رغم وجود تقديرات تشير إلى مقتل قرابة 300 ألف شخص خلال الحرب التي استمرت ثلاث سنوات في جنوب السودان، تحلت منظمات الأمم المتحدة طويلا بالهدوء ولم تستخدم عبارة "التطهير العرقي" أو "الإبادة الجماعية" في وصف أوضاع جنوب السودان حتى صدر تصريح عن مستشار الأمم المتحدة الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية آدم دينق أكد فيه "أن جنوب السودان ينزلق نحو الحرب العرقية الصريحة والإبادة الجماعية".

ومن ثم توالت التصريحات التي كان أبرزها بيان لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، بأن ما يحدث هو تطهير عرقي في مناطق عدة من جنوب السودان باستخدام التجويع والاغتصاب الجماعي وحرق القرى.

وانتقدت كبيرة المحللين المتخصصين في جنوب السودان في مجموعة الأزمات الدولية كاسي كوبلاند، رد الفعل الأممي، بأن الأمم المتحدة هي الطرف الفاعل الوحيد في جنوب السودان، الذي لديه القدرة على جمع الخسائر في الأرواح والتحقق منها، لكنها اختارت عدم القيام بذلك، مشددة على أن إحصاء الخسائر في الأرواح "أمر مهم لإنسانيتنا" وضروري لرفع مستوى الوعي، ولتوثيق الأدلة العملية حول كيفية تطور الحرب.

وأكدت وزيرة التنمية الدولية البريطانية بريتي باتيل، أن القتل والفظائع الأخرى التي تحدث في جنوب السودان تصل إلى حد الإبادة الجماعية، ما يوجب على الأفارقة أن يتحركوا إزاءها، وألا يعتمدوا على الآخرين لحل صراع في فنائهم الخلفي.

واندلعت حرب أهلية بين قوات حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت والمعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار النائب السابق لرئيس الجمهورية في ديسمبر 2013، ومن ثم وقع طرفا الصراع اتفاق سلام في أغسطس 2015؛ قضى بتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن الاتفاق لم يصمد طويلا حيث عصف بجوبا عنف واسع النطاق في يوليو 2016، وتفجر القتال بين قوات موالية لكير ونائبه السابق ريك مشار، وهما ينتميان لمجموعتين عرقيتين متنافستين.

وتقدر الأمم المتحدة أعداد المشردين بفعل أعمال العنف بنحو 3 ملايين من مواطني جنوب السودان؛ في أكبر نزوح عبر الحدود في أفريقيا منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وفر أكثر من نصف ذلك العدد إلى دول مجاورة.

وأرغمت الحرب الأهلية 400 ألف شخص على الفرار عبر الحدود إلى أوغندا، منذ انهيار اتفاق السلام في يوليو الماضي، لتدق بذلك المفوضية السامية لشئون اللاجئين ناقوس الخطر، معلنة تجاوز عدد اللاجئين والنازحين خارجيا جراء الأزمة حاجز 1.5 مليون شخص بحثا عن الأمان منذ اندلاع الصراع في ديسمبر 2013، فضلا عن تشريد 2.1 مليون نازح داخلي.

وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، إنه مع ارتفاع عمليات النزوح واسعة النطاق، أصبحت الأزمة حاليا هي الأكبر في إفريقيا، والثالثة عالميا؛ بعد سوريا وأفغانستان، مع اهتمام أقل ومستويات مزمنة من نقص التمويل.

وناشد المسؤول الأممي جميع الأطراف المتورطة في الصراع، التوصل إلى حل سلمي عاجل للأزمة، مؤكدًا أنه بدون ذلك سيستمر الآلاف بالتوافد إلى البلدان المجاورة مثل أوغندا وإثيوبيا والسودان وكينيا والكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى كل يوم، مع دخول الصراع عامه الرابع.

وأكد بيان أصدره مكتب تنسيق العمليات الإنسانية التابع للأمم المتحدة في جنوب السودان، أن 52 ألفًا و841 مواطنًا من جنوب السودان فروا من إقليم أعالي النيل وعبروا الحدود الشرقية إلى إقليم قمبيلا الإثيوبي، منذ سبتمبر الماضي؛ بما معدله 456 مواطنا يدخلون الأراضي الإثيوبية يوميًا، بسبب الوضع الأمني المتردي ونقص الغذاء في ولايات أعالي النيل وولاية الوحدة غربي البلاد.

وذكر البيان أن 64% من اللاجئين هم من الأطفال تحت سن 18 عامًا، ممن فروا بدون أي مرافق من أسرهم.. ولذا أطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين نداء إنسانيا للعام الجاري بمقدار 782 مليون دولار لتمويل العمليات الإقليمية داخل جنوب السودان والبلدان المضيفة المجاورة.

وقد أدى القتال الدائر في جنوب السودان إلى فشل الموسم الزراعي، وجعل توفير الإغاثة الإنسانية في العديد من المناطق ضربا من المستحيل، ومن ثم أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" المجاعة في بعض أجزاء من البلاد في أبريل الماضي، محذرة من مجاعة وشيكة في باقي المناطق؛ حيث تظهر المؤشرات تدهورًا غير مسبوق في وضع الأمن الغذائي، وأن 3.66 مليون مواطن يواجهون نقصًا في الغذاء.

ويبدو المجتمع الدولي غير قادر، أو غير راغب، في إجبار الزعماء على وقف القتال قبل أن يدفعوا بلادهم إلى أزمة أعمق.