تشرع "بوابة إفريقيا الإخبارية" منذ اليوم في نشر حلقات كتاب " تاورغاء والرحيــــل المر: ستة أعوام من التهجير والشتات" للكاتب والحقوقي الليبي، ناصر الهواري، مؤسس المرصد الليبي لحقوق الانسان ورئيس منظمة ضحايا لحقوق الانسان. والصادر أخيراً عن مؤسسة "نيو لينك الدولية للنشر والتدريب". ويوثق الكتاب مأساة مدينة تاورغاء في أعقاب سقوط نظام الزعيم الراحل، معمر القذافي. والمعناة التي عاشها أهلها بسب مواقفهم السياسية خلال أحداث 17 فبراير 2011 وما بعدها. فقد هجر قرابة أربعون ألفَ مواطنٍ، هم تعداد سكان المدينة وتم نهب وسرقة ممتلكاتهم وحرقت وهدمت منازلهم، وقتل قرابة 170 من شباب المدينة من بينهم شيوخ مسنون وأطفال، لاتهامهم بالقتال ضمن قوات الجيش الليبي. وفيما يلي الجزء الأول:

 

*نظرة مختصرة قبل التهجير

بدأت معاناة أهالي تاورغاء مع بداية المواجهات المسلحة التي اندلعت في 17 فبراير عام 2011، حيث تم استخدام المدينة كمنطقة عسكرية من قبل قوات الجيش ، واستمرت معاناة أهالي تاورغاء في صمت؛ حيث يتعرضون لنيران الجيش ونيران كتائب الثوار ونيران قوات حلف النيتو، التي كانت تقصف مواقع الآليات العسكرية المتمركزة داخل الأحياء السكنية .

خلال المواجهات المسلحة اشترطت القوات عدم مغادرة المدينة إلا بموافقة الغرفة العسكرية والحصول على إذن مغادرة ورجوع محدد بتاريخ.وكان يسوق في الإعلام بأن تاورغاء خالية من السكان وهذا الأمر منافٍ للحقيقة، فقد كان أهالي تاورغاء يموتون في صمت بين مطرقة الثوار وسندان الجيش .

  أستمر هذا الأمر من شهر مارس 2011 و حتى  11 أغسطس 2011 ، في شهر رمضان حيث حدثت الكارثة والموت الجماعي داخل تاورغاء في يوم ما يسمي بيوم تحرير تاورغاء .يوم تحرير تاورغاء هو بداية الكارثة التي حلت على أهالي تاورغاء، حيث دخلت كتائب مدينة مصراته لتاورغاء من أربعة محاور إضافة إلى قصف النيتو، وبدأت مليشيات مصراته بقصف الأحياء السكنية مستخدمةً جميع أنواع الأسلحة .

 أستمر القصف يوم  الحادي عشر من رمضان منذ الصباح الباكر، قتل العديد من الأهالي جراء قصف المباني التي دكت على ساكنيها ، ما أفزع الأهالي وأضطرهم للذهاب إلى تاورغاء القديمة على أرجلهم، لأن معظم السيارات كانت فارغة من البنزين الأمر الذي زاد من حجم الكارثة، حيث مات العديد من الأهالي أمام بعضهم في مشهد مأساوي جراء القصف بصواريخ  جراد، والمدافع المضادة للطائرات وجميع أنواع الأسلحة.تناثرت أشلاء الأهالي نتيجة للقصف وحتى الحيوانات لم تسلم حيث كانت تتبع الأهالي هرباً من القصف الانتقامي العشوائي؛ الذي لم يراعي حرمة ولا حماية وأمن المدنيين.

 لم يجد الأهالي حل إلا الذهاب شرقاً لتفادي القصف العشوائي، الأمر الذي أجبر الأهالي لسلوك الطرق التي تمر في المنطقة السبيخة المحيطة بتاورغاء، ما أدي إلى موت وغرق العديد منهم ، خصوصاً كبار السن والنساء والمرضي والحوامل، الأمر الذي جعل هذا اليوم كارثي ومأساوي على الأهالي، والذي زاد الأمر وفاقم المصيبة  قيام كل وسائل الإعلام بالتعتيم على هذا المصاب الجلل وعدم الإشارة إليه .

بعد ذلك تم طرد و تهجير كل من بقي داخل تاورغاء إلى خارجها، بعد أن تعرضوا للإهانة ، والاعتداء من قبلثوار مصراته ومن رفض الخروج من بيته قتل بدم بارد .ذهب الأهالي إلى منطقة الهيشه التى تبعد عن تاورغاء 75 كم ، ذهبوا سيراً على الأقدام ، تصحبهم بعض السيارات وفوجئ الجميع بالفوضى وعدم تمكنهم من الحصول على البنزين.

 بعض أهالي الهيشه ساهموا في جلب بعض أهالي تاورغاء من الصحراء والمنطقة السبخيه إلى الهيشه، وأيضاً تجميع بعض رفات وأشلاء الأهالي ودفنها في الهيشه.وبعد ثلاث أيام من الكارثة والنزوح و المعاناة، تمكن بعض أهالي تاورغاء من الحصول على الوقود، وتفرقوا كلاً حسب المدينة المفضلة له وتواجد الأقارب فيها : " سرت، والجفرة، زلة، سبها، طرابلس، تاجوراء، بني وليد، ترهونة " و باقي مدن ليبيا التي نزحوا إليها بما في ذلك مشروع اللود، تلك المنطقة الصحراوية النائية التي لا يوجد بها أي مقومات للحياة والتي شهدت تعذيب أهالي تاورغاء بعد وصول ثوار مصراته إليها .

بوصول ثوار مصراته إلى المناطق والمدن بداية من الهيشه تعرض الشيوخ والشباب والنساء إلى الإهانات والتعذيب والقتل والحرق أمام بعضهم، حيث قتل من قتل وخطف من خطف وزادت المأساة والكارثة ، لكن بوصول كتيبة شهداء الجزيرة من ثوار اجدابيا وبنغازي إلى منطقة الجفرة، تحسنت الأوضاع ، حيث قامت الكتيبة بحماية وتأمين وحراسة الأهالي، وهددوا ثوار مصراته بتسليح الأهالي إذا استمروا في خطف وقتل الأهالي. قامت كتائب مصراته : " كتيبة الموت، توباكتس، النسيم، العاديات، المحارب، شهداء سيدي غريب، النسر، الحسم، شارع طرابلس، أحمد قرقوم " وغيرها ،  بإهانة كرامة الأخرين حيث جمع الموجودين بموقع الإمداد بالجفرة، من نساء وكبار السن وأطفال في طوابير وأمروا الشباب بالبروك والزحف على الطريقة العسكرية، وطلب من أحد الشباب الهرولة ولكن أحدهم لم تعجبه هرولة الشاب فأطلق عليه النار وأرداه قتيلاً أمام أعين والدته وأخواته اللاتي يعولهن وتم خطف بعض الشباب ونقلوا إلى مصراته، وأيضاً أخدت السيارات الخاصة وجميع الهواتف النقالة، والنقود من كل الموجودين وقاموا بأخذ مقتنيات النساء من الذهب أمام أعين أزواجهن، وحرقت السيارات وممتلكات الأهالي، ونفس الشيء حدث في طرابلس وبعض المدن التي نزح إليها الأهالي.

 لم يفرق ثوار مصراته في هجومهم الأخير على تاورغاء بين جنود الجيش والمتطوعين والأهالي من الأطفال والشيوخ والنساء فكان الهجوم كاسح وإطلاق النار عشوائي والدمار شامل، ولقد حالف الحظ عدد  من أهالي المدينة كونهم فروا قبل الهجوم بيوم واحد تحت تأثير الدعاية بأن ثوار مصراته سيقتلون كل من يجدوه أمامهم .

بعد ذلك بدأ الاعتقال العشوائي الممنهج على الهوية لكل شباب وشيوخ تاورغاء، ومعظم المعتقلين تم نقلهم الى مصراته، حيث تعرضوا لأشبع أنوع التعذيب و قتل البعض منهم تحت التعذيب قرابة 170 قتلوا غيلة وغدراً دون محاكمة تعذيباً ورمياً بالرصاص ، واستمر الاعتقال والقتل على الهوية حيث بلغ عدد الشباب المختطفين 220 والمعتقلين داخل سجون مصراته قرابة  1300 شاب، لا ذنب لهم إلا أنهم من أبناء مدينة تاورغاء.أصبحت مدينة تاورغاء بعد نزوح المواطنين أثراً بعد عين لا وجود للحياة فيها ، تنتشر بها الحيوانات النافقة والكلاب الضالة ، لم تسلم المباني العامة من التدمير والحرق المتعمد، ولا الممتلكات الشخصية من السرقة والنهب، جميع الأماكن العامة في تاورغاء المصارف والمستشفيات والمدارس تعرضت للحرق بعد إن تم سرقتها والعبث بمحتوياتها.

  زاد من المأساة غياب الزيارات والاهتمام من أعضاء الحكومة والمجلس الانتقالي السابق، والمؤتمر الوطني ومجلس النواب لأهالي تاورغاء، لرفع معنوياتهم والوقوف على حالهم، في الوقت الذي قام بذلك معظم السفراء والبعثات الدبلوماسية ومبعوثي الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى الموجودون في ليبيا.أما أهالي تاورغاء المقيمين بمدينة مصراته، فنتيجة لغياب الأمن في المدينة في بداية الأحداث، وانتشار عدة مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، اضطر العديد من أهالي تاورغاء المقيمين بالمدينة لمغادرة منازلهم، وترك جميع ممتلكاتهم، ومنع هؤلاء النازحين من العودة إلى ديارهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها، بل تم نهب ممتلكاتهم وتم تسكين عائلات من المنتمين لمدينة مصراته بمنازلهم .

*شهادات أهالي تاورغاء

يروي أحد أهالي المدينة  عملية النزوح من تاورغاء  قائلاً  : "  بدأت حرب تحرير تاورغاء كما يطلقون عليها  يوم الخميس الموافق 11-8-201  أقترب ثوار مصراته من تاورغاء بأسلحتهم و بدءوا بالقصف والرماية في الهواء في اتجاه تاورغاء مما أدخل الذعر فى قلوب السكان ،  بدأ اقتحام المدينة منذ ساعات الصباح الأولى حتى ساعة متأخرة من الليل ونجم عنها سقوط ضحايا وجرحى في صفوف المدنيين من سكان تاورغاء وكان الناس ينزحون  باتجاه الشرق.

الفارين كانوا عائلات نساء وأطفال وعجائز وشباب ورجال ونساء حوامل ومرضى ومعاقين مجتمع متنوع فمنهم من حمل أطفاله على رأسه وظهره ومنهم من حمل أحد والديه على كتفيه ومنهم من حمل أمه المسنة أو أبيه الهرم أو ابنه أو شقيقه المعاق في عربات ( براويط).

فهاموا على وجوههم في الصحراء وقطعوا مسافة 70 كلم سيرا على الأقدام فمات من مات وجرح من جرح وكان الناس في حالة رعب وقتل منهم قرب السبخة أكثر من 70 مواطن وتركت الجثث في العراء على طول الطريق دون دفن حتى نهشتها الكلاب والطيور وتحللت في شكل مأساوي للغاية وكل ذلك كان في شهر رمضان المبارك ومن عجز منهم تركوا في العراء ومنهم المواطن : عقيلة على عبدالقادر نتيجة لعجزه عن المسير خلال الفرار ترك في العراء " .إحدى السيدات وهي امرأة مسنة،عجز إبنها عن حملها لطول الطريق، فكان يستريح مرة ويحملها مرة، وأمام معاناة الإبن قالت له أمه، يا ولدى اتركنى وانج بحياتك، أنا أمرأة كبيرة السن وأنت العمر أمامك .

*الاتهامات بالقتل والاغتصاب

اتهمت المليشيات المسلحة أهل تاورغاء، بالمشاركة في القتال في صفوف قوات الجيش و تأييد العقيد معمر القذافي أثناء المواجهات المسلحة ، كما اتهمتهم بارتكاب جرائم حرب في مصراته، وقد عجزت الحكومة الليبية وسلطات مصراته عن كبح جماح تلك المجموعات المسلحة.

في أثناء الصراع المسلح المحتدم آنذاك، ذكرت العديد من وسائل الإعلام أن هناك حالات انتهاك لحرمات البيوت واغتصاب ممنهج للنساء ؛ من مقاتلين من تاورغاء بالتحديد ضد نساء من مصراته، حيث كانت وبالتحديد في منطقة طمينه بمدينة مصراته، ولكن كل الجهود لم تفضي إلى الحصول ولو على أرقام بسيطة مما يذكر وكل ما أشيع هو روايات تفتقد للتوثيق وحاولت العديد من المنظمات الحقوقية التي قامت بزيارة المدينة، لتقصى الحقائق حول هذه الاتهامات الحصول على أدلة على تلك المزاعم ، لكنها لم تصل لشيء وكان رد أهالي مصراته لا يمكننا فضح بناتنا.

من جهتها ذكرت الصحيفة الايطالية “Corriere della Sera” في عددها الصادر يوم السبت 25 يونيو2012 أن موظفي منظمة " العفو الدولية " ، لم يجدوا أية دلائل على حصول عمليات اغتصاب جماعية للنساء، من قبل القوات الموالية لنظام معمر القذافي بهدف تخويف السكان الليبيين.ونقلت الصحيفة الايطالية الصادرة في ميلانو عن موظفة منظمة العفو الدولية: " دونتيلا روفيرا"  التي قامت بدراسة هذه المسألة خلال الأشهر الثلاث الأخيرة في مناطق مختلفة من ليبيا، قولها إنه لم يتم اكتشاف دلائل على هذه الجرائم .

وقالت روفيرا : ما تم تناوله من أن قوات العقيد معمر القذافي، ارتكبت أفعال عنف عديدة فهذا حقيقة ، ولكننا لم نكتشف دلائل على عنف جنسي، مع أننا بحثنا عنها لوقت طويل، ولا أريد القول إنها لم تحصل، كما إننا نستمر بالتحقيق ، إلا أننا لم نجد شيئاً بعد ولا نعرف أحداً ممن وجد شيئاً مماثلاً.كما أشارت روفيرا إلى أن زملائها استطاعوا مشاهدة تسجيلا مصوراً واحداً فقط، يبين عملية اغتصاب، إلا أن المغتصبين الذين بينهم التسجيل لم يكونوا يرتدون ثياباً عسكرية، بالإضافة إلى ذلك لم يكن بالمستطاع معرفة مكان و زمان تسجيل الفيلم.

وقالت روفيرا : " إننا نملك الكثير من الدلائل على جرائم  مرتكبة من قبل قوات القذافي، وعنف مرتكب من قبل الثوار، ولكن الاغتصاب لا يدخل ضمنها ".وأضافت روفيرا : " حتى بفرض وقوع حالات اغتصاب، فإن السبيل الوحيد للتأكد هو تشكيل لجنة للبحث والتقصي، حتى يمكننا الملاحقة القانونية للجناة وإنصاف الضحايا، وحتى يتم ذلك يمكننا القول إن التهم التي ألصقت بأهالي تاورغاء معظمها لا تستند إلى أدلة ثابتة، تدين مرتكبيها وإنما إشاعات في الغالب ".

وقد اتخذت دعاوى الاغتصاب كذريعة لاستمرار العداوة وإماتة أي محاولة لعودة أهالي تاورغاء لديارهم وملاحقتهم وسجنهم وتعذيبهم وقتل البعض منهم،  ويعضد ذلك ما قاله صلاح المرغني وزير العدل السابق : " قضية الاغتصاب هي مصدر الكراهية في هذا المجتمع فالأمور تمضي على ما يرام إلى أن يجري التطرق إلى هذه القضية، وحينها تشعر أنك قد اصطدمت بحائط" .و يعترف المرغني : " بأن حكومة المؤتمر الوطني العام الانتقالية كانت بطيئة في معالجة هذه المسألة "   يقصد مسألة دعاوى الاغتصاب  .

من جهة أخرى رأى المراقبون أن البعض في مصراته يتعمدون رفع مستوى العداء، للإستيلاء على جزء من أرض تاورغاء وممتلكات أهالي تاورغاء القاطنين في مصراته ويتخذون من دعاوى الاغتصاب ذريعة لهذه الأفعال، وهذا ما حدث بالفعل مع الممتلكات المملوكة ملكية مقدسة من عقارات ومحلات تجارية، لكل القبائل التي تم طردها من مصراته وأسموهم العائدون، بسبب تركهم للمدينة أثناء الصراع المسلح خوفاً على أنفسهم ثم عودتهم بعد ذلك.

يمكننا القول بأن كثير من الناس ركضوا بالرأي السائد ركضا دونما تبيان لحقيقة الأمر، واتبعوا ما يطلق من اشاعات وبيانات كاذبة، وهو ما زاد حدة العداء وجعل من الكذب حقيقة ومن الخيال واقعاً ممكناً  حتى وصل ببعضهم أن أوصل عدد المغتصبات لثمانية آلاف مغتصبة ، مثل الطبيبة النفسية سهام سرقيوه والدكتور إسماعيل فورتيه من مصراته وغيرهم  ، حيث أكدوا وتزعموا فريقاً يقول بأن قوات القذافي استخدمت الاغتصاب كسلاح فى الحرب ، لكن بالبحث والتحرى والتمحيص تأكد بأن كل الدعاوى التى رفعوها ، ما هى إلا دعاوى كاذبة لم تقم على أدلة  .وقد نسب البعض إلى رئيس المجلس الوطني الانتقالي آنذاك : " المستشار مصطفى عبدالجليل " القول  بأنه قد ذهب لمصراته وأنهم أطلعوه على مقاطع مصورة وجدت فى هواتف بعض الجنود من تاورغاء تثبت وقوع عمليات اغتصاب ، لكن بسؤال المستشار مصطفى عبدالجليل من قبل لجنة الصلح خير وهى لجنة سعت للصلح بين تاورغاء ومصراته وعودة أهالي المدينة ،  أنكر المستشار مصطفي عبدالجليل تلك القصة الملفقة

*التهجير الذي طال المدينة

التهجير القسري : هو ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلاً عنها.وتعتبر المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي،التهجير القسري جريمة حرب تطال كل من ساعد فيها من دول ومسؤولين، بدءً من المجلس الوطني الانتقالي مروراً  بكل الحكومات المتعاقبة التي لم تكن إلا غطاءً لهذه المليشيات حيث كانت تمارس انتهاكاتها بعلم سلطات الدولة وباستعمال أجهزتها كوزارة الداخلية والدفاع وبعض الكتائب المحسوبة على رئاسة أركان الجيش .

يعرَف النزوح: ( بأنه حركة الفرد أو المجموعة من مكان إلى آخر داخل حدود الدولة , ويتم النزوح رغماً عن إرادة النازح بسبب مؤثر خارجي مهدد للحياة كالمجاعة أو الحرب أو الجفاف والتصحر أو أي كوارث أخرى تدفع النازح إلى مغادرة موقعه والتوجه إلى موقع آخر طمعأً في الخلاص من تلك الظروف). وكذلك يعرَف النازحون : ( بأنهم الأشخاص أو مجموعات من الأشخاص الذين أجبروا على هجر ديارهم أو أماكن إقامتهم المعتادة فجاءة أو على غير انتظار بسبب صراع مسلح أو نزاع داخلي أو انتهاكات منتظمة لحقوق الإنسان أو كوارث طبيعية أو من صنع الإنسان وهم لم يعبروا حدود أية دولة معترف بها دولياً).

يلاحظ أن النزوح لا يندرج تحت مفهوم الهجرة الاختيارية للمواطن داخل وطنه أو وفوده من منطقة إلى أخرى على الرغم من تشابهما في عدم العبور لحدود دولة أخرى , فالنزوح يختلف عن الهجرة لأنه يتم قسراً بلا رغبة واختيار من الفرد أو الجماعة ، كما أنه قد يحدث فجاءة دون سابق تخطيط , والنزوح قد يكون شاملاً وذلك بأن تنزح قبائل بأكملها دون أن يحمل هؤلاء النازحون ما يكفيهم من احتياجاتهم المادية والعينية . أما الهجرة فإنها تتم عن سابق تمعن وتفكير وقد تكون هجرة فردية أو جماعية وللمرء أن يختار ما يحمله معه من مستلزمات أو ما لا يحمله  فليس هنالك مهدد لحياته  والهجرة تتم عبر مراحل مما يسهل امتصاصها واستيعابها في موطن الاستقبال وإحلالها وتعويضها في الموطن الأصلي الذي جاءت منه العناصر المهاجرة على عكس النزوح الذي تعجز المجتمعات فيه عن استيعاب كل الأعداد النازحة مرة واحدة بما يفوق مقدرة المجتمع فيؤدي ذلك إلى إفرازات سالبة في المناطق المستقبلة.

ظل النازحون داخلياً في ليبيا عرضةً للإساءات ولم يكن مجلس النواب ولا المؤتمر الوطني العام ولا المجلس الانتقالى الذى حكم البلاد إبان الثورة   قادرين  على تعزيز عودة الاشخاص النازحين داخلياً أو إعادة توطينهم طوعياً وعلى نحوٍ مناسب ونظراً للافتقار إلى قوانين أو سياسات أو برامج حكومية كافية، فقد قدمت المنظمات الدولية ومنظمات غير حكومية المساعدة لهم.

واليوم و بعد خمس سنوات من انتهاء الصراع المسلح ، ليس ثمة مبرر لاستمرار النـزوح الداخلي في ليبيا ويتعين على السلطات أن تتخذ المزيد من الإجراءات لإيجاد حلول لاحتياجات المجتمعات النازحة وحقوقها وبواعث قلقها المشروعة، كما أن من واجبها توفير حلول دائمة للأشخاص النازحين داخلياً والسماح لهم باتخاذ الخيار المتبصِّر والطوعي بشأن الحل الذي يبتغونه ، بيد أنه من المثير للقلق أن تجعل السلطات الليبية والرأي العام حق أهالي تاورغاء في العودة مشروطاً بتحقيق العدالة وجبر الضرر لضحايا الانتهاكات التي حدث إبان المواجهات المسلحة عام 2011، وهو أمر قد يطول لسنوات فى بلد تعصف به الفتن وينتشر به السلاح ويفتقد لسلطة مركزية موحدة وقوية  .

إن بعض الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، عندما تُرتكب بنية إجرامية من قِبل طرف في النزاع قد تشكل جريمة حرب، يشمل ذلك التعذيب والقتل رهن الاحتجاز و الحُكم على محتجزين دون محاكمة عادلة . إن  بعض الجرائم عند ارتكابها على نطاق واسع أو بشكل ممنهج كجزء من سياسة إجرامية لدولة أو منظمة، قد تمثل جرائم ضد الإنسانية أثناء النزاع أو السلم؛ يشمل ذلك التعذيب والاحتجاز التعسفي والتهجير القسرى .كل من يرتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو يأمر بها أو يساعد عليها أو يتحمل مسؤولية القيادة عنها، يمكن أن يخضع للملاحقة القضائية أمام المحاكم المحلية أو المحكمة الجنائية الدولية ولا شك  أن تهجير تاورغاء وما حدث لسكانها من تعذيب وقتل يندرج تحت هذا البند .