوي  بأن اعلان تونس حظي بدعم الاطراف الليبية و الدولية و الأممية مشيرا في هذا الصدد الى أنّ أطرافا ليبية ستشرع في زيارة تونس.

وفي السياق ذاته أكد وزير الخارجية في تصريح لاذاعة "موزاييك اف ام" أن الاتصال جار مع الاطراف القريبة من المشير خليفة حفتر معلنا زيارة قريبة للأخير الى تونس.فيما أكد المبعوث الاممي إلى ليبيا مارتن كوبلر من جانبه خلال مؤتمر صحفي أن تونس نجحت في تقريب وجهات النظر وتوحيد صفوف الفرقاء الليبيين مشددا على ان الحل يجب ان يكون بأيدي الليبيين أنفسهم.واضاف كوبلر ان مبادرة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي واعلان تونس المتمخض عن اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي (تونس والجزائر ومصر) يومي الاحد والاثنين الماضيين، ينصبان في مجال دعم جهود منظمة الامم المتحدة التي وضعت خارطة طريق لايجاد حل سياسي للملف الليبي يرتكز على اتفاق الصخيرات ومخرجاته.

من جهته،ثمن الرئيس التونسي الباجي السبسي لدى اجتماعه في قصر قرطاج مع خميس الجهيناوي وزير خارجية تونس وسامح شكري وزير الخارجية المصري وعبد القادر مساهل وزير الشؤون المغاربية الجزائري المساعي التي تقوم بها مصر والجزائر في لعب دور أساسي لتسريع عملية التسوية المنشودة في ليبيا معربا عن ثقته وتفاؤله حيال قدرة البلدان الثلاثة على القيام بهذه العملية.فيما عبر وزيرا خارجية كل من الجزائر ومصر عن شكرهما للرئيس التونسي على هذه المبادرة ودعم بلديهما لها.وأكدا التزام بلديهما بمواصلة التنسيق والعمل المشترك مع تونس للتقدم في هذه المبادرة وأبديا حرصهما على توفير أسباب النجاح لعقد قمة ثلاثية في الجزائر تجمع رؤساء الدول الثلاث تكون تتويجا لنجاح هذه المبادرة.

قلق يتصاعد

وفي ظل تفجر الأوضاع في ليبيا، التي ستكون لها تداعيات سلبية وخطيرة على دول الجوار، لا سيما على حدود تلك الدول حيث يجد الإسلاميون المتشددون أرضية خصبة لتنقل السلاح وربما تصدير الدمار والعنف والفوضى إلى هذه البلدان العربية، استفاقت هذه الأخيرة على كابوس ليبيا الفاشلة والمنهارة.حيث قال وزير الشؤون المغاربية والافريقية والجامعة العربية، عبد القادرمساهل،الاثنين، في تونس في مؤتمر صحفي "مستقبل ليبيا يهم الليبيين، نحن مع حوار ليبي بعيدا عن أي ضغط".وأضاف مساهل "عدم الاستقرار في ليبيا ووجود جماعات إرهابية والجريمة والمنظمة يشكل خطرا على بلداننا".

وفي خطوة استباقية،تتعدد المبادرات من دول الجوار المتضررة من الفوضي الليبية،حيث يمثل استمرار الوضع الراهن في ليبيا وفق مراقبين قلقاً كبيراً لدى الدول الثلاث التي تجمعها بليبيا حدود مشتركة، وهو ما يستدعي منها القيام بواجبها تجاه إيجاد حل سياسي يتيح لجميع الأطراف التمثيل في المؤسسات الليبية ويعيد لهذا البلد الاستقرار المفقود منذ سنوات.

وفي هذا السياق،قال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي فتحي المريمي،لـ"سبوتنيك"، أن دول الجوار هم الأكثر حرصا على حل الأزمة الليبية، الذي يبدأ من محاربة الإرهاب "فلا يمكن لليبيا أن تستقر بدون محاربة هذا الإرهاب بمعاونة دول الجوار أولا لأنه ليس من مصلحتهم أن ينتشر الإرهاب في ليبيا، وأن استقرار ليبيا من استقرار دول الجوار، وهذا لا يعني أننا من الممكن أن نستغني عن الجهود الدولية في هذا السياق".

فيما قال المحلل التونسي المختص في الشأن الليبي جمال العرفاوي وفق صحيفة الشرق الأوسط،إن دول الجوار مدعوة إلى حل الأزمة، بل المشاركة الفعالة في تأمين الانتقال الديمقراطي في ليبيا، لكنها لا تستطيع أن تكون طرفً تلعب دور المشجع على الحوار، خشية اتهامها من قبل طرف من الأطراف بالانحياز وعدم الاستقلالية تجاه مختلف مكونات المشهد السياسي في ليبيا.

وتسعى دول الجوار الى إحياء الحوار السياسي بين الفرقاء الليبيين وكسر الجمود حتى تتفادى ليبيا مزيدا من الفوضى والاقتتال.حيث تخشى الدول الثلاث التي تربطها حدود كبيرة مع ليبيا على أمنها في ظل انتشار الفوضى والسلاح في الجارة ليبيا إضافة إلى الخطر المتنامي لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا.

ورغم أن المؤشرات الجديّة على قرب الوصول لحل للأزمة في ليبيا ما زالت شحيحة،إلا أن مبادرة دول الجوار قد تمثل النواة الأولى للوصول الى خارطة طريق تفصيلية لحل الأزمة الليبية، وهي خارطة يمثل الوصول إليها تحديًا صعبًا لدول الجوار وتبقى رهينة جدية الأطراف الليبية في الوصول لحل للأزمة بصفة توافقية.