كشفت دراسة تشخيصية حديثة صادرة عن المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية تلقت "بوابة إفريقيا الإخبارية", اليوم الثلاثاء, نسخة منها, أن معبر راس جدير الحدودي بين تونس وليبيا شهد بتاريخ 21 فيفري 2011 عمليات نهب وسرقة كبرى شملت البضائع المحجوزة, من ذلك نهب 51 كلغ من الذهب وعملات أجنبية وبضائع بقيمة 4 مليون دينار, إلى جانب تهريب جماعي قسري ل 47 شاحنة ثقيلة مجرورة محملة بمادة "الأمونيتر" من تونس إلى ليبيا, وذلك بتاريخ 19 جانفي 2012.

وأكدت الدراسة أن عمليات النهب التي طالت معبر راس جدير الحدودي بين تونس وليبيا شملت مختلف المنشآت التابعة للديوانة التونسية براس جدير وبن قردان و مقرات إدارية ومستودعات ومنازل وظيفية.

         وتمثلت نوعية البضائع المهربة على الحدود التونسية الليبية التي تم حجزها من مصالح الجمارك التونسية بين 2010 و2012 الأغنام والمواد الغذائية والأسلحة والمشروبات الكحولية والمخدرات وآليات فلاحية وصناعية.

وبحسب الدراسة ذاتها, فقد سجّلت سنة 2009 دخول قرابة 2 مليون ليبي إلى تونس, مقابل مئات الالاف من الليبيين ومن جنسيات أخرى مختلفة إثر سقوط نظام معمر القذافي, لاسيما في صائفة 2011, أين وصل منسوب تدفق اللاجئين من ليبيا إلى تونس ذروته القصوى, الأمر الذي ساهم في تطور نشاط التهريب في الإتجاهين بشكل قياسي, وقفز إجمالي حركة العبور بين البلدين من 133,968 شخص في 2010 إلى 663,001 شخص في 2011.

ووصلت نسبة التوريد الموازي من إجمالي التوريد الفعلي من القطر الليبي نسبا عالية، ناهزت 76,8% بالنسبة لعام 2012.

وفي العام ذاته، سجلت اللجنة التونسية الفرعية لمقاومة التهريب تزايدا بنسبة 330% مقارنة بـ 2011, في عمليات التهريب التي تمّ إحباطها.

وفي سنة 2016, تم حجز 721 عربة (سيارة وشاحنة) بالمنطقة العسكرية العازلة التي أحدثتها تونس على حدودها مع ليبيا, كما تم ضبط عدد 1055 شخص و حجز حوالي 23 قطعة سلاح (بنادق صيد، وكلاشنكوف) وحجز 1.894.320 لتر من المحروقات، 881.420 علبة سجائر، 17.809 علبة معسل، 13.214 (بين علبة وقارورة كحول)، كما تم حجز جملة من المواد الغذائية والألعاب النارية و4.123 من الأغنام والماعز.

وينشط على الحدود بين تونس وليبيا ما يصطلح عليهم ب "تجار الخط" وهم شريحة من التجار العاملين مباشرة على الخط التجاري الموازي بين تونس وليبيا ضمن "نواميس" داخلية ناظمة لها لا تسمح بالدخلاء بالنشاط في مجال اختصاصها، من ذلك منطقة توازين من بن قردان وعرش الذهيبات في ذهيبة, جنوب تونس, إلى جانب تجار اخرين من بعض المناطق الداخلية الأخرى (بئر على بن خليفة، بوحجلة، سيدي بوزيد...), ويختصّ البعض من هؤلاء بالأساس في تهريب المحروقات.

         ويوجد أيضا ما يسمى ب "الشبكات الناظمة" التي تنشط في مجال التهريب بالمنطقة انفة الذكر, وهي شبكات تم تأسيسها من قبل أصحاب رؤوس الأموال التونسيين, أو من الجانب الليبي والمستغلين لتجارة التهريب التقليديين بالمنطقة.

ويمكن تصنيف هذه الشبكات الناظمة لهذه الحركية التجارية في الفضاء الحدودي التونسي الليبي حسب الطرق التي تعتمدها هذه المجموعات, على غرار طريقة "البرنامج", وهي تسمية محلية لعملية تهريب منظمة تقع بالتنسيق بين مالك البضاعة والمهرب (الذي يتصرف كوسيط جمركي مواز) مع التنسيق مع أعوان محددين من أجهزة الأمن والجمارك على السواء من الجانب الليبي والتونسي بمعبر رأس جدير.

طريقة "الكرّاية": وتنطلق عند اختيار المالك التونسي ميناء طرابلس لاستقبال سلعته المشحونة من موانىء الصين و سوريا و تركيا أو دبي, وذلك للتهرب من معاليم الديوانة في الموانئ التونسية, ويتكفّل الوسيط الموازي بتسلم البضاعة من طرابلس وتسليمها لصاحبها في مكان متفق عليه في تونس (عادة العاصمة).

أما ما يصطلح عليه بطريقة "صغار التجار", فتتمثل في تكفل 35,9% من "صغار التجار" المنتصبين بسوق ليبيا ببنقردان التونسية (السوق المغاربي) بعملية التزود بوسائلهم الخاصة مباشرة من ليبيا ومصر وسوريا, وتم في هذا الإطار تسجيل 88 سفرة للشخص الواحد في السنة في 1992 و195 مرّة في سنة 2012 إلى البلدان المذكورة.

وتعد ظاهرة التهريب كأحد العناصر النشيطة في سياق "العولمة المتخفية" إثر أحداث 17 فبراير 2011 في ليبيا, حيث اتخذت شبكات التهريب أشكالا متطورة في التنظيم لتلبية السوق الليبية و ازدهرت "تجارة الليل", وساهمت بذلك في تنشيط الحركية التجارية, وفي المقابل أحدثت إرباكا كبيرا في قاعدة العرض والطلب في السوق التونسية.

وفي أوت 2017, ارتفع عدد عمليات التهريب التي تم إحباطها بـ 157 قضية بنسبة 21,30 % (894 قضية من 1 جانفي إلى 31 جويلية 2017, مقابل 737 قضية خلال نفس الفترة من سنة 2016), تم خلالها الإحتفاظ بـ 52 مورطا من 1 جانفي إلى 31 جويلية 2017, مقابل 80 مورطا خلال نفس الفترة من سنة 2016.

وتساهم التجارة الموازية من 15 إلى 20 % في الناتج الداخلي الخام لتونس وتشغل 31% من اليد العاملة غير الفلاحية.

         وخلصت الدراسة إلى ضرورة اتخاذ تدابير عملية لمكافحة ظاهرة التهريب على الحدود بين تونس وليبيا, من ذلك إحداث منطقة حدودية عازلة بالجنوب التونسي, وإحداث منطقة تبادل حر بين تونس وليبيا كما جاء بالورقة المعدة من قبل مصالح وزارة التجارة التونسية في 2015, وتوحيد تعريف ظاهرة "الإقتصاد غير الرسمي", إلى جانب تكثيف الدورات التكوينية لأعوان وإطارات المصالح الديوانية والأمنية العاملة بالحدود وإستنباط اليات لمكافحة الرشوة والفساد في الهياكل الحدودية.

-        ومن بين اليات مكافحة افة التهريب على الحدود التونسية الليبية تفعيل الإستراتيجية المشتركة للتنمية التي أقرتها الدول الأعضاء باتحاد المغرب العربي في مارس 1991, والتي تنصّ على إنشاء منطقة تبادل حر خاصة بالمنتوجات المغاربية واحتواء القطاع الموازي من خلال الإعفاءات الجبائية.

وتمتد الحدود البرية بين تونس وليبيا على طول 480 كلم في جنوبها الشرقي، ومع الجزائر على طول 1050 كلم, ويتمّ التواصل مع القطر الليبي عبر بوابتين هما "راس جدير" و"ذهيبة".