رغم كل الجهود الدولية المبذولة لتحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية،ما تزال ليبيا تعيش في ظل فوضى ودون حكومة مركزية،وهو ما مثل مناخا مناسبا للميليشيات التي إستطاعت إستغلال هذه الأوضاع المتردية لتمارس نشاطاتها الإجرامية من خطف وقتل وإبتزاز وتهريب مما زاد في تأزيم الأوضاع في البلاد.

إلى ذلك،وبعد أكثر من عام مضى على اتفاق الصخيرات وتشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج،فإن حكومة التوافق لم تستطع كبح جماح الميليشيات،حيث ما تزال الأوضاع الأمنية تلقي بظلالها على المدن الليبية في ظل تواصل أعمال العنف والإنتهاكات من طرف الميليشيات التي ترتكب شتى أنواع الجرائم.

ومؤخرا طفت على سطح الأحداث الليبية،أزمة جديدة بعد صدور تقارير إعلامية تؤكد قيام ميليشيات ليبية بعمليات استعباد وإتجار بالبشر.حيث أظهر تقرير بثته قناة "سي إن إن" الأمريكية، وتم تداوله بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، بيع المهاجرين بالمزاد العلني في ليبيا.وقوبل هذا التقرير بموجة غضب عارمة فى الأوساط الليبية والدولية.

وأشارت أصابع الإتهام في هذه الجريمة إلى الميليشيات،التي تعتبر اللاعب الأبرز فى عمليات تهريب البشر مستغلة فى ذلك غياب سلطة قوية في البلاد.وفي هذا السياق،اكدت وزارة الخارجية بالحكومة المؤقتة، ان الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرين في ليبيا جاءت نتيجة غياب سلطة الدولة وهيبتها وهيمنة "ميليشيات مسلحة" في بعض مناطق البلاد التي وصفتها بالمختطفة، بحيث انتهت الأمور أحيانا ببعض هذه الميليشيات والعصابات بأن باعت بعض الليبيين الذين أجرمت باختطافهم إلي مجموعات إجرامية أخري خارجة عن القانون مقابل دفع مبالغ طائلة لإطلاق سراحهم.

وأعربت الوزارة في بيان لها عن انزعاجها الشديد مما أوردته تقارير إعلامية حول قيام "عصابات إجرامية" في ليبيا بأعمال مروعة تمثلت في بيع مهاجرين أفارقة.وطالبت الوزارة في بيانها بتحقيق جاد وتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم "النكراء" إلي العدالة، موضحة أن مكافحة الإفلات من العقاب وتمسكها بقوة علاقات ليبيا التاريخية مع شعوب ودوّل قارتنا الإفريقية هي من جعلتها تطالب بذلك.وتابعت الوزارة ان المجتمع الدولي يصر على "دعم تشكيل حكومي غير دستوري، بدون الالتفات إلي معالجة سيطرة المليشيات المسلحة".

ورغم إعلانها عن فتح تحقيق في الواقعة،تصاعدت الأصوات المنددة بعجز حكومة الوفاق الليبية عن التصدي للميليشيات.حيث قال مدير المرصد الليبي لحقوق الإنسان ناصر الهواري لـ "سبوتنيك"، إن بعض المهربيين اللذين يمارسون جرائم الاتجار بالبشر في ليبيا هم قادة ميليشيات تقوم بحماية الأمن في العاصمة الليبية طرابلس، مطالبا حكومة الوفاق بمنع هذه الممارسات وعدم الاكتفاء بإصدار بيان.وأعرب عن تشككه في أن تتخذ حكومات الوفاق أي خطوات  لمواجهة هذه الميليشيات وردعها وطردها من العاصمة، كونها ضعيفة ولا تستطيع حماية العاصمة على حد وصفه.

من جهته،أكد عضو مجلس النواب جاب الله الشيباني،في تصريح لموقع صحيفة المتوسط، أن ليبيا أصبحت مستباحة بفضل حكومة المجتمع الدولي في طرابلس.وقال الشيباني،"نحن لا تستغرب من الميليشيات المجرمة الخارجة عن القانون المدعومة من الداخل والخارج أن تقوم بهذا الفعل المشين المهين للكرامة الانسانية"،مضيفا "لقد بيعت أمم واوطان، لقد بيعت بلدنا ليبيا للدول الاستعمارية مقابل المناصب والمال، وها هي ليبيا مستباحة بفضل حكومة المجتمع الدولي في طرابلس والميليشيات تصول وتجول بعد أن تم شرعنه اغلبها من حكومة نصبها المجتمع الدولي ليتحصل عن طريقها على فاتورة تدمير ليبيا عام 2011".

كما أكد الشيباني،"أن تجارة البشر في ليبيا مؤامرة تقوم بها الدول الاستعمارية عن طريق وكلاء لها في الداخل، لافتا إلى أن الميليشيات أصبحت تشكل خطراً على أمن ليبيا القومي فهي بالإضافة الى ما تقوم به من جرائم وترويع وتخريب وتهجير فهي أصبحت مطية للاستخبارات الاجنبية لتنفيذ اجنداتها للعبث بمصير الوطن".

وأحدثت التقارير حول العبودية فى ليبيا صدمة دولية كبيرة،حيث تتواصل ردود الفعل المنددة من قبل الكثير من الزعماء والشخصيات الأفريقية والدولية، الذين أكدوا على مسألة محاسبة المتورطين في تجارة الرقيق الجديدة في ليبيا.وطالبت النيجر بتدويل القضية بإدراجها على جدول أعمال قمة افريقيا وأوروبا القادمة.

واستدعى وزير خارجية النيجر إبراهيم ياكوبو السفير الليبي في بلاده للتعبير عن "سخط" الرئيس محمد يوسوفو مما يتعرض له المهاجرون من بيع مثل العبيد في مزادات علنية. كما انتقدت الأمم المتحدة وضع المهاجرين في ليبيا. ووصف المفوض السامي لحقوق الإنسان لديها تعاون الاتحاد الأوروبي مع ليبيا بأنه "لا إنساني". ومن جهتها، أعربت الحكومة السنغالية عن غضبها الشديد من تعرض المهاجرين للبيع كالعبيد في ليبيا.

كما عبر الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش،الاثنين 20 نوفمبر 2017،عن صدمته بالمعلومات التي كشفت اخيرا وجود سوق لتجارة الرقيق في ليبيا، معتبرا ان المسؤولين عنها يمكن محاكمتهم بتهمة ارتكاب جريمة ضد الانسانية.فيما تظاهر نحو ألف شخص في باريس  للتنديد بالوضع.

وتعاني المدن الليبية من سيطرة الميليشيات المسلحة،التي إستغلت الفوضى والفراغ الأمني السائد،لتحول ليبيا إلى وكر لشبكات تهريب البشر،حيث بات هذا البلد الممزق نقطة الانطلاق الرئيسة للمهاجرين القادمين من وسط وغرب أفريقيا متوجهين إلى أوروبا.لكنهم يقعون فريسة للإنتهاكات على يد هذه الميليشيات من تعذيب وإبتزاز وبيع.

وتحاول الميليشيات الاستفادة ماليا من الهجرة غير الشرعية بأكبر قدر ممكن. وهناك البعض منها برز اسمها على الساحة الداخلية وفي الخارج بسبب ذلك، كما هو شأن كتيبة الديباشي في صبراتة قبل أن تطرد منها من طرف ميليشيا أخرى مساندة لحكومة الوفاق، وتعتبر صبراتة أبرز قاعدة ساحلية لانطلاق المهاجرين نحو أوروبا.

وكانت تقارير لمنظمة الهجرة الدولية،في أبريل الماضي، كشفت النقاب عن جرائم وصفتها بـ"المشينة ضد الإنسانية"، وقالت إنها ترتكب بحق المهاجرين الذين تورطوا في اختيار هذا البلد للعبور إلى أوروبا.وتقول المنظمة إن المهاجرين، ومعظمهم من الأفارقة، يختارون ليبيا كبوابة للهروب عبر البحر إلى أوروبا، فيقعون في فخ الاستغلال الوحشي، مشيرة إلى أنهم "يتعرضون للاغتصاب والتعذيب والابتزاز في مراكز الاحتجاز".

وتفيد الشهادات التي وثقتها منظمة الهجرة، ونشرتها صحيفة "الجارديان" البريطانية،بأن بيع البشر "أصبح أمرًا طبيعيًا بليبيا، وهو يجري في ميادين وأسواق نخاسة، بعد وقوع المهاجرين الأفارقة فريسة للمختطِفين والمليشيات".وأكد عدد من تم الاتجار بهم أنهم تعرضوا للعنف.فيما قالت المنظمة الدولية للهجرة، إنها جمعت أدلة عن العبودية في ليبيا.

وتأتي هذه التطورات في وقت يتصاعد فيه الحديث عن تورط الميليشيات في تهريب النفط الليبي وهو ما إلى خسائر كبيرة ساهمت فى تردى الأوضاع الإقتصادية في بلد تمثل العائدات النفطية العماد الرئيسي للاقتصاد.حيث أكدت تقارير اعلامية مؤخرا وجود علاقة ثابتة ورسمية بين المافيا الإيطالية والمالطية وقادة لميليشيات ليبية في عمليات تهريب النفط.

وفي أكتوبر الماضي،نقلت صحيفة "العرب" اللندنية في تقرير لها تحت عنوان "الميليشيات أكبر مسؤول عن الفساد في ليبيا"،نتيجة استطلاع الرأي الذي أجراه المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا ومقره تونس، التي أكد فيها أكثر من 78% من المشاركين أن "الميليشيات المسلحة المنتشرة في البلاد لعبت دورًا سلبيًّا بعد "أحداث 17 فبراير"، وكانت من بين الأطراف الأساسية المسؤولة عن تفاقم الفساد"، مطالبين بضرورة حل الميليشيات.

 وأعاد الجدل بشأن "العبودية" و"استغلال مهاجرين غير شرعيين"،تسليط الضوء على المآسي والأوضاع المزرية التي تحدث في ليبيا في ظل الفوضى الأمنية وغياب سلطة الدولة،وإنتشار المليشيات التي باتت مصدرا لتشويه صورة ليبيا دوليا نظرا للفضائع التي ترتكبها في البلاد..

  ولا تختلف معاناة الشعب الليبي مع الميليشيات لا تختلف عن معاناة المهاجرين،حيث يتعرض الليبيون لشتى أنواع الجرائم من اعتقال تعسفي، خطف، قتل، احتجاز بدون محاكمة في ظل غياب دولة قادرة على بسط سلطتها على مجموع تراب البلاد.ويرى مراقبون أن إنهاء سيطرة الميليشيات وإنشاء جيش ليبي موحد هي الحكم الأخير في تحديد نجاح أي مساعي لحل الازمة الليبية.