قد يبدو هذا العنوان غريبا وقد يذهب البعض إلى أنه لا يعي سيادة البلدين واستقلالية قرارهما السياسي وقد يذهب آخرون إلى القول بأنه ينم عن غياب الوعي بمفهوم السيادة الوطنية لكن المتابع لعلاقات البلدين الجارتين وجهود التنسيق والمشاورات بإمكانه أن يلاحظ بكل يسر أن شان البلدين هو شأن يكاد يكون شأنا سياسيا واجتماعيا واحدا.

وحين نتحسس جهود المسؤولين في كلي البلدين بعمق واستماتتهما في انتهاج سياسات حوار ومشاورات متواصلة سواء فيما بينهما أو مع الأمم المتحدة نلمس ان هناك رسالة مزدوجة مفادها أن تركيز دولتين مهابتين تبسط سيطرتهما السيادية المشروعة وتمارس صلاحياتهما بكل حرية وتضمن الاستقرار في البلدين هو شان واحد ووحيد.

تبدو تونس قلقة نسبيا على الأوضاع في ليبيا مخافة التداعيات السلبية وهو قلق يبقى في نهاية الامر مشروعا وبالمقابل تبدو ليبيا هي الأخرى قلقة على تونس في ظل تصاعد نسق الاحتجاجات والاحتقان الاجتماعي والسياسي الذي زج بها في أزمة حادة وما قد ينجر عنها من تداعيات على الشأن الليبي وهو أيضا قلق لا يقل مشروعية.

قبل أن نتطرق إلى التحليل لا بد من التشديد أن على المسؤولين في البلدين حريصين على عدم التدخل في الشأن الداخلي اقتناعا منهم بمبدأ السيادة الوطنية وحق الشعبين في صناعة تاريخهما بأنفسهما بناء على الخصوصيات السياسية والاجتماعية وأيضا بناء على روابط عريقة حيث تعود جذور عديد العائلات التونسية إلى النسيج القبلي الليبي.

لم يكن عنوان هذا المقال إسقاطا من كاتبه وإنما هو تعليق لدبلوماسي عربي مقيم في تونس صرح به في أعقاب لقاء الرئيس التونسي قائد السبسي جيفري فيلتمان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية ورئيس البعثة الأممية إلى ليبيا غسان سلامة لـ"بوابة إفريقيا" قائلا "لقد تحول شأني البلدين إلى شأن واحد".

وأضاف الدبلوماسي الذي رفض الكشف عن هويته يوقل "لا يمكن أن تحدث عن الاستقرار في ليبا في ظل الأزمة الحادة التي تشهدها تونس وهي أزمة إن تفاقمت ستلقي بتداعياتها السلبية على مسار الوفاق الليبي وبالمقابل لا يمكن الحيث عن الاستقرار في تونس ما لم تتوصل ليبيا إلى تركيز دولة قوية تمارس صلاحياتها وتفرض السلم الأهلي وتنجح في انتهاج سياسات ديمقراطية بعيدا عن منطق الإقصاء".

وعلمت "بوابة إفريقيا" أن قائد السبسي تحدث إلى جيفري وسلامة مطولا بكل حزم مشددا على أن "تونس ما انفكت تحشد جهودها لدعم سياسة الحوار بين الليبيين اقتناعا منها أولا بأن صناعة تاريخ البلد الشقيق هي من صلاحيات الإخوة في ليبيا وثانيا اقتناعا بأن المسار الوحيد الكفيل بحل الأزمة لا يكمن حله إلا سياسيا".

وتوجه قائد السبسي إلى جيفري يقول "لئن كان الاستقرار في ليبيا شأنا داخليا مرتبطا بالعملية السياسية الوفاقية ونجاحها فنحن ننظر في تونس على أنه شأن يعنينا بدرجة أولى ويعني منظمة الأمم المتحدة بدرجة أيضا" مضيفا "عليكم أن تكونوا على وعي بأن "المنطقة بأسرها تراهن على التسوية السياسية في ليبيا وترى أنها تبقى مهددة بعديد الاخطار طالما لم يستقر الوضع فيها أمنيا وسياسيا".

وتعليقا على موقف السبسي قال مراد الرياحي أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة التونسية لـ"بوابة إفريقيا" إن "قائد السبسي يسعى إلى اقناع جيفري بأن الوضع يفرض على تونس وعلى الأمم المتحدة ضرورة الوعي بأن استقرار المنطقة يبقى رهن الاستقرار في ليبيا وفي تونس وأن دعم عملية التسوية ليست كرامة ولا ومنة وإنما هي واجب".

وأضاف الرياحي يقول "على الرغم من اختلاف الوضع في البلدين فإن المسارات مترابطة خاصة في جانبها الأمني لجهة مخاطر الإرهاب والسياسي لجهة نجاح العملية السياسية الديمقراطية الناشئة والمتعثرة".

وتراهن تونس على توصل الليبيين إلى إنهاء الأزمة من خلال التسويات السياسية بناء على الحل السياسي دون غيره باعتباره المسار الوحيد الكفيل بتركيز دولة ليبية حرة مستقلة ذات سيادة بعيدا عن أي تدخل من قبل أي جهة خارجية.

وترى اتجاهات الرأي العام والطبقة السياسية أن ليبيا كانت "ضحية جهات خارجية عربية وإقليمية ودولية لموقعها الاستراتيجي ولثرواتها الطبيعية" ملاحظين "أن الشعب الليبي شعب مسالم ومتضامن يرفض العنف والفوضى التي نفخت فيها تلك الجهات وفي مقدمتها دويلة قطر التي استنفرت جهودها الفاشلة لتغيير نمط المجتمع".

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن لقاء السبسي بجفري جاء بعد يوم واحد من لقائه مع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي في طبرق نستنتج أن منظمة الأمم المتحدة تعي جيدا أن العملية السياسية في ليبيا تبقى مهما كانت المواقف الآلية الوحيدة لفرض الاستقرار في المنطقة عامة وإسنادا من شأنه ان يدعم المسار الديمقراطي الهش في تونس.

ولا تقل جهود المسؤولين اللبيين في تحسس الاستقرار والسلم الأهلي وتركيز مؤسسات الدولة عن الجهود التونسية إذ ما انفكوا يقودون لقاءات ومشاورات مع المسؤولين التونسيين لا لاستجداء الدعم وإنما لإقناعهم بأن نجاح العملية السياسية التونسية ولتجربة الديمقراطية الناشئة والمتعثرة تبقى رهن نجاح مسار الحل السياسية للأزمة الليبية.

وبعيدا عن المواقف الرسمية تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بكل كثافة ونخوة الرسلة التي وجهها يوم الجمعة لماضي الدكتور عبد السلام نصية إلى الشعب التونسي على خلفية الأزمة التي تمر بها البلاد وأعمال العنف والتخريب والنهب.

وعكست الرسالة لتي لقيت صدى إيجابيا مدى انشغال الشعب الليبي بتأزم الأوضاع في تونس حتى أن أحد النشطاء قال في تغريدة "إن الرسالة الليبية تعد الأولى من نوعها وكان أحرى ان تصدر عن القوى السياسية والمدنية التونسية" مضيفا يقول "يبدو أن الإخوة في ليبيا أشد حرصا على استقرار تونس من بعض الأحزاب السياسية".

وقالت النشطة سهام الغرياني "هذه رسالة تعكس موقف الشعب الليبي وتؤكد مدى انشغال الإخوة الليبيين بهمومنا ومشاغلنا خاصة وأنهم مطلعين جيدا عليها من خلال زيارات الآلاف منهم إلى مختلف جهات البلاد ومدنها.

وكان نصية دعا في رسالة عبر موقع التواصل الاجتماعي "عموم الشعب التونسي إلى الانتباه وتقدير الفرق بين إسقاط النظام أو الحكومات وإسقاط الدولة" مشددا على أن "عمليات التخريب والنهب واقتحام مقار الحكومة والأملاك العامة والخاصة هو طريق لأسقاط الدولة" مضيفا يقول "إخوتنا في تونس عرفنا تونس دولة المؤسسات ونحن نفتخر بذلك ودائما كانت لنا المثل لنا في نظامها وقوتها ....  فلا تعودوا للخلف وحافظوا على دولتكم . فلا معنى للسلطة والنظام والاصلاح في عدم وجود الدولة".

ويقول مراقبون إن غالبية اتجاه الرأي العام الليبية تراقب بكل مرارة ازمة تونس وتساورها مخاوف من أن تقود إلى إسقاط الدولة والزج بالبلاد في الفوضى الأمنية والسياسية على الرغم من استبعاد هذه الفرضية نظرا لعراقة قوة الدولة في تونس.

وشدد مختار الحاجي الأخصائي في علم الاستراتيجيات على أن "هناك وعي سياسي مشترك تونسي ليبي بأن مسار البلدين مرتبطين إلى حد التماهي" ملاحظا أن نجاح عملية التسوية السياسية في ليبيا تبقى رهن نجاح التجربة التونسية وبالمقابل فإن نجاح العملية السياسية الديمقراطية في تونس تبقى هي الأخرى رهن الحل السياسي في ليبيا.