تستوعب الأسواق في جنوب السودان، على الرغم من معاناة اقتصادها، آلاف الأشخاص الباحثين عن العمل الوافدين من دول الجوار، كما تجذب أسواقها المصدرين من تلك الدول، خاصة من الأطراف الشرقية والغربية والجنوبية، حيث يجدون ضالتهم في تصريف منتجاتهم وإنعاش حركة التجارة والتصدير، مستغلين في ذلك ضعف الاقتصاد الجنوبي الذي ينقصه الخبرات ومقومات تسمح له بإنتاج محلي من السلع والمنتجات تمكنه من تحقيق الاكتفاء الذاتي ويعوض الخسائر التي لحقت به عقب إغلاق الحدود مع دولة السودان، وفقا لوكالة انباء الشرق الأوسط.

ورصد موفد وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى جنوب السودان - خلال جولة له داخل أسواق العاصمة جوبا- وجود آلاف العمالة والتجار من دول جوار جنوب السودان، حيث تعتمد أسواق كونجو كونجو وجوبا، على الواردات من السلع والخدمات ورؤوس الأموال القادمة من كينيا وأوغندا، بينما تعتمد أسواق العمل على عمالة وافدة من آريتريا وإثيوبيا وكينيا وأوغندا.

وعزز غلق الحدود بين دولة السودان (الشمالية) وجمهورية جنوب السودان، من اعتماد المستوردين والتجار على ميناء مومباسا الكيني الذي يورد لأسواق جوبا المنتجات، ليصبح بذلك المنفذ الوحيد لجنوب السودان نحو الخارج حيث إنها جمهورية حبيسة بلا منافذ خارجية أو موانئ، بينما تضخ أوغندا منتجاتها المحلية من الفاكهة والخضراوات التي تنتجها بغزارة وتجد صعوبة في تصريفها داخل أسواقها.

وسمح انضمام جنوب السودان - في 2 مارس 2016 - إلى تكتل دول شرق إفريقيا، الذي يضم 6 دول بينها كينيا وأوغندا، بفتح أسواق جوبا أمام المنتجات القادمة من كمبالا وميناء مومباسا الكيني.

وأظهرت الإحصاءات الرسمية الصادرة في أوغندا عام 2012 أن ما يتجاوز نسبة 45% من صادراتها للخارج تذهب إلى جنوب السودان، في مقابل اعتماد ما يفوق 60 % من أسواق جنوب السودان على السلع الغذائية والخضروات والفواكه الواردة من أوغندا.

وترتبط أوغندا وجنوب السودان بعلاقات عضوية متشابكة تعود إلى عام 1986 عندما تولى الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني الحكم في كمبالا، حيث عزز علاقاته بالحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة الزعيم الروحي الراحل لجمهورية جنوب السودان جون قرنق، اللذين تزاملا في الدراسة في جامعة دار السلام بتنزانيا خلال ستينيات القرن الماضي.

وتستثمر كينيا من خلال مشروعات بين نيروبي وجوبا، ما يفوق 10 مليارات دولار أي ما يعادل نحو 103 ترليونات شلن كيني، ويسمح ميناء مومباسا المطل على المحيط الهندي بنقل واردات الوقود والسلع الاستهلاكية وتصدير الشاي والبن من الدول المجاورة التي ليس لها منافذ بحرية مثل أوغندا ورواندا.

وينشط "لال ايوك" في تجارة الملابس الواردة من كينيا داخل سوق كونجو كونجو، وهو أكبر الأسواق في جنوب السودان، حيث يتحرك بحرية ويسر بين كينيا وجوبا في مسافات تستغرق ساعات معدودة، ويقول إنه يسعى هو ومن يتعاملون مثله في مجالات التصدير عبر المنتجات التي يجلبونها من كينيا، إلى تغطية سوق جنوب السودان من السلع التي لا تجد منفذا لدخولها إلى جوبا الحبيسة، خاصة وأن بلاده لا تنتج أي سلع بسبب أوضاعها الاقتصادية المتعثرة نتيجة الاضطرابات المتقطعة التي شهدتها خلال السنوات التي تلت إعلان استقلال الجمهورية.

غير أن "لال" قال إن المنتجات تأتي بكلفة كبيرة نتيجة التفافها لمسافات كبيرة حتى تدخل البلاد، خلافا للتكلفة الاقل التي يتحملها التجار والمستوردون لإدخال المنتجات عبر السودان الذي أغلق حدوده مع جنوب السودان بعد شهور فقط من إعلان الاستقلال بسبب اتهامات الخرطوم لجوبا بدعم المتمردين في دولة السودان.

وقدر "يوسايا كوري" وهو تاجر جنوبي يعمل في مجال السلع الغذائية بسوق كونو كونو، وهو من أبرز الأسواق اكتظاظا بالمستهلكين من الجنوبيين، نسبة ارتفاع تكلفة شحن السلع والخدمات عقب إغلاق الحدود بين الخرطوم وجوبا إلى أكثر من 35 % اثر اتخاذ المستوردين لمسار ميناء مومباسا وصولا إلى جوبا.

وقال "كوري"، لموفد /أ ش أ/، إن جنوب السودان كانت سابقا تعتمد على أكثر من 150 سلعة من السودان، مشيرا إلى أن حجم التجارة البينية بين الخرطوم وجوبا كان يبلغ نحو 5ر1 مليار دولار في العام، وذلك بحكم الكثافة السكانية الكبيرة للمقاطعات الحدودية الجنوبية المقابلة للولايات السودانية على طول الحدود البالغ 175ر2 كم .

وبالنسبة للعمالة فتنشط العمالة الإثيوبية والاوغندية والكينية والاريترية بقوة داخل أسواق العمل في جنوب السودان، وقال "ميليس"، وهو أحد البائعين للسلع الغذائية والمشروبات (إثيوبي الجنسية)، إنه جاء إلى جوبا لتحسين مستوى معيشته نتيجة تدني حركة البيع والشراء داخل أسواق بلاده .

ويرى "ميليس" أن متجره الصغير الكائن في منطقة الوزارات بالعاصمة جوبا، القريب من القصر الجمهوري، يحقق له أرباحا لم يكن يجنيها في بلده، معتبرا أن الأسواق في جوبا مربحة وجاذبة للعمالة بقوة.

وعلى الرغم من أن كينيا وأوغندا مصدر قوي للسلع والمنتجات والأغذية، إلا أن آلاف العمالة من تلك الدولتين تجد من جنوب السودان أسواق عمل واعدة لهم، وقالت "موري"، وهي كينية تعمل في النظافة بأحد الفنادق الصغيرة، إنها لم تجد عملا يغطي تكلفة إعاشاتها حيث إن بلادها تعتمد فقط على الموانئ لتمرير شاحنات السلع القادمة من الخارج إلى داخل جنوب السودان والدول الأخرى المجاورة.

وتضيف "موري" إنها تتقاضى راتبا شهريا يبلغ الفا و400 من العملة المحلية (جنيه جنوب سوداني)، وهو راتب كبير مقارنة بالمبالغ التي تتقاضها في بلادها.

وتنشط الأوغنديات والكينيات في سوق العمل بجنوب السودان خاصة أعمال النظافة والمطاعم الصغيرة والفنادق وحتى صالونات الحلاقة، حيث تعمل جريس" ذات الـ22 عاما، في أعمال تهذيب شعر الفتيات والتدليك (المساج) وتقوم أيضا بمساعدة زملائها الرجال الجنوبيين في أعمال الحلاقة.