تشهد جبهة الجنوب الليبي تطورات جديدة في صراع متجدد ومتواصل يظهر بين الفينة والأخرى من خلال اشتباكات متقطعة هنا وهناك،وهو ما يزيد المشهد الليبي ضبابية سياسيا وعسكريا، في وقت تتحرك فيه عدة قوى دولية وإقليمية من أجل تحقيق حل سياسي بعيدا عن الحلول العسكرية،من خلال تقديم مبادرات واحتضان اجتماعات تهدف للم الشمل الليبي.

إلى ذلك، هاجمت ميليشيات ما يعرف بـ"القوة الثالثة" الموالية لحكومة الوفاق الليبية ،الخميس الماضي، قاعدة براك الشاطئ الجوية جنوب ليبيا التي يسيطر عليها "اللواء 12" التابع للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي.وحسب ما أكده المتحدث باسم قوات الجيش الليبي، أحمد المسماري في مؤتمر صحفي ليلة الجمعة، فإن 141 شخصا قتلوا في الهجوم، بعد حصيلة أولية حددت في 60 شخصا.وتضاربت الأنباء حول سيطرة "القوة الثالثة" التابعة لكتائب مدينة مصراتة والمكلفة بتأمين الجنوب من قبل حكومة الوفاق على قاعدة براك الشاطئ، في حين قالت وسائل إعلام محلية إن قوات الجيش سيطرت من جديد على القاعدة الجوية.

وسارع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بنفي أيّ مسؤولية له في الهجوم، مدينا في بيان له بأشد العبارات التصعيد الذي وقع، واصفا إياه بـ"استمرار للعبث بالاستقرار في جنوب الوطن"، وأنه "يجحض الجهود المبذولة لحقن الدماء والمصالحة الوطنية وتحقيق الاستقرار"، مضيفا أنه لم يصدر أي تعليمات لوزارة الدفاع في الهجوم، وأنه لن يتورط أبدا في إراقة دماء اللليبين.معلنا عن فتح تحقيق في الواقعة، وأوقف وزير الدفاع المهدي البرغثي وآمر القوة الثالثة جمال التريكي إلى حين "تحديد المسؤولين عن خرق الهدنة"، ومنع القوات العسكرية التابعة له من أيّ عمليات عسكرية إلّا للدفاع عن النفس.

فيما نفت وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، أي علاقة لها بالهجوم،وقال بيان للوزارة،الجمعة: "في الوقت الذي نترحم فيه على من سقطوا يوم أمس الخميس بمعركة براك الشاطيء وندعوا لهم بالرحمة والمغفرة، فإن ذلك لأن وزارة الدفاع بحكومة الوفاق تؤمن بأن الجيش الليبي في الجنوب والشرق والغرب هو جيش ليبي واحد، وأن المصاب فيه مصابنا جميعًا".وأشارت وزارة الدفاع، في بيانها، إلى أن توجيهاتها للقوات التابعة لها كانت دائمًا واضحةً، وتدعو إلى "التهدئة"، مشددةً على أنه لم تصدر عنها أي تعليمات بالتقدم أو الهجوم على قاعدة براك.

وفي مقابل ذلك،أصدرت القوة الثالثة الجمعة 19 مايو 2017، منشور رد على قرار رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج  بإحالة وزير الدفاع المفوض العقيد المهدي البرغثي و جمال التريكي آمر القوة  للتحقيق وإيقافهم من مهاهم المكلفين بها.‎كاشفة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وثيقة تتضمن تكليفاً من العقيد " البرغثي " بالدفاع عن قاعدة تمنهنت الواقعة فى مدينة سبها، وأنها كلفت بمهمة تطهير قاعدة براك الشاطئ من عناصر تنظيم الدولة ( داعش ) المتحصنين بها بناءً على قرار وزير الدفاع وتعليمات المجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج و عضو المجلس عبدالسلام كاجمان.

من جانبه،اعتبر حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الغربية إقالة وزير الدفاع المفوض بحكومة الوفاق المهدي البرغثي "إجراء تعسفيا" و"بداية الانهيار للمجلس الرئاسي والعودة إلى نقطة الصفر". واستنكر الجهاز، في بيان صادر عقب الإقالة، هذا القرار، مشيرا إلى أن رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج لم يتحرك سابقا رغم ما وقع من "الحروب والمعارك والانتهاكات"، وأن السراج "يتعذر بكونه سيقف على مسافة واحدة من كل الليبيين حتي يتحقق الوفاق على كامل التراب الليبي"، حسب نص البيان.

وعقب هذا الهجوم توالت الإدانات المحلية والدولية والحقوقية المنددة بتلك الجريمة التي وصفها البعض بأنها "جريمة حرب".وفي هذا السياق،أدان مجلس القبائل والمدن الليبية الهجوم واصفا اياه بالارهابي والغادر.وقال بيان صادر عن مجلس القبائل والمدن الليبية، تلقت "بوابة افريقيا الاخبارية" نسخة منه، إن تلك العملية تظهر مدى التحالف بين القوة الثالثة التابعة لمتطرفي مصراتة والمدعومة من حكومة الوفاق، وبين ارهابي داعش وسرايا الدفاع عن بنغازي.وأضاف البيان أنه لم يتبقى أمام الليبيين سوى خيار واحد هو تطهير البلاد من الزنادقة والارهابيين، رافضا أي حوار أو تفاوض مع المتمردين والجبناء القابعين تحت سيطرة الميليشيات. وفق البيان.

ومن جانبها،أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،في بيان لها عن إدانتها واستنكارها الشديدين حيال المجزرة البشعة والصادمة التي أقدمت عليها جماعات مسلحة تعرف بالقوة الثالثة والتي يوجد ضمن قواتها مقاتلين أجانب من المعارضة التشادية وقوات سرايا الدفاع عن بنغازي التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي والمتحالفة مع تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي في ليبيا من خلال الهجوم الإجرامي والإرهابي ضد قوات اللواء 12 مشاة بقاعدة براك الشاطئ الجوية بالجنوب الليبي.وحملت اللجنة "مسؤولية هذه المجزرة البشعة إلى وزير الدفاع المفوض بحكومة الوفاق والى حكومة الإنقاد الوطني السابقة بقيادة خليفة الغويل والى المفتي السابق للديار الليبية الصادق الغرياني والى أمر القوة الثالثة التابعة وللمجلس العسكري مصراتة، وكما حملت اللجنة، المسؤولية إلى وزير الحكم المحلي بحكومة الوفاق الذي كان راعيا ووسيطا للتهدئة فيما بين القوة الثالثة واللواء 12 أثناء أحداث قاعدة تمنهنت".

أهالي الجنوب  من جهتهم لم يتأخر ردهم، إذ أصدر أعيان وحكماء الجنوب،السبت 20 مايو 2017،بيانا أدانوا فيه القوة الثالثة وطالبوها بمغادرة الجنوب خلال 72 ساعة.وحث الأعيان والحكماء أبناء المؤسسة العسكرية في الجنوب على ضرورة الالتحاق بـثكناتهم، معلنين تبرؤهم من أبنائهم الذين انضموا للقوة الثالثة وحلفائها.فيما حمل عضو مجلس النواب عن وادي الشاطئ علي القايدي المجلس الرئاسي، مسؤولية مجزرة براك الشاطئ، مؤكدا أنه سيتقدم بمقاضاته هو والقوة الثالثة.

ووصف عضو مجلس النواب عن الكفرة جبريل وحيدة،من جهته ما حدث في قاعدة براك الشاطئ بالجريمة النكراء التي يدينها ويستنكرها كل مسلم ومواطن ليبي .وقال وحيدة، في مداخلة مع قناة ليبيا، إنه لا يخفى على أحد هوية من يقف وراء هذه الجريمة من عصابات مارقة، ومن ورائهم الإسلام السياسي وتنظيم القاعدة في منطقة براك الشاطئ .بدوره قال النائب عن الجفرة مصباح أوحيدة لـ" إرم نيوز" :"نريد قرارات عملية بشأن الجريمة التي وقعت في براك الشاطئ، وليس بيانات فقط، يجب محاسبة المسئولين عن هذه الأحداث، ولن نقبل أن تذهب دماء الأبرياء هباءً منثورا".

أما عربيا،فقد أدانت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها بأشد العبارات الاعتداء على قاعدة براك الشاطئ.واصفة الهجوم بالعملية الإرهابية ومؤكدة على التعامل بالجدية المطلوبة مع منفذيها.فيما أعربت جامعة الدول العربية  في بيان لها،الجمعة،عن إدانتها الشديدة للهجوم المسلح وقالت: هذا الهجوم "البربرى يمثل تصعيدًا خطيرًا يهدد بإشعال الأوضاع الأمنية فى منطقة الجنوب برمتها، وإدخال ليبيا فى دوامة جديدة من الاشتباكات العسكرية الموسعة".وطالب البيان بالوقف الفوري لكل هذه العمليات العدائية واعادة الأوضاع الى ما كانت عليها حتى يتسنى استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة مضيفا "أن هذه الواقعة أظهرت من جديد التهديد الخطير الذي تمثله المجموعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون على أمن وسيادة ووحدة أراضي الدولة الليبية".

وعلى الصعيد الدولي،أدانت الدول الكبرى، السبت، المجزرة التي وقعت في قاعدة براك الشاطئ الجوية، وطالب بإحالة الجناة للعدالة.وقالت دول (الصين الشعبية وفرنسا والاتحاد الروسي وبريطانيا وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية)، في بيان، إن أحداث العنف التي وقعت في قاعدة براك الشاطئ تُهدد بعودة الصراع مُجددا على الأرض، مؤكدة دعمها للاتفاق السياسي بصفته المخرج لمعاناة الليبيين.وعبرت الدول في بيانها عن قلقها من تقارير الإعدامات الجماعية للجنود والمدنيين، ودانت أي عمل تستخدم فيه قوة السلاح لتغيير الوضع على الأرض في ليبيا، مؤكدة أنه سيؤدي إلى تقويض جهود الحوار السياسي الأخيرة وإطالة معاناة الشعب الليبي.وطالبت الدول بتقديم الجناة الذين ارتكبوا هذه الجرائم إلى العدالة، داعية كل الأطراف إلى ضبط النفس والابتعاد عن التصعيد.

من جهتها،أدانت الأمم المتحدة "الهجوم غير المبرر" على قاعدة براك الشاطئ الجوية وعبرت عن غضبها إزاء التقارير التي تفيد باحتمال وقوع إعدامات خلال الهجوم الذي تباينت التقديرات بشأن عدد قتلاه.فيما كتب السفير البريطاني لدى ليبيا بيتر مييت على حسابه بموقع تويتر أنه يشعر "بالاشمئزاز من هجوم براك الشاطئ والتقارير عن إعدامات جماعية"، ودعا لإحالة منفذيه إلى القضاء.

فيما أدان مارتن كوبلر الممثل الخاص للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ورئيس بعثتها إلى ليبيا،الهجوم الشرس.وأعلن كوبلر إدانته للهجوم على قاعدة براك الشاطئ الجوية محذرا من نشوب نزاع خطير ومؤكدا: "أن هذا الهجوم الشرس يقوض الجهود السياسية".وأكد الممثل الخاص أن هذا الهجوم الشرس يجب ألا يدفع إلى مزيد من الصراع، مؤكدا أنه لا يوجد حل عسكري في ليبيا.وأضاف كوبلر "أناشد جميع الأطراف أن تدين هذا الهجوم وألا تسمح له بتقويض الجهود المكثفة التي ترمي إلى إيجاد حلول سياسية سلمية".

كما عبر المتحدث الرسمي باسم مفوضية الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي،السبت 20 مايو 2017،عن ادانته للهجوم وقال المتحدث إن "تقارير العنف في قاعدة براك الشاطئ الجوية، جنوب ليبيا، والعدد الكبير من القتلى، بما فيهم المدنيين وعمليات الاعدام، تشكل تطوراً مثيراً للقلق"، مشيراً إلى أن"العنف ليس حلا لتحديات ليبيا، ولا يمكن إلا أن يعرض للخطر العمل الجاري لإيجاد حل سلمي وتفاوضي للأزمة السياسية والأمنية".ودعا الاتحاد "جميع الأطراف ممارسة ضبط النفس ووقف جميع الأعمال العدائية وتجنب المزيد من تصعيد العنف من أجل جميع الليبيين"، مؤكدا على ضرورة "اجراء مزيد من الحوار بين جميع الاطراف بروح من المصالحة".

وفي رده على الهجوم،توعّد المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، مساء الجمعة برد "مزلزل" على ما وصفه بالهجوم الهمجي على جنود الجيش التابعين للواء 12 مجحفلة بقاعدة براك الشاطئ الجوية جنوب ليبيا ،"من قبل ميليشيات مارقة لا عهد ولا ذمة لها".وحمّل حفتر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق مسؤولية هذا الهجوم، معتبرا أنها "نقضت عهد الهدنة الذي تم الاتفاق عيه سابقا في سبيل منح فرصة لاختبار نوايا سلام رعاة هذه الميليشيات المتطرفة"، واتهم عناصر تابعة لـ تنظيم القاعدة الارهابي بأنه من قام بعمليات التصفية للجنود والضباط.

من جانبه توعّد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة العربية الليبية الحاكم العسكري درنة – بن جواد،الواء عبد الرزاق الناظوري، بعقاب قاسي في إنتظار من قام بالهجوم هم ومن وراءهم, متوعداً بقصاص عاجل للإرهابيين.وكان آمر غرفة عمليات سلاح الجو العميد طيار ركن " محمد منفور " أكد في تصريح لبوابة أفريقيا الإخبارية، أن القوات الجوية العربية الليبية اطلقت ،الجمعة، عملية جوية تحت إسم " شهداء براك" استهدفت من خلالها مزارع الدبوات غرب براك الشاطئ مقر أحمد عبدالجليل الحسناوي احد ابرز قيادات تنظيم القاعدة، واستهداف قاعدة الجفرة مقر تجمع القوة الثالثة وسرايا الدفاع والمرتزقه الافارقه وكانت الاصابات مباشرة.

ويتخوف مراقبون من أن تنعكس هذه المواجهات على مسار الحل السياسي والتسوية السلمية التي بدأت تلوح منذ لقاء أبوظبي.حيث يأتي الهجوم عقب اتفاق على وقف الحرب في الجنوب كان قد توصل إليه القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، عقب لقاء جمعهما في العاصمة الإماراتية أبوظبي منذ أسبوعين.كما ينهى الهجوم على قاعدة براك الشاطئ هدنة في المنطقة التي أصبحت في الأشهر الأخيرة نقطة توتر كبير.

وكان اتفاق سابق أُبرم تحت إشراف بلدية براك، سلم للقوة الثالثة مهمة تأمين قاعدة براك الجوية، بينما أسند لـ"الواء 12" مهمة تأمين مطار براك المدني، وبموجبه تسلم اللواء البوابة الرئيسية للمطار لتأمينه.وتسيطر على قاعدة تمنهنت الجوية منذ يناير 2014 "القوة الثالثة"، وهي قوة احتياطية ينحدر مقاتلوها من مدينة مصراتة وتتبع المجلس العسكري بمصراتة.ويتهم سكان الجنوب "القوة الثالثة" بممارسة أعمال انتقامية ضدهم،وخرج سكان مدينة سبها يناير الماضي في مظاهرة طالبوا فيها برحيل القوة عن الجنوب.