فتحت الأزمة الليبية منذ العام 2011،الباب أمام تغول الجماعات المسلحة والعصابات الاجرامية التي استغلت غياب مؤسسات الدولة لتنشر شرورها في أغلب المدن الليبية التي تجرعت مرارة الصراعات والحروب.وبات المواطن الليبي في دائرة من المعاناة يرسمها التردي الأمني وتزيدها وطأة صعوبة المعيشة وغياب الخدمات.

وترتكز معاناة ليبيا أساسا على غياب التوافق بين الفرقاء،والذي يعتبر ركيزة هامة لانهاء حالة التفكك والتمزق التي تعاني منها البلاد في الوقت الحالي. وقد فشلت كل مساعي المصالحة الوطنية في ليبيا على مدار الأعوم الماضية،لكن المبادرة الأممية الأخيرة التي دعت الى المصالحة واجراء إنتخابات باتت تمثل الأمل بالنسبة لليبيين في تجاوز سنوات الألم والمعاناة.

إلى ذلك،وفي بادرة تشير الى ضرورة التوجه نحو ارساء المصالحة بين أبناء الوطن الواحد،بإعتبارها الطريق الوحيد لعبور بليبيا نحو بر السلام،انطلقت بعد ظهر السبت 13 يناير 2018،من أمام وزارة السياحة بجزيرة ميناء طرابلس ،مسيرة تحمل إسم "ساحل السلام"،حاملة الرايات البيضاء بمشاركة عدد كبير من ابناء المنطقة الغربية ومؤسسات المجتمع المدني والنشطاء والشباب.

وتهدف هذه المسيرة إلى تعزيز فكرة السلام ونبذ الفتنة والتفرقة بين أبناء الشعب الليبي،والمطالبة بقيام الدولة الليبية وبناء المؤسسات والتعايش بين الجميع وتجاوز الماضي، وتقديم صورة جديدة عن ليبيا أمام العالم.وهو ما بدا جليا في الشعارات التي رفعها المشاركون والتي تدعو للتصالح والسلام بين كافة المواطنين الليبيين، بينها: "ليبيا تجمعنا" ،"لا للحرب لا للدمار" ،"ليبيا وبس"،"يكفي دماء"،"الوطن للجميع".

يأتي هذا في وقت تتواصل فيه الجهود لتحقيق الاستحقاق الانتخابي القادم،الذي يعقد عليه الليبيون آمالا عريضة لانتشال بلدهم من الفوضى.ففي تطور جديد،حقّق مؤشر التسجيل بمنظومة تسجيل الناخبين رقماً قياسياً مميزاً بإرتفاع عدد المسجلين إلى مليونين و5 آلاف و814 ناخباً،الجمعة 12 يناير/كانون الثاني 2018.وفق ما أعلنت عنه المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات في ليبيا.

وتقدّمت المفوضية،في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية فيسبوك،بالتهنئة إلى جميع الليبيين بهذه النتيجة والتي تحققت من خلال الجهود المبذولة من موظفي المفوضية وتعاونهم وتفانيهم في العمل طيلة الفترة الماضية ومن خلال الروح الوطنية التي تحلّى بها المواطنون وإصرارهم على التسجيل للمشاركة في ممارسة حقوقهم السياسية.مشيرة إلی أنّ معدل تسجيل النساء مازال يتحرك بنفس وتيرته في الأسبوع الماضي حيث وصلت نسبة مشاركتهن إلى 41% من العدد الكلي للمسجلين.

وأشار البيان إلى أن "عملية التسجيل ستتواصل حتى يوم 6 فبراير القادم 2018، فيما ستدشن المفوضية منظومة التسجيل بالخارج في الأول من فبراير، وفق آلية تسجيل عبر الإيميل من خلال موقع إلكتروني مخصص لهذا الغرض".وبدأت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات التسجيل في سجل الناخبين يوم 6 ديسمبر الماضي من عام 2017 ،وسط دعوات بضرورة المشاركة في هذا الاستحقاق الهام.

 ودعا المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، الليبيين للتأكد من قيامهم بالتسجيل في الانتخابات كي يتسنى إيصال أصواتهم، مشددًا على ضرورة أن يفعل القادة الليبيين ما يدخل في نطاق صلاحياتهم لضمان نجاح العملية الانتخابية.وقال سلامة إن خطة عمل البعثة الأممية لدى ليبيا في جميع مراحلها، تسعى إلى تهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة قبل نهاية عام 2018، وأن قيام المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بإطلاق حملة تسجيل الناخبين خطوة أساسية نحو تحقيق هذا الهدف.

ويرى مراقبون أن الإقبال الكبير على التسجيل في الانتخابات خلال أيام قليلة، يؤكد حرص الشعب الليبي على المضي قدما نحو العملية الانتخابية لاختيار أجسام جديدة تمثله.وقالَ مُدير عام المفوضية العليا للانتخابات، سعيد القصبي،في تصريحات صحفية، إنّ السبب الرئيسي في الإقبال المُتزايد للتسجيل في كشوف الانتخابات يَعود إلى وعي المواطنين بمسؤولياتهم وواجبهم تجاه ليبيا، وذلك بهدف الوصول إلى نتائج جيدة.

من جانبه،رحب عضو مجلس النواب محمد العباني باقبال الناخبين على التسجيل في الانتخابات بعد ان تجاوز عدد المسجلين 2 مليون ناخب.وقال العباني في تصريحات صحفية، ان "اﻹقبال الشديد من الليبيين على التسجيل في السجل اﻹنتخابي ظاهرة ثقافية تشير الى مدى وعي الشعب الليبي باستخدام حقه اﻹنساني في المشاركة السياسية وتداولها سلميا ومدى تعطشه للانتخابات".

واشار العباني الى ان الاقبال على التسجيل في الانتخابات يعبر عن مدى حب الشعب الليبي للتغيير وإعادة تدوير السياسيين، ورفضه للمجالس منتهية الصلاحية.لافتا الى "ان الشعب الليبي من الشعوب المؤمنة بالديمقراطية واﻹحتكام الى صناديق اﻹقتراع ورفض الصراع المسلح وسيطرة المليشيات وما آل اليه الحال من صعوبة معيشة وضنك حياة".

تزايد الاقبال على التسجيل في الانتخابات،اعتبره جيفري فيلتمان نائب الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارته لليبيا انه يمثل مؤشرا جيدا على رغبة الليبيين باجراء الانتخابات والتزامهم بها،مؤكدا ان هدف الأمم المتحدة هو إنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا بواسطة الانتخابات.

وأضاف فيلتمان للصحفيين في طرابلس، بعد الاجتماع مع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج،أن الأمم المتحدة "تشجّعت بشدة" من الحماس الظاهر للانتخابات.وتشير استطلاعات الرأي العام إلى تأييد غالبية الليبيين القوي في كل أنحاء البلاد للتمكين من المشاركة في انتخابات تحظى بمصداقية هذا العام، بحسب فيلتمان.

ورغم عجز البعثة الاممية على انهاء الازمة المستفحلة في البلاد،الا ان الدعوة لإجراء الانتخابات يعد باب أمل جديد في وقت تغرق فيه البلاد في دوامة الفوضى الامنية والتردي الاقتصادي.حيث يأمل الشعب الليبي في وضع حد للفوضى التي باتت تسود البلاد، وأن تؤدي الانتخابات إلى تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة إعمار ليبيا.

وكان مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة، قد أعلن في 20 سبتمبر الماضي عن خطة العمل من أجل ليبيا،وذلك أمام الاجتماع الدولي رفيع المستوى الذي عُـقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك برئاسة الأمين العام أنطونيو غوتيريس.وترتكز الخطة على ثلاث مراحل رئيسية تتضمن تعديل الاتفاق السياسي مع الاخذ بعين الاعتبار تحفظات الاطراف الذين تم تغييبهم عن حوار الصخيرات، وعقد مؤتمر وطني يهدف لفتح الباب أمام المستبعدين من جولات الحوار السابق، وإجراء استفتاء لاعتماد الدستور، وانتخابات برلمانية ورئاسية.

وتعاني ليبيا منذ سنوات من الإنقسامات السياسية والاضطرابات الأمنية،التي أدخلت البلاد فى دائرة مفرغة الفوضى كرست لإنتشار الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية والتى أدخلت البلاد فى صراعات وحروب متواصلة.ويحدث كل ذلك وسط أوضاع معيشية مزرية يعيشها المواطن الذي بات يتطلع الى حلول قريبة قادرة على انهاء معاناته.