مازالت العراقيل تقف حائلًا أمام عمل المجلس الرئاسي الذي تم التوافق عليه من قبل الأمم المتحدة في ديسمبر الماضي، والذي يرفضه البرلمان الليبي المعترف به دوليًّا وكذلك المؤتمر الوطني المنتهية ولايته المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.وبالتوازي مع ذلك يرتفع الضغط الدولي دعماً لحكومة "الوفاق الوطني" الليبية برئاسة فائز السراج، في مسعى لتثبيت وجودها كسلطة شرعية وحيدة على الأرض في ليبيا التي تسودها الفوضى والانتشار السريع للتنظيمات الارهابية وعلى راسها تنظيم "داعش"الذي أصبح يشكل خطرا اقليميا ودوليا.

إلى ذلك تسعى حكومة السراج للانتقال إلى العاصمة طرابلس لبدء عملها، في حين تواجهها العديد من العقبات مع تعنت الأطراف المتنازعة في منحها الثقة.حيث أكد السراج وصول عدد من أعضاء المجلس الرئاسي للعاصمة طرابلس السبت 19 مارس 2016، مؤكدًا بأنهم يعقدون اجتماعات متواصلة مع الضباط المكلفين بالترتيبات الأمنية؛ الأمر الذي يسبب حالة من الغضب وسط الأطراف المتنازعة قد يساعد في تنامي وتوغل الجماعات الإرهابية.وكان قال في وقت سابق: "قمنا بالتنسيق مع جميع الوزارات داخل مدينة طرابلس، لغرض التسليم والاستلام"، مؤكداً على موافقة مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط على دعم الحكومة، وأن الطريق يسير نحو توحيد المؤسسات السيادية في ليبيا.

وكشف رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، عن تجهيز قوة من الجيش والشرطة ستكون في استقبال المجلس الرئاسي بالعاصمة طرابلس خلال أيام، وأنه تواصل مع مديرية أمن طرابلس وجرى تكليف قوة من الجيش والشرطة لحماية الحكومة وهناك قوة جاهزة من الشرطة.إلى هذا أكد الناطق باسم لواء كتائب شهداء زاوية المحجوب بمصراتة حمزة أبوسنينة لأجواء نت، وجود تواصل بينهم وبين لجنة الترتيبات الأمنية بحكومة الوفاق الوطني، من أجل تأمين العاصمة طرابلس.وبدوره٬ قال الناطق باسم كتيبة فرسان جنزور طارق الأربش لأجواء نت: إنهم تواصلوا مع لجنة الترتيبات الأمنية بحكومة الوفاق الوطني منذ بداية عملها.

وعلى صعيد آخر نفت كتائب عسكرية وجود أي تنسيق بينها وبين اللجنة المؤقتة لتسيير الترتيبات الأمنية بحكومة الوفاق الوطني٬ وانضمامها للجنة٬وفنّد الناطق باسم المجلس العسكري لمصراتة إبراهيم بيت المال في تصريح لأجواء نت الإثنين 21 مارس 2016، وجود أي تواصل بين المجلس ولجنة الترتيبات الأمنية بحكومة الوفاق الوطني.وفي بيان لها ٬الأحد٬ شددت كتيبة المرسى الكبرى على امتثالها لشرعية المؤتمر الوطني العام ووزارة الدفاع بحكومة الإنقاذ الوطني، وأنها تتبع أوامر رئيس الأركان العامة التابع للمؤتمر عبد السلام جادالله، مشيرة إلى أن أي تواصل يجب أن يكون عن طريق المؤسسة العسكرية دون غيرها.

ويواجه الاتفاق السياسي الليبي صعوبات منذ توقيعه قبل أكثر من 3 أشهر؛ بسبب عدم قدرة البرلمان على الانعقاد لمنح الثقة والتصويت على الحكومة، بعد انقسام النواب حول حكومة السراج، بين مؤيد ومعارض لها.ويُعتبر احتمال حصول مقاومة لدخول الحكومة إلى طرابلس فرضية ممكنة، لم يغفل عنها المجتمع الدولي المساند لمسار حكومة "الوفاق"،كان مجلس الأمن قد دعا منذ أيام إلى عدم التعامل مع حكومتي طرابلس وطبرق، معتبراً أن حكومة "الوفاق" هي الممثل الشرعي الوحيد لليبيا.كما كان مجلس الأمن قد شدد في بيان على أن العاصمة طرابلس يجب أن تكون مقراً لحكومة "الوفاق الوطني" بعد أن يتم اتخاذ التدابير اللازمة لضمان الأمن فيها.

ويأتي اجتماع دول جوار ليبيا (تونس والجزائر ومصر والسودان والتشاد والنيجر) في تونس لبحث تطورات الأوضاع في ليبيا، إذ تحتضن الثلاثاء 22 مارس 2016 لبحث السبل الكفيلة بدعم العملية السياسية وجهود إعادة الأمن والاستقرار. وسيشهد هذا الاجتماع مشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، وممثلي الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. ولفت وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، إلى الأهمية الكبيرة التي توليها تونس لهذا الاجتماع الذي ينعقد في وقت حساس للغاية، وقال في تصريح إذاعي إن "تونس تنتظر الكثير من هذا الاجتماع".من جهته، قال المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، الذي سيشارك في المؤتمر، إنه سيتم بحث مسار المفاوضات وتمكين حكومة الوفاق الوطني من عملها، مشيراً إلى أنه تم توجيه الدعوة إلى فائز السراج للمشاركة في الاجتماع وإيجاد الحلول والاقتراحات التي تساعد حكومة الوفاق على عملها من طرابلس في أقرب وقت.

وأعلنت دول الجوار الليبي ممثلة خصوصًا في الجزائر ومصر وتونس عن مواقفها السياسية من التدخل العسكري الغربي في البلاد، الذي سيُدرس التنسيق بشأنه فيما بينها لتجنيب وقوعه،في ظل اختلافات واضحة بين الجزائر وتونس من جهة، ومصر من جهة أخرى.ففي حين أكدت تونس مرة أخرى عبر رئيسها الباجي قائد السبسي الأحد 20 مارس 2016 أنها لا تنحاز لأي طرف في ليبيا، وترى أن المصالحة الشاملة هي الحل، تميل مصر إلى دعم الجهة الشرقية وتطالب بدعم جيش خليفة حفتر، وهو ما عارضته إيطاليا أيضاً على لسان وزير خارجيتها باولو جينتيلوني، لأن الحل ليس بيد حفتر على حد قوله، وأنها تعتقد أيضاً أن المصالحة هي السبيل الوحيد لإخراج ليبيا من أزمتها.

وشهدت الأيام الأخيرة تحركات رفيعة المستوى للسراج،تدل على اعترافات متتالية من عدة دول بحكومته كسلطة شرعية وحيدة ممثلة لليبيا. وتبدو تونس على رأس هذه الدول، إذ التقى السراج رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، الذي أكد دعم تونس "الكامل واللامحدود للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني"، وترحيبها بإعلان حكومة الوفاق الوطني بدء عملها من العاصمة الليبية طرابلس، مؤكداً أن بلاده ستدرس إعادة الرحلات الجوية بين المطارات الليبية ومطار قرطاج الدولي.من جهته، أكد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، أن حكومة الوفاق الوطني هي "الشرعية الوحيدة في ليبيا بمصادقة مجلس الأمن الدولي"، مجدداً استعداد بلاده والمجتمع الدولي لمساعدتها.

ووفق متابعين سيكون إختبارا حقيقيا لحكومة الوفاق الوطني،حيث عارضت فئات متعددة من الأحزاب والجهات الليبية دخول حكومة الوفاق إلى طرابلس،وكان خليفة الغويل رئيس حكومة الإنقاذ الوطني التابعة للمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، قال في تصريحات صحفية: إن قدوم حكومة الوفاق الوطني إلى طرابلس: "الخطوة غير قانونية، مشيرًا إلى احتمالية إلقاء القبض على أعضائها".ينما خرجت تظاهرات ضمت مجموعات من الشباب وأهالي مدن عديدة، من بينها طرابلس ومصراتة، تأييداً لحكومة الوفاق الوطني وداعية للبدء في بناء الدولة.

على صعيد آخر تواجه حكومة الوفاق تحديات كبيرة،على رأسها الجانب الأمنى.حيث يمثل ملف الإرهاب الأكبر والأخطر في المشهد الليبي.إلى ذلك اعتبرت جريدة "فاينانشيال تايمز" البريطانية تركيز تنظيم "داعش" على مهاجمة المنشآت والموانئ النفطية الليبية في الفترة الأخيرة نقلة جديدة في الصراع المستمر منذ أكثر من عامين، وتحويلاً لتركيز التنظيم من إثارة الفتن المحلية إلى أهداف إقليمية أوسع.ورأت الجريدة في تقريرها ،الأحد، أن الهدف الرئيس من هجمات التنظيم هو تقويض قدرة حكومة الوفاق الوطني على استخدام عائدات النفط في إعادة بناء الدولة وبالتالي إفقادها القدرة على العمل.ويستطيع تنظيم "داعش" استخدام الحقول النفطية القريبة من مواقعه كأداة لتعطيل مفاوضات تشكيل حكومة الوفاق في أي وقت، فتعطيل الإنتاج النفطي وإيقاف العمل بالموانئ والمنشآت يؤثر بشكل كبير على استقرار الدولة، وفق ما أكده دبلوماسي أوروبي نقلت عنه الجريدة.

إلى ذلك تتصاعد تحذيرات من أن ليبيا قد تنقسم إلى 4 حكومات في ظل هذه الفوضى التي تشهدها؛ حيث أكد مارتن كوبلر المبعوث الأممي لدي ليبيا، أن "هناك أربع حكومات، بالإضافة إلى البرلمان؛ حيث توجد حكومة واحدة معروفة لدى الجميع وأوراقها على الطاولة، وهناك حكومتان غير فعالتين على أرض الواقع وهما حكومتا طبرق وطرابلس؛ حيث لا تجد كهرباء والمستشفيات لا تعمل والأوضاع صعبة للغاية وخطيرة، وفي الوقت نفسه توجد الحكومة الرابعة هي الحكومة المتمثلة في تنظيم داعش، والتي تعد فعالة وتعمل على أرض الواقع بالسيطرة على الأراضي بالسلاح والإرهاب وهذا غير مقبول، ولكي يتم مواجهته لا بد من تعزيز ومساعدة حكومة الوفاق الوطني من كافة الجهات".