أثارت الأحداث الدامية والاشتباكات المسلحة بين الميليشيات التي شهدتها العاصمة الليبية استنكارا وتنديدا واسعين على الصعيدين الداخلي والخارجي.وبالرغم من التوصل إلى وقف إطلاق النار،فإن  تساؤلات عديدة تتصاعد حول مدى قدرة حكومة الوفاق على بسط سيطرتها على العاصمة والحد من سطوة الميليشيات.

الى ذلك،وبعد اشتباكات دامية استمرت يومين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة بين المجموعات المسلحة المتمركزة بمنطقة "أبو سليم" في العاصمة طرابلس،أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية،في بيان، الجمعة 24 فبراير/شباط،، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.وأشار المجلس إلى أن الاتفاق جرى التوصل إليه بين الأطراف المتنازعة برعاية المجلس الرئاسي والأجهزة التابعة له وإدارة العمليات بالحرس الرئاسي و مدير مديرية أمن طرابلس وقادة كتائب طرابلس وأعيان ترهونة وغريان والمجلس الأعلى لأعيان طرابلس الكبري.

كما أعلن عن "تشكيل لجنة أمنية لمتابعة تنفيذ الاتفاق، وكذلك لجنة من وزارة الصحة لمتابعة علاج الجرحى والمصابين وأخرى لتقييم الأضرار التي لحقت بالمنشآت والمباني وإصلاحها وتعويض المتضررين".مجددا في بيانه التأكيد على مواصلة الاستمرار في عمله لإنهاء كافة مظاهر التسلح الخارجة عن القانون وشرعية حكومة الوفاق الوطني من العاصمة طرابلس وفقاً للترتيبات الأمنية والقرارات الصادرة بالخصوص،متعهدا في هذا الشأن بملاحقة المخالفين لذلك والقبض عليهم لمحاكمتهم أمام القضاء.

 وكانت حكومة الإنقاذ، بقيادة خليفة الغويل،قد سارعت في وقت سابق،الى التأكيد عن قلقها البالغ من الاشتباكات المسلحة الدائرة بمنطقة أبو سليم.وجاء في البيان دعوة حكومة الإنقاذ جميع الأطراف المعنية بالاشتباكات الجارية إلى إيقاف إطلاق النار والحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم.وطالبت جميع وحدات رئاسة أركان المؤتمر الوطني العام، اتخاذ أعلى درجات التأهب للتدخل لإنهاء حالة الفوضى الناتجة عن هذه الاشتباكات الدائرة بين المجموعات المسلحة.

وكشفت حكومة "الغويل" في بيان لها بأنها تجرى اتصالات مكثفة مع أطراف النزاع بشكل متواصل لاحتواء الأحداث، التي وصفتها بـ"المؤسفة" الناتجة عن الاشتباكات بين المجموعات المسلحة ، معتبرة أن هذه الاشتباكات هدفها الأول ترويع المواطنين وزعزعة أمن العاصمة.

ومع فوضى انتشار السلاح وتضارب المصالح لدى قادة عدد من الميليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس،يؤكّد مراقبون أن تثبيت وقف إطلاق النار يبقى مهمة معقدة،حيث لا وجود لأية ضمانة على عدم تكرار المعارك.وهو ما يهدد بامكانية دخول ليبيا مرحلة جديدة من اقتتال الميليشيات، ما يبدد أجواء التفاؤل الحذر التي سادت المشهد الليبي خلال الأيام القليلة الماضية مع تسارع خطى الحراك السياسي والدبلوماسي لتسوية الأزمة على أساس المبادرة الرئاسية التونسية.

وبدأت الاشتباكات تتفاقم في بداية الشهر الجاري، بين قوات تابعة لـحكومة الإنقاذ المتمركزة بالعاصمة وأخرى تابعة لحكومة الوفاق في مناطق "مشروع الهضبة" جنوبي طرابلس.وقد  بدأت مساء الخميس الماضي،اشتباكات متقطعة بين قوات الأمن المركزي فرع أبوسليم، التابع لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق، وكتيبة البركي، التابع لوزارة دفاع حكومة الإنقاذ،وأدت هذه الصدامات الى وقوع  خسائر بشرية ومادية كبيرة.

وتعليقاً على المشهد الدموي في طرابلس،إستنكر المجلس الاعلى للقبائل والمدن الليبية في بيان صادر عنه المعارك الشرسة التي دارت في العاصمة طرابلس بين ميليشيات فبراير الظلامية على حد تعبير البيان والتي دامت  ثلاثة ايام واستهدفت السيطرة على العاصمة.وأضاف البيان الذي حصلت "بوابة افريقيا الاخبارية" على نسخة منه أن تلك المعارك أدت الى استشهاد العديد من الارواح البريئة وأسفرت عن سقوط عديد الجرحى علاوة على تهديم وتدمير الممتلكات العامة.واستنكر المجلس عدم قيام الحكومات المستوردة على حد تعبيره بأي جهود لحماية المدنيين في منطقة بوسليم.كما أدان المجلس عدم تدخل بعثة الامم المتحدة التي قال انها  تتحكم في مصير  الليبيين وكذلك جامعة الدول العربية.

فيما أدان "تحالف القوى الوطنية" أحداث منطقة أبو سليم وما سببته من خسائر بشرية ومادية، مؤكدا أن "استهداف المدنيين يعد عملا إجراميا يعاقب عليه القانون". وذكر التحالف، في بيان صادر،السبت 25 فبراير 2017، أن "تكرار الاشتباكات ومنها أحداث طرابلس الأخيرة أثبتت هشاشة الأجسام التي تدعي الشرعية، وأكدت خطأ منهجية الحوار الذي تم في الصخيرات المغربية والذي أسس لتقاسم السلطة في بلد لم تقم فيه دولة أصلا". وشكك التحالف في استمرار الاتفاق المبدئي لوقف إطلاق النار الموقع بين أطراف النزاع ، مع انتشار المجموعات المسلحة تقتات من ابتزاز الدولة، موضحا أن "الحل يكمن في وضع تصور عملي قابل للتنفيذ يعالج قضية المجموعات المسلحة بشكل جذري.

من جهتها وفي بيان موقع باسم سفرائها أدانت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية،اشتباكات بوسليم مرحبة في ذات الصدد باتفاق وقف اطلاق النار بين الميليشيات المتناحرة.كما استنكر البيان الذي تلقت "بوابة افريقيا الاخبارية" نسخة منه التهديد الذي تعرض له رئيس المجلس الرئاسي"فايز السراج" قبل ايام ، وطالب جميع الأطراف بوقف أعمال العنف التي تؤدي إلى خسائر في أرواح المدنيين، وتقويض آفاق المصالحة السياسية والاجتماعية في البلاد.

أما ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي،فأعلنت في بيان لها،السبت 25 فبراير 2017،عن إدانتها للاشتباكات الأخيرة، معتبرة أنها تعرقل حل الأزمة السياسية في البلاد.وشددت على أن "العنف لن يحل أيًا من التحديات السياسية في ليبيا"، لافتة إلى ترحيب الاتحاد الأوروبي باتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن.وترى موغيريني أن الهجوم قبل أيام على موكب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج يعبّر عن "هشاشة الوضع في ليبيا، ومحاولة واضحة لعرقلة العملية السياسية"، مؤكدة دعم الاتحاد "الكامل" للمؤسسات التي أنشئت بموجب الاتفاق السياسي الليبي، بما في ذلك المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني.

وتأتي الأحداث الأخيرة بالتزامن مع مشاورات مكثفة ولقاءات دبلوماسية لدول الجوار،ويحذر المتابعون للشأن الليبي،من تداعيات هذه الاشتباكات المسلحة على مناخات الحوار التي بدأت تتجمّع على وقع الحراك السياسي والدبلوماسي لتونس ومصر والجزائر لإيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية.حيث كثفت دول الجوار من تحركاتها واتصالاتها بالفرقاء الليبيين لحثهم على الجلوس إلى طاولة الحوار  لحل الصراع المستمر في البلاد.

 وتمثل هذه الاشتباكات الأخيرة بحسب مراقبين استمراراً لمشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على طرابلس،وضعف حكومة الوفاق على الأرض في مواجهة هذا الخليط من الميليشيات.وفي هذا السياق،عبر النائب في البرلمان الليبي محمد عبد الله أعرب لـ "إرم نيوز":عن اعتقاده أن "الاشتباكات الأخيرة في طرابلس، ستُعجّل رحيل السراج عن السلطة، كونها أظهرت جليًا عدم مقدرته على امتلاك زمام السيطرة على الجماعات المسلحة".

 وقال النائب "عندما نصَّ الاتفاق السياسي على ضرورة إخراج الميليشيات خارج العاصمة والمدن الكبرى، خلال فترة لا تتعدى 30 يومًا من تاريخ التوقيع عليه، لم يتم تطبيق ذلك للأسف، بل تم منح الميليشيات شرعية غير قانونية من قبل السراج، وباتت مستمرة في إثارة الفوضى والاقتتال فيما بينها، وبدلاً من صناعة فارق مهم لتحسّن الحالة الأمنية، ازداد الأمر سوءًا في طرابلس، وأضحت ساحة للصراعات المسلحة". وأكد أن نتائج هذه المعالجة للميليشيات أظهرت كارثية، فبدلاً من إلقاء أسلحتها وتسليمها للقوات النظامية، تم منحها أموالًا وتجهيزات عسكرية، وكأن السراج يريد تقويتها لصالح أجندة معينة، لا نعلمها حتى اليوم على حدّ وصفه.

ومع سيطرة ميليشيات بولاءات مختلفة وأجندات متعددة،تجد العاصمة الليبية نفسها في أتون ساخن قابل للانفجار في ظل امكانية تجدد الاشتباكات المسلحة التي حصدت أرواح العديدين.ويبقى المواطن هو الخاسر الأبرز في هذه الأحداث التي تزيد من تردي الأوضاع في البلاد.ومنذ 2011،خرج الشارع الليبي مرارا وتكرارا ضد الميليشيات، مطالبا بضورة إنهاء المظاهر المسلحة وجمع السلاح والمسارعة في تشكيل جيش وشرطة يخول لهما فقط ضبط الأمن.

ورغم وصول حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج وبداية عملها،إلا أن تغول المجموعات المسلحة وضعها في موقف صعب، خاصة بعد ممارسات هذه المجموعات في المناطق المتمركزة فيها من انتهاكات لحقوق الانسان سواء بالإختطاف أو الإعتقالات الغير قانونية أو التعذيب والقتل.ووسط تزايد الانتقادات لمصداقية وشرعية الاتفاق السياسي ومخرجاته يتزايد الغموض حول مصير "حكومة السراج"، التي طالما راهن عليها المجتمع الدولي، مما قد ينذر بتحولات في المشهد الليبي قد تفصح عنها المرحلة القادمة.