في ظل التحركات الدبلوماسية التي طغت مؤخرا على المشهد الليبي في تواصل للمساعي الإقليمية والدولية لوضع حد للأزمة المتفشية في البلاد منذ سنوات،يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تبحث جديا زيادة مشاركتها الدبلوماسية والعسكرية في الساحة الليبية.

إلى ذلك،تشهد الساحة الليبية مؤخرا تحركات أمريكية على أكثر من صعيد لتعزيز وجودها في ظل تواجد عدة قوى دولية في هذا البلد.فعلى الصعيد الدبلوماسي تصاعد الحديث فى الآونة الأخيرة عن مساعي لإعادة التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في ليبيا.حيث أعلن وزير خارجية حكومة الوفاق الليبية محمد الطاهر سيالة،لوكالة أنباء "شينخوا" الصينية، الأحد 12 نوفمبر 2017،أن وزارته تجري حوارا مع الخارجية الأمريكية وتعمل علي توفير متطلبات طلبها الأمريكيون لعودة سفارتهم إلي ليبيا، كاشفاً النقاب عن وفد رفيع المستوى من الخارجية الأمريكية قال أنه سيزور طرابلس قريبا "للإطلاع على مقر السفارة من ناحية المبنى وموقعه".

وكانت الولايات المتحدة الامريكية،قد شهدت مقتل سفيرها في بنغازي في سبتمبر/أيلول 2012،كما أعلنت في يوليو/تموز 2014،اخلاء سفارتها بالعاصمة الليبية طرابلس من جميع الموظفين والمسؤولين الي تونس،في ظل ارتفاع حدة الاشتباكات بين الجماعات المسلحة.وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري،حينها إن اخلاء السفارة في ليبيا ناجم عن "خطر حقيقي" على حياة الدبلوماسيين الاميركيين.

وفي سياق متصل،تحرص الدبلوماسية الأمريكية على عقد مباحثات مع أطراف إقليمية حول الأزمة الليبية،وهو ما كشفته زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان،مؤخرا إلى تونس.حيث إلتقى المسؤول الأمريكي مع وزير الشؤون الخارجية التونسي خميس الجهيناوي،الجمعة 17 نوفمبر 2017،وتطرق الجانبان وفقاً للصفحة الرسمية لوزارة الخارجية التونسية إلى مستجدات الوضع في ليبيا حيث قدم الجهيناوي عرضاً حول الخطوات التي تم قطعها في إطار تفعيل مبادرة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي حول ليبيا.

كما إلتقى سوليفان،برئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد،وتطرق اللقاء إلى الملف الليبي والدور التونسي الهام فيه من خلال مبادرة الرئيس الباجي قايد السبسي ومن خلال استضافتها لجلسات الحوار الليبي التي يشرف عليها غسان سلامة.وأكد المسؤول الأمريكي،أن بلاده "تدعم بشكل كامل جهود الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة في سعيه لتحقيق تقدم في عملية المصالحة السياسية، مؤكدا أنه "يجب على المجتمع الدولي بأسره أن يقف متحدا ويعاضد جهود الأمم المتحدة ويقدم كل الدعم لليبيين الذين يعملون على حل الصراع بالحوار".

وكانت نائبة الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى مجلس الأمن الدولي في نيويورك، ميشيل سيسون،أعلنت الخميس 16 نوفمبر 2017، أن هناك فرصة حقيقية للتوصل إلى مصالحة في ليبيا.مشيرة إلى أن بلادها ستعمل ضد كل من يزعزع الاستقرار في ليبيا، ومشددة على ضرورة محاسبة معرقلي العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.وأكدت أن "الاتفاق السياسي هو الإطار الوحيد الذي يسمح بإتمام العملية السياسية في ليبيا".

وعلى الصعيد الإقتصادي،أعلن مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط،مؤخرا افتتاح المؤسسة لمكتب مشتريات في مدينة هيوستن بولاية تكساس الامريكية لدعم جهود المؤسسة لاستعادة الطاقة الإنتاجية.وقال صنع الله في المنتدى الاقتصادي عبر الأطلسي" الذي استضافته غرفة التجارة الأمريكية وكلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ، الأسبوع الماضي ، "سيضع مكتب هيوستن الشركات الأمريكية ذات المستوى العالمي المصنعة للمعدات و التكنولوجيا والمزودة لخدمات حقول النفط في مركز استراتيجية المشتريات لدينا".

وتابع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط قائلا : " كما سيضعنا هذا المكتب في قلب صناعة النفط في الولايات المتحدة لمواكبة تطور الصناعه النفطية وهذا قرار استراتيجي هام بالنسبة لنا ولا ينبغي لأي احد التقليل من أهميته ".وخلال اجتماعاته في واشنطن التقى صنع الله مع السيناتور كريستوفر ميرفي عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وكبار مسئولي مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الطاقة ووزارة التجارة.

وكانت شركة "شلمبرجير" الامريكية للخدمات النفطية،عادت إلى البلاد هذا العام، بعد توقف استمر لأكثر من ثلاث سنوات لاستئناف نشاطها مع شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز.وشرعت الشركة في تنفيذ العديد من الأعمال الخاصة بالآبار النفطية وصيانتها وذلك في ظل تحسن الأوضاع الأمنية.

أما على الصعيد العسكري،فيبدو أن الولايات المتحدة مصرة على إبقاء وجودها فى المشهد الليبي،وهو ما كشفته الغارات الجوية التي شنها سلاح الجو الإمريكي،الجمعة 17 نوفمبر 2017،والتي استهدفت عددا من عناصر تنظيم الدولة في الصحراء الليبية،بحسب قناة فوكس نيوز الأميركية.ونقلت القناة،عن مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"،"إن الغارة التي شنتها طائرات بلا طيار تمت في صحراء وسط ليبيا استهدفت تجمّعا لتنظيم “داعش” وأسفرت عن مقتل عدد من عناصره".

وقامت أمريكيا برحلات استطلاع عسكرية لجمع المعلومات الاستخبارية السرية على تعقب وتحديد المناطق التي ينتشر فيها نفوذ تنظيم الدولة قبل أن يتم استهدافها في الصحراء وفق مانشرته تقارير إعلامية أمريكية.وسبق أن شنّ سلاح الجو الأمريكي نهاية سبتمبر الماضي،غارات جوية دقيقة على معسكر لـ "داعش" بالصحراء، مما أدى إلى مصرع 17 من عناصره وتدمير 3 مركبات تابعة للتنظيم الارهابي.

يٌذكر أن الولايات المتحدة الأمركية كانت قد ساعدت قوات "البنيان المصرصوص" التابعة لحكومة الوفاق في محاربته لتنظيم الدولة في سرت التى كانت معقل تنظيم الدولة.وقد شن الجيش الأمريكي ما يقرب من 500 غارة جوية ضد التنظيم في المدينة الساحلية، الواقعة في منتصف الطريق بين طرابلس وبنغازي.كما إستهدفت غارة،في  يناير الماضي،وسبقت مغادرة الرئيس باراك أوباما لمنصبه،تجمعا لداعش في ليبيا، مما أسفر عن مقتل 85 مقاتلا.

وتأتي هذه التحركات المتسارعة،بالرغم من التزام الإدارة الأميركية،منذ وصول  دونالد ترامب للرئاسة في البلاد، الصمت حيال ما يحدث في ليبيا،وصل بها حد التنصل من أي تدخل في هذا البلد المتأزم،وهو ما أكده الرئيس الأمريكي في أبريل الماضي، خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإيطالي، باولو جينتيلوني، عقب اللقاء بينهما في البيت الأبيض،قائلا: "لا أرى دوراً لأمريكا في ليبيا،" وأضاف: "أعتقد أن الولايات المتحدة تقوم حالياً بالعديد من الأدوار، بما فيه الكفاية، في أماكن مختلفة من العالم".