تشهد ليبيا منذ سنوات حالة ارتباك بين الأطراف المتنازعة على السلطة ومع تصاعد تحديات الأزمة الليبية في ظل واقع ليبي مُعقد ومتشعب يتصاعد تفاؤل حذر بإمكانية تجاوز العقبات التي تحول دون تكريس التفاهم الذي يقود إلى تسوية شاملة تُنهي المأزق الليبي خلال الفترة القادمة على قاعدة خارطة الطريق التي أقرها مجلس الأمن الدولي في سبتمبر الماضي.

وفى مؤشر جديد على احتمال حدوث انفراج في الأزمة أعلن مجلس النواب الثلاثاء 21 نوفمبر 2017، على لسان المتحدث الرسمي باسمه، عبد الله بليحق، عن تصويت مجلس النواب بالأغلبية بالموافقة على الصيغة الموحدة لتعديل الاتفاق السياسي التي قدمها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.

وقال عضو البرلمان عيسى العريبي لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) إنه تم التصويت بالأغلبية على مقترحات لجنتي الحوار المنبثقة عن البرلمان ومجلس الدولة والتي قدمها المبعوث الأممي. فيما أفادت مصادر بمجلس النواب لـ (د ب أ) إن أهم البنود التي تم الموافقة عليها هي أن يتكون المجلس الرئاسي من رئيس ونائبين بدل من سبعة، ويكون رئيس الحكومة منفصلا باختصاصاته عن المجلس الرئاسي.

وكان المبعوث الأممي قد أرسل مبادرة اقترحها على مجلس النواب والأعلى للدولة بشأن تعديل مواد لم يتفق بشأنها في جلسات تونس حول تعديل الاتفاق السياسي الليبي. وتقترح المبادرة مجلس رئاسة للدولة، من رئيس ونائبين، يمثلون مناطق ليبيا الثلاث الكبرى يختارهم عشرة أعضاء من مجلس النواب وعشرة آخرين من المجلس الأعلى للدولة بتزكية مشتركة لكل قائمة.

 ويصوت مجلس النواب على اختيار قوائم المرشحين وفي حال عدم حصول أي قائمة على أكثر من أصوات نصف الأعضاء يعاد التصويت مرة ثانية للاختيار من القائمتين اللتين حصلتا على أكبر عدد من الأصوات في الدورة الأولى. ويمنح مقترح المبعوث الأممي المجلس الرئاسي مهام القائد العام للقوات المسلحة وتسمية رئيس الحكومة، على أن يتخذ كافة قراراته بالإجماع.

وتعتبر موافقة مجلس النواب على هذه الاقتراحات، التي صيغت بتونس في سبتمبر الماضي، خطوة في اتجاه انتهاء الانقسام السياسي والذهاب الى استكمال باقي بنود الاتفاق وتسليم السلطة لمجلس رئاسي يتكون من رئيس ونائبين. ويأتي هذا في وقت يتصاعد فيه التفاؤل بحل الأزمة قريبا وهو ما عبر عنه مؤخرا المبعوث الأممي غسان سلامة ومبعوث الجامعة العربية صلاح الدين الجمالي اللذين أكدا قرب التوصل إلى تسوية سياسية ترضي جميع الأطراف.

وكان غسان سلامة، أعرب عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية للملف الليبي، عندما قال في كلمة له أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، الخميس 17 نوفمبر 2017، إن خطة الأمم المتحدة لاستئناف العملية السياسية في ليبيا "حققت تقدما ملحوظا خلال الشهرين الماضيين". وتحدث سلامة عن تواصل مستمر بين الطرفين المتنافسين منذ بدء اجتماعات تونس، معتبرا أن "إعادة إطلاق العملية السياسية خلق زخما جديدا بين الليبيين، وتعهد بأن يبذل كل ما يستطيع من أجل حل الأزمة السياسية الحالية في البلاد.

تفاؤل المبعوث الأممي دعمه تفاؤل جامعة الدول العربية، حيث نقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن صلاح الدين الجمالي المبعوث الخاص لجامعة الدول العربية إلى ليبيا، تأكيده أن جامعة الدول العربية التي ساهم أمينها العام أحمد أبوالغيط في بلورة خارطة الطريق بشأن ليبيا خلال حضوره اجتماعات مجلس الأمن الدولي، ومشاوراته مع مختلف الأطراف المعنية بالملف الليبي، تُثمن الجهود التي يبذلها غسان سلامة، وهي بذلك تُشاطره التفاؤل الذي أعرب عنه في الكلمة التي ألقاها أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي.

وقال الجمالي، أن لديه قناعة بأن مقومات الحل السلمي في ليبيا متوفرة بقوة، وبالتالي فإن المطلوب حاليا هو "دفع الأشقاء في ليبيا إلى المزيد من التفهم، والاقتناع بأن الوضع الحالي مؤقت، والتمسك به لا يفيد". مضيفا "إن ليبيا للجميع، والمستقبل فيها مُشترك، والخلافات الحالية ليست جوهرية، وليست عميقة لأنها تتعلق ببعض المسائل الإجرائية والجزئية، لذلك التفاؤل يبقى قائما رغم أن العملية السياسية الراهنة ليست سهلة".

وبالتزامن مع هذه التطورات تسعى بعثة الأمم المتحدة لجمع مختلف الفرقاء الليبيين تحت خيمة واحدة، من خلال الملتقى الوطني الليبي "المؤتمر الجامع" الذي يرى مراقبون أنه قد يكون أخر المحاولات للتوصل الى حل سياسي، في الوقت الذي تزداد فيه أوضاع البلاد ضبابية نتيجة الصراعات الأيديولوجية والجهوية، وتغوّل الميلشيات المسلحة في المنطقة الغربية، الى جانب تردي واقع الاقتصادي والاجتماعي، والانهيار شبه الكلي لمنظومة الخدمات.

وفي تصريح لمجلة ليدرز التونسية، أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا، أن اللقاء سيكون فرصة للقاء ممثلين عن كل الشعب الليبي في مكان واحد، شرط أن يؤيد الممثل الحل السياسي، كما أن المؤتمر سيسمح لأنصار النظام السابق ومؤيدي المَلكيّة بالمشاركة لكسر ما أسماه بـ “احتكار مفروض من قبل بعض المجموعات".

وأوضح سلامة أن الفئات المشاركة بالمؤتمر تم الاتفاق عليها، أما الأشخاص سيعتمد اختيارها على مبدأ الأكثر تمثيلا، فإذا كنا نريد 20 بلدية سنختار البلديات الموحدة والمنتخبة ، ومن خلال شروط أخرى لنصل للعشرين بلدية.وتمنى سلامة عودة عدد من رموز النظام السابق، معتبرا أن مشكلة الاتفاق أنه منغلق على نفسه، ويرفض من سانده مشاركة الآخرين فيه.

وتقدم غسان سلامة نهاية سبتمبر الماضي بخارطة طريق تتكون من ثلاث مراحل؛ تتمثل الأولى في تعديل اتفاق الصخيرات، والثانية في عقد مؤتمر جامع يضم جميع الأطراف السياسية دون استثناء ومن بينها أنصار العقيد الراحل معمر القذافي، أما المرحلة الثالثة فتتمثل في إجراء استفتاء على الدستور وتنظيم انتخابات في سبتمبر المقبل.

وتعول الأطراف الليبية على جهود الأمم التحدة لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد،ومنذ تعيينه في يونيو الماضي،حرص المبعوث الأممي،غسان سلامة،على إجراء لقاءات متعددة مع الفرقاء الليبيين في محاولة لإحداث توازن بين جميع أطياف الصراع الليبي.ويرى مراقبون أن التفاؤل بقرب التوصل إلى تسوية شاملة يبقى قائما فى ظل تواصل الجهود الساعية لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة.