الصورة التي يقدمها اليهود ذوو الأصول الليبية منذ سنوات أنهم هجروا من بلادهم بعد طردهم مع صعود نظام العقيد معمر القذافي العام 1969، لكن الحقيقة أن الإشكال الداخلي معهم بدأ منذ أربعينات القرن الماضي مع الإعلان عن تأسيس "دولة إسرائيل" على أرض فلسطين، مما ولّد ردة فعل قوية في أغلب الدول العربية ووقعت مواجهات بينهم وبين العرب، ومنذ تلك الفترة بدأت الهجرات المتتابعة نحو "إسرائيل" انسياقا مع الرواية التاريخية التي يسوقها الاحتلال بتأسيس الوطن القومي لليهود في فلسطين. وتواصلت الهجرات إلى العام 1967 أين تقلص عدد اليهود في ليبيا بشكل كبير حجتهم في ذلك التضييقات الداخلية في حين يقول أغلب الليبيين أن اليهود هم من اختاروا المغادرة طواعية تبنيا للمشروع الصهيوني في فلسطين.

بعد العام 2011 والإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، طفت على السطح عشرات القضايا، كل من له حساب مع العقيد الليبي خرج لتصفيته في تلك الفترة إن بحق أو بغيره، الظرفية وقتها كانت تسمح للجميع بالتنفيس عن عقدهم، ساعد في ذلك الوهم بأن ليبيا ستتغيّر إلى جنة يعيش فيها الناس أحرارا بعد أن رحل الرجل الذي المتحكم في البلاد. في تلك الحالة من فوضى المطالبات كثر الحديث عن اليهود الليبيين وأملاكهم وإمكانية عودتهم إلى ليبيا بعد سنوات من الهجرة والغياب، وكان أول العائدين حسبما ذكرت وسائل إعلام أجنبية، رئيس المنظمة العالمية ليهود ليبيا دايفيد جربي الذي قال إن الإطاحة بالقذافي هي بُشرى لهم للعودة إلى بلادهم.

جربي كان له حوار يوم 4 أبريل 2018، مع موقع "أصوات مغاربية" الأمريكي المختص في الأقليات بمنطقة المغرب العربي، حيث أشار إلى أن آخر اليهود الذين غادروا ليبيا مضطرين سنة 1967، كانوا في حدود 5 ألاف شخص، بعد اندلاع الحرب بين العرب والاحتلال الإسرائيلي ووقوع ما اعتبره اعتداءات على المواطنين اليهود في بلدانهم، مطالبا بطي تلك الصفحة وإنجاز مصالحة تتم عبرها حماية التاريخ اليهودي في ليبيا باعتباره جزءا من الذاكرة الليبية، وجاء الوقت الذي يجب أن يستعيد فيه اليهود الليبيون ذاكرتهم.

وقال رئيس المنظمة العالمية ليهود ليبيا، إن الحديث عن العودة في الفترة الحالية ما زال غير مطروح لكن الأمل يبقى قائما، وحتى المصالحة مازالت سابقة لأوانها، لكن الطلب الأول من السلطات الليبية هو الاعتذار لهم ورد الاعتبار من خلال التعويض، حيث يعتبر الاعتراف والاعتذار طريقا للتسامح وجعل البلاد فضاء للانفتاح والاستقرار والتسامح، مؤكدا مواصلتهم العمل على الحفاظ على ذاكرة اليهود في ليبيا، رغم إقراره أن إعادة الممتلكات في وضع أمني وسياسي متأزم يبقى أشبه بالمستحيل لكن لا شيء مستحيلا في المستقبل.

كما أشار جربي إلى أن اليهود الليبيين يسعون إلى مساعدة بلادهم الجوانب العلمية والاقتصادية بالنظر إلى ريادتهم في هذه المجالات ونفوذهم الاقتصادي في العالم، نظرا لأن الخروج من الأزمة يتطلب بذل كثير من الجهود من كل الأطراف الليبية واليهود الليبيون جزء مهم منها.