استبشرت بعض الأوساط السياسية في تونس بالإجراءات الأمنية المشددة التي أعلنت عنها الحكومة لتضييق الخناق على الإرهابيين عقب انفجار حافلة على متنها عناصر من الحرس الرئاسي، في وقت أبدت فيه بعض الأطراف مخاوفها من التضييق على الحريات تحت ذريعة مقاومة الإرهاب.

وعقب مقتل 12 عنصرا من الحرس الرئاسي وجرح عشرين آخرين الثلاثاء في تفجير حافلة من قبل انتحاري بواسطة حزام ناسف أعلن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوما قابلة للتجديد وفرض حظر التجول لأجل غير محدد بتونس الكبرى التي تشمل العاصمة وبن عروس وأريانة.

وفي مشهد يبرز مدى تصاعد مشاعر الغضب الحكومي ضد أعمال الإرهاب المتواترة قال السبسي خلال زيارته لبعض الجرحى الذين كانوا على متن الحافلة ليلة وقوع العملية بلهجة فيها كثير من التحدي "بعد هذا الهجوم سيتحول الرعب إلى الإرهابيين".

وإلى جانب تلك الإجراءات أعلن رئيس الحكومة الحبيب الصيد الأربعاء عقب اجتماع وزاري استثنائي عن جملة من الإجراءات الأمنية ضمنها تفعيل حالة الطوارئ وحظر التجول بصرامة وإعلان حالة التأهب القصوى وتعزيز التواجد العسكري بالمناطق الحساسة وتفعيل قانون الإرهاب وتكثيف المداهمات ضد المشتبه بهم.

كما أعلن عن قرار ملاحقة الأطراف التي تقوم بتمجيد الإرهاب والدفاع عنه والدعاية له بصفة مباشرة أو غير مباشرة وذلك كرد فعل مباشر على ما يقوم به بعض المتشددين الذين يعلنون فرحتهم وراء كل عملية إرهابية وأيضا كرد فعل على دفاع بعض الحقوقيين والمحامين في بعض المنابر الإعلامية على مشتبه بهم تم إلقاء القبض عليهم في قضايا إرهابية.

ولم تقف الإجراءات الأمنية عند هذا الحد فقد تم إعلان إجراءات استثنائية عقب انعقاد مجلس الأمن القومي الأربعاء وتتمثل في إغلاق الحدود مع ليبيا طيلة 15 يوما وتكثيف عمليات حجب المواقع الجهادية وتفعيل قانون الإرهاب وملاحقة العائدين من سوريا وتفعيل الصندوق الوطني لدعم إمكانات الجيش والأمن وفتح باب الانتداب لستة آلاف عنصر بالتساوي بين الأمن والجيش.

كما أعلن المجلس الأمن القومي عن إجراءات ذات طابع قضائي مثل دعوة السلطات القضائية للإسراع بالبت في قضايا المتهمين بالإرهاب وإجراءات ذات طابع اجتماعي كإقرار برنامج خاص لتشغيل الشباب في المناطق الحدودية وخاصة في المناطق الجبلية المحاذية للجزائر والتي تتحصن بها جماعات إرهابية.

وتتحصن في هذه المناطق الجبلية ما يعرف بكتيبة عقبة بن نفاع التابعة لتنظيم القاعدة بشمال المغرب العربي. لكن بعض المراقبين يؤكدون وجود عناصر بايعوا تنظيم الدولة (داعش) في تلك المناطق عقب تكرر عمليات ذبح رعاة أغنام في الجبال.

وحول آراء بعض السياسيين في حزمة الإجراءات ومدى قدرتها على تخفيف حدة التدهور في البلاد أعرب خالد شوكات النائب عن حزب نداء تونس الذي يقود الائتلاف الحاكم لـ"مراسلون" عن أمله في أن "تضيق هذه القرارات من الخناق على الإرهابيين".

ويقول "نحن نساند مساندة مطلقة هذه الإجراءات العاجلة لأنه عندما يتعلق الأمر بمسألة الأمن القومي في بلادنا لا يبقى هناك مجال لحزب أن يعارض الحكومة في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاربة الإرهاب واجتثاثه".

ورغم أن بعض الأطراف السياسية والحقوقية أعربت عن خشيتها من أن تمس حالة الطوارئ وحظر التجول وبقية الإجراءات المشددة من الحريات العامة فإن أطراف أخرى رأت بأن القضاء على الإرهاب يتطلب اتخاذ كل التدابير الأمنية الوقائية.

في السياق يقول النائب عن ائتلاف الجبهة الشعبية اليسارية نزار عمامي لـ"مراسلون" إن فرض إجراءات مشددة في هذا الظرف أمر ضروري فرضه تدهور الوضع الأمني.

ويقول "الإرهاب ضرب هذه المرة في قلب العاصمة واستهدف الأمن الرئاسي الذي يرمز للجمهورية ويعتبر نخبة الأمن التونسي ونحن لا يمكننا سوى أن ندين هذا الهجوم الوحشي ونبارك الإجراءات التي يمكن أن تعيد الاستقرار لتونس".

لكنه رغم ذلك شدد على ضرورة تطبيق تلك الإجراءات في كنف احترام القانون دون المساس بالحريات المكتسبة بعد الثورة وخاصة حرية التعبير وحق التظاهر اللذان أصبحا مهددان بالتضييق مما يحتويه قانون حالة الطوارئ من إجراءات استثنائية.

من جانبه يقول القيادي في حركة النهضة عجمي الوريمي لـ"مراسلون" إن على الحكومة مراعاة التغييرات الحاصلة بعد الثورة واحترام الحريات العامة عند تطبيق حالة الطوارئ وحظر التجول لتكون منسجمة مع السياق الديمقراطي ومحافظة على الأمن.

ويضيف "هذه الإجراءات يجب أن تحمي الحريات وتكون منسجمة مع روح الدستور الجديد في بلد يسير على درب الديمقراطية وأصبح يؤمن بالتعددية والتعايش ويرفض الإقصاء".

إلا أنه رأى أن فرض حالة الطوارئ من جديد في البلاد "إجراء معقول كان ليتم في أي بلد ديمقراطي يريد حماية أمنه ومواطنيه ومؤسساته من المخططات الإرهابية".

وساد شعور بالخوف والرعب لدى التونسيين ليلة وقوع انفجار الحافلة الاثنين الماضي لاسيما وأن هناك بعض الناس تتحدث عن تكرر وجود ثغرات أمنية بدءا بهجومي متحف باردو في مارس/آذار الماضي ومرورا بمنتجع سوسة السياحي في جوان/يونيو الماضي.

وحول رأيه في هذه الردود يقول النائب عن حركة نداء تونس خالد شوكات لـ"مراسلون" إنه "من السابق لأوانه الحديث عن وجود ثغرات أمنية مقصودة أو عن اختراق عناصر إرهابية لقوات الأمن واندساسها بينها".

ويضيف "يجب انتظار استكمال التحقيقات الأمنية في ملابسات هذا الهجوم الإرهابي والأطراف الحقيقية التي تقف وراءه وما إذا كان العنصر المنفذ في حد ذاته أمني أم لا وبعد ذلك يمكن أن نوجه أصابع الاتهام ونحمل المسؤوليات ولكن اليوم ينبغي التريث وعدم الانسياق وراء الانطباعات والإشاعات".

علما أن ما يسمى بتنظيم الدولة (داعش) أعلن الأربعاء عن مسؤوليته في تفجير الحافلة ونشر صورة لإرهابي قال إنه يكنى بابا عبد الله التونسي وأكد أنه فجر حزاما ناسفا "يزن 10 كلغ من المتفجرات" بحسب تقرير لوزارة الداخلية.

من جهة أخرى يقول الخبير الأمني ورئيس لجنة الانتدابات بالحرس الوطني التونسي سابقا علي الزمرديني لـ"مراسلون" إنه "لا يمكن استبعاد شبهة اختراق قوات الأمن في مختلف الأجهزة من طرف عناصر تكفيرية".

وأشار إلى أن الانتدابات في وزارة الداخلية في فترة حكومة الترويكا التي كانت تقودها حركة النهضة الإسلامية (بين سنتي 2012 و2013) "كانت هناك انتدابات جديدة عشوائية ولم يقع فيها احترام المعايير المتعرف عليها لاختيار المنتدبين الجدد".

وكانت وزارة الداخلية أعلنت منذ أسابيع عن عزلها لـ110 عون أمن للاشتباه في تعاطفهم مع الجماعات الارهابية كما تمت إحالة ستة من بينهم على القضاء لثبوت تهمة تعاونهم مع الجماعات الإرهابية.

ومنذ أيام تمكنت الداخلية من الاطاحة بخلية إرهابية في محافظة سوسة (وسط) وكان بينهم عون أمن مباشر لمهامه قام بالتقاط صور ثكنات وشخصيات أمنية لصالح هذه المجموعة الإرهابية حسبما ما نقلته وزارة الداخلية من اعترافات على لسانه.

ويرى الخبير الأمني علي الزرمديني أنه رغم المنعرج الخطير الذي أخذته العمليات الإرهابية في تونس خاصة عقب عملية تفجير الحافلة إلا أن ذلك "لا يجعلنا نتحدث عن تنظيم مهيكل لتنظيم الدولة (داعش) أو لعناصر موالية له في تونس مثل جند الخلافة".

ويقول "هي خلايا وعناصر منعزلة تهاجم متى سنحت لها الفرصة لكن على المدى الطويل وباتخاذ جملة هذه الإجراءات الردعية ومنها غلق الحدود مؤقتا مع ليبيا التي تشهد تغول للجماعات الإرهابية والمتطرفة في غياب الدولة قد تسمح تلك الإجراءات بإعادة ترتيب الأولويات الأمنية وبردع هذه الجماعات التي ما تزال ضعيفة ولا يمكنها النيل من الدولة مهما حاولت".