يجتاز المهاجرون الأفارقة خط عبور خطير في الصحراء إلى ليبيا على أمل نقلهم عبر البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا.إلا أن هذه الرحلة تشكل خطورة كبيرة على حياة هؤلاء المهاجرين،فعلاوة على خطر الموت في الصحراء أو غرقا،كشفت تقارير في السنوات الأخيرة عن سلسلة من انتهاكات حقوق الانسان على يد رجال العصابات والمتاجرين بالبشر.

أحدث هذه التقارير جاء من خلال شبكة "سى.إن.إن" التليفزيونية الأمريكية،التي عرضت شريطا مصورا  لمزاد علني في ليبيا حيث يُعرض الشباب السود على المشترين.وفي تسجيل التقط بواسطة هاتف محمول يظهر في التقرير شابان يعرضان للبيع في المزاد للعمل في مزرعة، ليوضح بعدها الصحفي مُعد التقرير أن الشابين بِيعا بمبلغ 1200 دينار ليبي، أي 400 دولار لكل منهما.

وكشف هذا التقرير حجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها المهاجرون العالقون في ليبيا بعد فشلهم في العبور إلى أوروبا.وقد شكلت هذه الحادثة صدمة للشارع الليبي والدولي،حيث أثارت موجة من الاستنكار داخل البلاد وخارجها وردود فعل منددة واسعة ومطالبات بضرورة محاسبة المسؤولين عنها.

وجلبت التقارير التي كشفت عن أسواق للعبيد في ليبيا غضبا كبيرا فى الأوساط الإفريقية،حيث طالب رئيس الاتحاد الإفريقي، رئيس غينيا ألفا كوندي، بملاحقات قضائية على خلفية التجارة "الخسيسة" التي "تعود إلى حقبة أخرى".بحسب بيان للرئاسة الغينية.واضاف البيان أن الاتحاد الأفريقي "يدعو بإلحاح السلطات الليبية إلى فتح تحقيق، وتحديد المسؤوليات وإحالة الأشخاص المخالفين إلى القضاء" وإلى "إعادة النظر في شروط احتجاز المهاجرين".

من جهته دعا رئيس النيجر محمد يوسوفو إلى إدراج موضوع تجارة العبيد في ليبيا على جدول أعمال قمة الاتحاد الأفريقي في 29 و30 نوفمبر في أبيدجان.ونقلت وكالة "فرانس برس"،عن مصدر قريب من الرئاسة النيجرية،تأكيده أن "يوسوفو الذي أصيب بصدمة قوية، طلب شخصيا من رئيس كوت ديفوار الحسن وتارا، إدراج هذا الموضوع على جدول أعمال القمة".كما أعرب رئيس النيجر عن سخطه، مؤكدا أن "بيع المهاجرين في المزاد العلني باعتبارهم عبيدا في ليبيا، قد أغضبني كثيرا. أدعو السلطات الليبية والمنظمات الدولية، إلى الاستعانة بكل الوسائل لوقف هذه الممارسة التي ترقى إلى عصر آخر نعتقد أنه ولى إلى الأبد".

وفي داكار، أفاد بيان رسمي أن الحكومة السنغالية "علمت بالصفقة التي أغضبتها كثيرا لبيع مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء على الأراضي الليبية"، كما جاء في بيان رسمي.وكان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين،إنتقد الثلاثاء الماضي، تدهور ظروف احتجاز المهاجرين في ليبيا، واصفا تعاون الاتحاد الأوروبي مع ليبيا بأنه "لا إنساني".

ووصل صدى التقرير المخيف حول بيع المهاجرين إلى العاصمة الفرنسية باريس،التي شهدت تظاهر نحو 1000 شخص،السبت 18 نوفمبر/تشرين الثاني،حيث لبّى المتظاهرون نداء العديد من الجمعيات لاسيما "تجمع ضد الاستعباد ومعسكرات الاعتقال في ليبيا"، الذي تم تأسيسه بعد بث تقرير لشبكة "سي إن إن"، يظهر بيع مهاجرين في المزاد في ليبيا.

وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها بالفرنسية "لا للعبودية في ليبيا"، وكانوا تجمعوا في غرب باريس قرب ساحة "الاتوال" حيث تمركزت قوات الأمن، بحسب مصور فرانس برس.من جهتها، ندّدت الشرطة في بيان لها، بعدم شرعية التحرك قائلة إن "عددا من الجمعيات نظموا بدون أي إشعار سابق تظاهرة ومسيرة انطلاقا من السفارة الليبية باتجاه ثاني المقرات الدبلوماسية لهذا البلد" في غرب باريس، مشددة على عدم تسجيل "أي حادث".

وشارك في الإحتجاجت العديد من الشخصيات الشهيرة في فرنسا كلاعب كرة القدم ديدييه دروغبا، وملكة جمال فرنسا السابقة صونيا رولان.وكتب الفكاهي عمر سي،في تغريدة على تويتر: "لنتضامن ولنكن على الموعد للاحتجاج ضد التعذيب والعنف".فيما طالب الممثل الفرنسي "جيرار ديبارديو"، في تغريدةٍ له،رئيس بلاده "إيمانويل ماكرون" بالتحرك في قضية بيع الرقيق في ليبيا.

وفى أعقاب الزخم الكبير الذى أحدثه التقرير،أكد نائب رئيس حكومة الوفاق الليبية، أحمد معيتيق، أن طرابلس فتحت تحقيقاً في "العبودية" التي تجري قرب العاصمة وكشفها تقرير صادم بثته شبكة "سي إن إن" الأميركية الأسبوع الماضي.وانتقد معيتيق في بيان نشر،الأحد،على صفحة الحكومة على موقع فيسبوك التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام حول انتعاش تجارة الرقيق في ضواحي مدينة طرابلس.وأوضح نائب رئيس حكومة الوفاق أنه بصدد تكليف لجان مختصة للتحقيق في التقارير المنشورة لضبط المتهمين وتقديمهم للعدالة.

من جهتها،أعلنت وزارة الخارجية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني في بيان لها، الأحد، نقلته وكالة الأنباء الليبية (رسمية)، إنه "إذا ما ثبتت هذه المزاعم فستتم معاقبة كل المتورطين فيها".وأعربت الخارجية الليبية عن رفضها لمثل هذه الممارسات غير الإنسانية، وعبرت عن التزامها الكامل بما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في هذا الشأن، وتمسكها بتطبيق قوانينها وتشريعاتها الوطنية التي تجرم التجارة بالبشر والرق والاستعباد.

هذا ورحبت المنظمة الدولية للهجرة، وهي منظمة حكومية دولية مقرها جنيف تركز على إدارة الهجرة، بالتحقيق، الا ان رئيس البعثة الليبية حذر ان شبكات التهريب باتت اقوى وأكثر تنظيما وتجهيزا أفضل.وقال رئيس مكتب المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا عثمان البلبيسي، "اننا نرحب بالتأكيد بالاخبار لاجراء تحقيق ونأمل ان لا يشمل هذا فقط هذه القضية ولكن بالتأكيد كل حالات الاعتداء والعنف ضد المهاجرين في ليبيا".

على صعيد آخر،تصاعدت الأصوات المشككة في صحة ما جاء في التقرير،حيث أعرب مدير الإدارة العامة لأمن السواحل في وزارة الداخلية رئيس غرفة العمليات الليبية الإيطالية المشتركة لمكافحة الهجرة غير الشرعية و التهريب العقيد "طارق شنبور"،عن أسفه لقيام بعض وسائل الإعلام الدولية بحملة تشويه للشعب الليبي والدولة الليبية، والادعاء بوجود سوق للرقيق و بيع البشر فيها.

وأكد شنبور،في بيان له نقلته وكالة الأنباء الليبية،السبت، أن ليبيا تتعرض لحملة ممنهجة تقف وراءها دول ومنظمات من مختلف بقاع العالم.مشددا على أن ليبيا ضحية الهجرة غير الشرعية و التهريب باعتبارها دولة عبور، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية و العسكرية الليبية تعمل بجهد كبير لمكافحة الهجرة غير الشرعية و التهريب في ليبيا.

وفي ذات السياق،نددت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا،بالتقرير الذي نشرته القناة الأميركية وزعمها الكشف عن وجود أسواق للرقيق والعبيد بشكل معلن عنه في ضواحي مدينة طرابلس.وأعربت اللجنة في بيان لها، السبت، عن انزعاجها البالغ تجاه المعلومات المغلوطة والمبالغ فيها التي وردت في التقرير، من تأكيد لوجود أسواق للرقيق وتجارة العبيد بشكل معلن في عدة مدن ليبية، ومن بينها ما أورده تقرير القناة.وأكدت اللجنة أنه في حال حدث هذا فلا يمكن أن يكون كما أوردته القناة، وقد يتم بشكل سري وحالات محدودة جدا، ولا توجد بشكل معلن في ليبيا كما روجت القناة الأميركية.

من جهته، دافع ميلاد الساعدي، المستشار الإعلامي بجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، عن الإجراءات التي يتبعها الجهاز مع المهاجرين غير الشرعيين، وقال إن "كل ما يتردد عبر وسائل الإعلام من انتهاكات يتعرض لها المهاجرون من قبل الجهاز مجرد ادعاءات وافتراءات"، موضحاً أن "القانون يعتبر المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا ارتكبوا مخالفة بوجودهم على الأراضي الليبية دون وجه حق، ودون الدخول بطرق شرعية، وملف الهجرة دولي، وبلادنا ليست مسؤولة عن تهجير هؤلاء الآلاف من أوطانهم، في الوقت الذي تعاني فيه من وجودهم على أرضها، منتهكين حرمتها وقوانين الدخول إليها والإقامة فيها.

وتابع الساعدي،في تصريح لوكالة "آكي" الإيطالية للأنباء، الخميس الماضي،"إن من أكبر العقبات المصاحبة لهذه الظاهرة، دخول المهاجرين في النزاعات المسلحة والجرائم الاقتصادية، وتهريب المخدرات والسلاح، وغسل الأموال والسطو المسلح والدعارة، والتزوير والتزييف، وانتشار التسول والسرقة والأمراض المعدية".مطالبا العالم بأن يعترف بحق ليبيا في السيادة على أراضيها وحدودها برا وبحرا وجوا.

وليست هذه المرة الأولى التي يتصاعد فيها الحديث حول مسألة "العبودية" في ليبيا،ففي أبريل الماضي،نقلت صحيفة "الغارديان"،في تقرير لها عن ناجين قولهم إن عمليات بيع وشراء المهاجرين تجرى في ليبيا.وأكد عدد من تم الاتجار بهم أنهم تعرضوا للعنف.فيما قالت المنظمة الدولية للهجرة، إنها جمعت أدلة عن العبودية في ليبيا.

وقال مدير بعثة منظمة الهجرة الدولية في ليبيا لـ"بي بي سي" آنذاك، إن تحديد أسعار المهاجرين يخضع للمهارات التي يمتلكونها.وأضاف قائلاً: "كما يبدو لا يمتلكون المال، وأسرهم لا يمكن أن تدفع الفدية المطلوبة، ولهذا يتم بيعهم لجني الحد الأدنى من الربح من هذا".واختتم قائلاً: "بالتأكيد يختلف السعر حسب المؤهلات، مثلاً، إذا استطاع العامل القيام بالصباغة أو وضع البلاط أو القيام بعمل متخصص، فإن السعر سيكون مرتفعاً".

وتحولت ليبيا فى أعقاب الأزمة التي عصفت بها منذ العام 2011،إلى بوابة للهجرة غير الشرعية نحو الدول الأوروبية.وبحسب الإحصاءات الصادرة عن منظمة الهجرة الدولية، وصل نحو 156 ألف مهاجر ولاجئ إلى أوروبا عبر البحر منذ يناير الماضى، مقابل 341 ألفًا وصلوا خلال الفترة ذاتها عام 2016، فيما قُتل المئات خلال رحلتهم للهرب إلى أوروبا.