رغم الجهود والمساعي الدولية وتعدد الاجتماعات والمبادرات الساعية لحلحلة الازمة،فشلت أطراف الصراع الليبي في الوصول الى اتفاق موحد ينهي سنوات من الاقتتال السياسي والعسكري على جميع الجبهات،وخاصة جبهة الجنوب الليبي التي تشهد تطورات جديدة بعد إطلاق القيادة العامة للجيش الوطني الاثنين الماضي عملية عسكرية باسم "الرمال المتحركة" للسيطرة على مناطق ليبيا الجنوبية بالكامل.

ومع سيطرته على أغلب المناطق شرق ليبيا، وبسط سيطرته على الهلال النفطي، أعلن الجيش الليبي،ليل الاثنين- الثلاثاء،انطلاق عملية "الرمال المتحركة" لتحرير منطقة الجنوب بالكامل.وأصدرت القيادة العامة بقيادة المشير خليفة حفتر التعليمات لآمر اللواء "12" مجحفل بالتحرك لتطهير منطقة الجنوب من المليشيات المسلحة.حيث في تشارك العملية الكتيبة 116 مشاة الآلية، والكتيبة 121 مشاة خفيف، والكتيبة 181 مشاة، والسريّة الخامسة، والسريّة السادسة، وسرية سبها المقاتلة.

ودخلت القوات المسلحة، الخميس 23 مارس 2017، بلدية البوانيس إحدى مناطق سمنو وسط ترحيب من أهالي المنطقة.وأوضح المكتب الإعلامي باللواء"12 "مجحفل " مشاة" ان الاهالي عبرت عن دعمها للقوات المسلحة في إستعادة الأمن والإستقرار.وتتكون منطقة البوانيس من ثلاثة قرى الاولى تمنهنت وتبعد شمال سبها 30 كيلو متر والقرية الثانية قرية سمنو وتبعد من قرية تمنهنت ما يقرب 30 كيلو متر تجاة الشمال، فيما تبعد القرية الثالثة والتى تسمي "الزيغن "عن قرية سمنو حوالي 20 كيلو متر تجاه الغرب، وتقع هذه المناطق ما بين قاعدة تمنهنت وقاعدة الجفرة فى الجنوب الليبي.

من جهة أخرى تردد أن الجيش الليبي سيطر على قاعدة تمنهنت الجوية في جنوب البلاد بالكامل، بعد عملية عسكرية خاطفة.وكان العقيد أحمد المسماري المتحدث باسم القوات المسلحة الليبية أعلن أن "القوة الثالثة التابعة لمدينة مصراتة التي تتمركز بالجنوب طالبت بممر آمن  لخروجها من المنطقة".وذكر المسماري خلال مؤتمر صحفي بمدينة بنغازي الأربعاء 22 مارس/آذار أن القوات التي كانت تتمركز في قاعدة "تمنهنت" تحاول الفرار إلى مدينة الجفرة عبر سناون وأنها بدأت في نقل معداتها، معبرا عن الترحيب بحقن الدماء.

وتعتبر قاعدة تمنهنت الجوية، ثاني أكبر قواعد جنوب البلاد العسكرية بعد قاعدة الجفرة، إذ تحتوي على مطار لتسيير حركة النقل الجوية المدنية، بالإضافة إلى منشآت عسكرية ومخازن، وتقع على مقربة من مدينة سبها أكبر مدن الجنوب الليبي.

وفي مقابل ذلك،قال مدير مديرية أمن سبها يونس عبد القادر أن الأوضاع الحالية في قاعدة تمنهنت مستقرة مؤكداً على أن الإشاعات المتداولة بخصوص دخول قوة للقاعدة وحدوث عملية تسليم وإستلام بين "القوة الثالثة" و"اللواء 12" مجحفل التابع للقيادة العامة لا وجود لها.وأكد عبد القادرخلال مداخلة هاتفية في برنامج "بانوراما اليوم" الذي يبث عبر قناة "ليبيا بانوراما"،الأربعاء 22 مارس 2017، على عدم وجود إشتباكات في قاعدة تمنهنت بعد تدخل أعيان وحكماء مدينة سبها لفض النزاع وإخماد الفتنة حسب تعبيره.

وبيّن عبد القادر أن خلاف وقع بين القوة الثالثة و بين بعض كتائب مدينة سبها أدى لإنسحابهم بعد حل الخلاف والتعهد على تقديم الدعم للمديرية من خلال تكليف مجموعة لحراسة بوابة قويرة المال، لافتاً إلى أن مديرية أمن سبها والأمن العام مازالوا متواجدين في أماكنهم المخصصه.وأرجع مدير مديرية أمن سبها تكرار المشاكل في محيط قاعدة تمنهنت إلى التجاذبات السياسية داعياً الجميع لضرروة وقف الحروب وسفك الدماء.

من جهتها،علقت شركة الخطوط الجوية الليبية كافة رحلاتها باتجاه مطار تمنهنت الى حين اشعار اخر.وأكد الناطق الاعلامي للشركة "سعد ابوخطوة" في تصريح صحفي اعلان شركة الخطوط الجوية الليبية تعليق كافة رحلاتها المتجهة الى مطار تمنهت بسبها.واضاف بأن الشركة تسعى لتشغيل جميع رحلاتها بكافة المطارات الليبية والتي تسهم في ربط المطارات الجنوبية بالشمالية والشرقية بالغربية لتسهيل حركة المسافرين بين هذه المطارات وربطها بالمطارات الخارجية.فيما أكد مدير الخطوط الليبية بسبها محمد المنصوري تعليق رحلات الشركة إلى مطار تمنهنت نظرا للظروف الأمنية بالمنطقة والرحلات ستستأنف حال تحسن الأوضاع ضمانا لسلامة المسافرين.

وتسيطر على قاعدة تمنهنت الجوية منذ يناير من عام 2014، "القوة الثالثة لحماية الجنوب"،وهي قوة إحتياطية جُل مقاتليها من مدينة مصراتة وتتبع المجلس العسكري بمصراتة.ويتهم بعض مسؤولي الجنوب مايعرف بـ"القوة الثالثة بالتسبب في الأوضاع التي يشهدها الجنوب انتقاما من سكانه الذين طالبوا بإخراج أفراد تلك القبائل من المنطقة.

إلى ذلك، أصدر حكماء وضباط صف وجنود بالجيش الوطني وضباط وأفراد بالشرطة وقوة الإسناد ومؤسسات المجتمع المدني، بيانا خلال اجتماع عقدوه،الخميس 23 مارس 2017، في بلدية وادي البوانيس، أكدو فيه أن ليبيا وحدة واحدة غير قابلة للتقسيم، كما رفضوا أي توجهات جهوية أو قبلية.وشدد البيان على رفض تواجد أي مظاهر أو تشكيلات عسكرية خارجة عن إطار القوات المسلحة بما في ذلك القوة الثالثة، مشيرا إلى قدرة أبناء المنطقة من ضباط وضباط صف وجنود بالقوات المسلحة والشرطة على تأمين الحدود الإدارية لبلدية وادي البوانيس.وعبّر البيان عن التمسك بالقوات المسلحة والشرطة المنبثقة عن السلطة الشرعية للبرلمان باعتبار أنه لا بديل عنهما لحماية الوطن والمواطن، على حد تعبير البيان.

وكان أعيان فزان قد طالبوا في بيان أصدروه عقب اجتماعهم،الأربعاء 4 يناير 2017،"القوة الثالثة" المكلفة بتأمين المنطقة الجنوبية منذ فبراير 2014 بضرورة مغادرة المنطقة، معلنين أنهم في حلٍ من كل الاتفاقات السابقة التي شرعنت وجود أي قوة من خارج المنطقة في الجنوب.وحمل البيان القوة الثالثة "مسؤولية جلب المرتزقة لاستعمالهم لقتل أبناء الجنوب من أجل الإخلال بالوضع الأمني فيه"، لافتًا أن قبائل ومكونات الجنوب "سيتابعون القوة الثالثة قانونيًا أمام الجهات المختصة".

فيما خرج أهالي وسكان سبها،في يناير الماضي، في مظاهرة مطالبين فيها برحيل القوة الثالثة عن الجنوب، كما طالبوا بعودة مؤسسة الجيش وتسليمها واجب حماية الجنوب ومؤسسات الدولة والممتلكات الخاصة.واستنكر المتظاهرون في بيانهم استجلاب المليشيات المسلحة بالمقاتلين الأجانب للدفاع عن وجودها في قاعدة تمنهنت الجوية وأكد المتظاهرون أن أهل الجنوب مستعدون للدفاع عن فزان بجانب قوات الجيش المتمثلة في اللواء اثني عشر مجحفل، معبرين عن دعمهم للجيش الليبي لإستعادة السيطرة على المنشآت والمؤسسات الحكومية وإخراج المليشيات منها كما جاء في البيـــــان.

على صعيد آخر،يعتبرالجنوب الحلقة الأضعف أمنيا،حيث يمثل بيئة جاذبة لعمل الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة والقاعدة والأنشطة غير القانونية، مما يهدد الأمن القومي الليبي، ودول الجوار أيضا، حيث تنشط عصابات تهريب البشر إلى أوروبا وتجارة المخدرات والسلاح.كما تؤكد عدة أطراف على الخطر الذي يمثله تنظيم "داعش" الذي يرص صفوفه في الجنوب الليبي بعد هزيمته في مدينة سرت.

ومؤخرا تداول تقرير اعلامي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" جاء فيه ان واشنطن تبني قاعدة جوية عسكرية لطائرات دون طيار في مدينة أغاديز بالنيجر بقيمة 50 مليون دولار لمراقبة الأوضاع في جنوب ليبيا.وقالت الصحيفة انه من المتوقع الانتهاء من أعمال البناء العام المقبل. وتعتزم واشنطن استخدام تلك القاعدة العسكرية للسماح لطائرات "ريبر" بتنفيذ طلعات جوية للاستطلاع قرب جنوب ليبيا لمراقبة تحركات عناصر تنظيم "داعش"، إذ تعتقد واشنطن أنهم فروا من سرت إلى الجنوب.

وتعرف منطقة الجنوب اللليبي نشاطا واسعا للمهربين والجماعات المسلحة، والتي تتنازع فيها قبائل ليبية بالجنوب الغربي للسيطرة على طرق التهريب التي تقطع الصحراء الليبية.وسيسمح لجوء عناصر داعش إلى الجنوب الغربي في ليبيا لهم بالتواصل مع تنظيمات إرهابية أخرى منتشرة في المنطقة على غرار تنظيم بوكو حرام فرع داعش في نيجيريا وغيرها.ويرى مراقبون،أن المكسب الذي يسعى إليه تنظيم داعش من السيطرة على الجنوب الليبي، هو أنه سيفتح تلك الجبهة لتنظيمات إرهابية في دول الجوار،حيث يسعى للتواصل مع هذه التنظيمات والتحرك في تلك المساحة الشاسعة، مستغلا خلاياه النائمة.

ومع اتجاهه لتحرير مناطق الجنوب يبدو الجيش الليبي سائرا بخطى ثابتة نحو مزيد من الإنجازات الميدانية وذلك في ظل إنتصاراته المتتالية ودحره للجماعات المسلحة في عدة مناطق ما جعله يحظي بترحيب وثقة كبيرين على الصعيد الداخلي، كما حظي باعتراف دولي وإقليمي بدوره المحوري في أي حل مستقبلي يخص عملية التسوية وبناء الدولة الليبية.