لا يخلو مسار عبد الغني بيبط من عناصر الجدة والبحث، فعينه المدهشة اللاقطة تزداد مع توالي الأيام تعلقا بالهامشي العابر في حياتنا اليومية المكرورة، لتسعى جاهدة وبما تملك من كفاءة وخبرة متميزتين، إلى استغوار طبقات الصمت الصلد، واستقراء أبجديات ظلالها الفارقة، لتقتنص عدسته المشبعة بحساسية وبداهة فنيتين متقدتين، صور آسرة وساحرة في الآن نفسه، في هذا الحوار سنحاول أن نستقرئ تجربته ونتقرب إلى عالمه ونخوض معه هذا السبر الجميل.

• بداية شكرا على قبول دعوة إجراء هذا الحوار.

• من هو عبد الغني يببط؟

من مواليد مدينة بني ملال وسط المغرب، بدأت مساري الفني كمصور فوتوغرافي، ثم كفنان فيديو وتنصيبات معاصرة، وترجع أولى معارضي الفنية إلى سنة 1996، راكمت العديد من المعارض والتظاهرات الفنية، حصلت على عدة جوائز دولية في ميدان التصوير الفوتوغرافي وفن الفيديو، عرضت في المغرب (بني ملال، أكادير، الرباط، الدار البيضاء، فاس، مكناس) وبالخارج (فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، كندا.

• لماذا اخترت فن التصوير الفوتوغرافي بالضبط؟

التصوير الفوتوغرافي مجال يتيح إمكانات هائلة للتعبير، فيه تكون الصورة أكثر من أداة للرؤية، للكتابة، للتقويم، هي حاصل جمعي وفردي عما نختزله، بل هو وديعة قيد العمل، إنتاج قيد التجدد وحساسية قيد التجربة.

• تحدث لنا عن تجربتك مع الكاميرا، ما طبيعة العلاقة التي تجمعكما؟

خلال ممارستنا عملية التصوير يجب أن نكون واعين بأن آلة التصوير الفوتوغرافي هي أداة لإملاءات العين وامتداد للبصر أو كما يقول جاك لاكان : "العين تساهم في خلق الذات الناظرة والمنظور إليها". ولنجاح هذه العلاقة التي تجمع الفنان بآلته عليه أن يطرح عدة أسئلة من خلال ممارسته عملية التصوير، من قبيل ماهي الآثار والانطباعات الذاتية والخطابات الحسية التي يمكن لهذه الممارسة أن تضيفها للمشهد البصري؟ كيف للصورة أن تصبح أساس فيما نفكر فيه تموقعنا إزاء الفضاء؟

ــ ساهمت في عدة معارض دولية، اذكر لنا بعضا منها، وماذا أضافت لك هذه التجارب على المستوى الشخصي أولا، ثم تأثيرها عليك مهنيا؟

لابد أن الانفتاح على الآخر فنيا يغني، يلقح، يفتح آفاق فنية جديدة تغني رصيدك الفني وتتعرف من خلال هده المعارض على تجارب الآخرين، تفتح. حوارا فنيا، ففي كندا كيبيك مثلا هناك اهتمام مُلفت بالفنون البصرية، دعم فني ومعنوي، يشتغلون بما يسمى بالمختبرات الفنية للبحث، وظيفتها البحث وتجريب مقاربات جديدة للعرض الفني البصري، كالمعارض التفاعلية والتي يكون المتلقي جزءا منها، يؤثر على الصورة المعروضة والتي تتخذ أشكالا مختلفة باختلاف وضعيات المتلقي، كل هذه التجارب تُعيدك باستمرار لسؤال الإبداع.

• كيف تنظر إلى تخصص فن التصوير الفوتوغرايف في المغرب من منظورك كأحد خريجي مدارس السمعي البصري؟

هي ممارسة لازالت حديثة وفتية، تحتاج لوقت ودعم، لكنها بدأت تشق طريقها بثبات وخير دليل على ذلك حضورها القوي إلى جانب فنون أخرى، في متحف محمد السادس للفن المعاصر والحديث والمشيد مؤخرا بالمغرب لكن الشيء الذي يطغى على هذه الممارسة هنا بالمغرب كونها تميل نحو اتباع أساليب التوثيق المتعدد المجالات المتعلقة بعملية صناعة الصورة الضوئية / عملية إخراج الصور، ومحاولته بلورة وجهة نظره وتفاعله مع الواقع والحقيقة بشكل مجرد محايد في حين تقل الممارسة الفوتوغرافية التي تعتمد على صناعة صورة ضوئية ذات أفكار مسبقة تبين جزئية الحقيقة من جهة، وتغييب الواقع الكلي من جهة أخرى، وتستبدله بواقع مختزل داخل كوادره الضوئية من شخصيات ،أماكن، أحداث وحقب، تنحو نحو التعبير المفاهيمي .

• ما هو تقييمك الشخصي لعدد مزاولي هذا الفن؟ وما مدى تأثيرهم في المشهد الفني المغربي

أصبح عدد الممارسين يزداد بشكل ملحوظ، وذلك راجع لعدة أسباب، منها دمقرطة أساليب أدوات الانتاج، انتشار آلات التصوير الرقمية بشكل مهول، وانخفاض تكاليفها من جهة، إمكانية عرض الأعمال في الفضاءات الرقمية وفضاءات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتوتير وغيرها مما مكن الممارسين من نشر صورهم داخل هذه الفضاءات عبر العالم، هدا الكم سيؤدي حتما إلى اكتشاف إضاءات ابداعية متميزة هنا وهناك.

• هل يمكن تصنيف الفوتوغراف داخل منظومة الفنون التشكيلية؟ وماهي التقاطعات بينهما؟

 هناك علاقة وثيقة بين التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي حيث يمكن القول إن التصوير الفوتوغرافي خرج من رحم الفن التشكيلي، فباختراع الغرفة المظلمة من طرف الرسامين لتسهيل عملية محاكاة الواقع، هذه الغرفة المظلمة هي الجدة التاريخية لآلة التصوير الفوتوغرافي، فأصبح التصوير الفوتوغرافي منافسا حقيقيا في محاكات الواقع (تصوير البورتريهات، المناظر الطبيعية..) مما دفع الفنانين التشكيليين على البحت عن أساليب فنية جديدة للتعبير بعيدا عن المحاكاة الحرفية للواقع، فظهرت المدارس التجريدية والسريالية وغيرها، أما في الفن المعاصر خصوصا فيما يسمى التجهيز الفني أصبحت هذه الانساق الفنية تتداخل فيما بينها حيث يمكن أن تجد في إبداع واحد الرسم والتصوير الفوتوغرافي وفن الفيديو والغرافيتي إلخ...

• تحدث لنا عن الدعم المخصص من طرف وزارة الثقافة لهذا النوع، المالي واللوجيستيكي أيضا، بالخصوص المعارض والصالونات الفنية والثقافية؟

بعيدا عن خطاب التباكي، فحال التصوير من حال الثقافة على العموم في المغرب، وما أرقام الميزانيات الهزيلة المرصودة لها لخير دليل على الأهمية التي تحتلها في السياسات العمومية للدولة.

• ماذا يعني لك أن تكون فنانا فوتوغرافيا تنطلق من ذاكرتك الفردية والجماعية وتصل إلى أكبر معارض العالم؟

عندما يكون المصور الفوتوغرافي بطبيعته ميالا لالتقاط ما هو مهدد بالاندثار والانمحاء، حامل لرسالة شعارها: تخليد الذاكرة في وجه النسيان، حساسيته زائدة لامتداد الماضي، وعيونه متيقظة تبحث باستمرار عن بقايا الزمن التي تطفو هنا وهناك في جسم النسيج الحديث، يرتشف دلالات تتقابل فيها المتناقضات، حتما سوف نجد في صوره ما يخلق الدهشة لدى المتلقي، وحتما سوف تتعدى صوره الحدود.

الفوتوغرافي تواق لأزمنة أخرى تتجاوز حاضر صوره، بعناصرها اللامتوقعة، بشخوصها الملمحة، لينتج واقعا جديدا تنكسر فيه الأمكنة وذاكرتها.

• الذي يطلع على كل لوحاتك الفوتوغرافية يخرج بخلاصة مفادها أن تيمة العادات والتقاليد التي كان الأجداد يمتازون بها هي الطابع؟

قد أسميها أنا اشتغال على الذاكرة، وقد أجبت عن هذا السؤال.

• ما هي مشاريعك الفنية المستقبلية، وماذا عن الكتاب الذي تنوي اصداره قريبا؟

اشتغل الآن على كتاب فوتوغرافي تحت عنوان "وجوه من الأعالي" في قلب جبال الأطلس وعلى ارتفاع يتفاوت ما بين 1800 و2000 متر على سطح البحر،العمل عبارة عن البحت عن لحظات منفلة للجبل كشكل آخر من الحياة، كحكاية لا يتقن سردها سوى الذين خبروا العيش فيه، لن أكون مبالغ إذا قلت إنه في تلك الأعالي يوجد أكثر من سبب للشعور بالسعادة، تلك السعادة التي لن تفقه أبدا من أين تتسرب، ربما من متعة التفرج على العالم من فوق، أو من أنك تلتقط خيوط الشمس قبل الجميع.

• هل تود أن تقول كلمة لممتهني فن التصوير الفوتوغرافي؟

عندما ننتبه للزمن في تجلياته المتعددة والملتبسة، نخبر بأنه هو الملهم والخصم الأبدي للمصور الفوتوغرافي، ولأن ما من أحد ربح معركته مع الزمن على حد تعبير وليم فوكنر في (الصخب والعنف)، يبقى الإبداع شكل متميز من أشكال تحدي الموت في صياغته لعمل جماعي في شكل صور فنية، إبداع، ثقافة، دعوة لصراع حثيث ضد النسيان الذي هو آفة علمنا ومعرفتنا، ضد الإهمال المتعمد الذي تعمل قوى عديدة على ممارسته ضدنا في الخفاء أو في العلن، نداء لإنقاذ ذاكرة فردية وجماعية على حافة المواراة.

فالمصور الفوتوغرافي واحد من المسؤولين على الحفاظ على هذه الذاكرة.