طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة، منذ توقيع اتفاق الصخيرات في ديسمبر سنة 2015، وقد استثمرت جماعات التطرف العنيف في حالة الانقسام السياسي، وأسفا وظفها بعض الأطراف والفاعلين السياسييين كذلك، وتجييرها لصالحه لتحقيق أهدافه وتعزيز موقفه السياسي ووضعه العسكري ميدانيا، وكسب مزيد من الحلفاء الخارجيين في مواجهة خصومه السياسيين والاجتماعيين، وهو ما تشير إليه خريطة انتشار جماعات التطرف العنيف في مختلف مناطق البلاد حيث وفر لها الصراع الحالي بيئة مواتية للحركة والنمو والانتشار.

ولكن ما الحل؟ وهل مات الصخيرات في 7 ديسمبر الجاري؟ أم أنها فقط ذكراه الثانية؟ لا شك أن من ينادون بموته يعلنون وفاته ووفاة قناة التوافق السياسي الليبي الممكنة الآن، والتي يمكن إحياؤها متى خلصت النوايا مع جهود المبعوث الأممي الدكتور غسان سلامة، الذي يصر على مرجعيتها وقام بتعديلها وهو التعديل الذي قبله البرلمان المنتخب في طبرق، كما أعلن قبوله العديد من الأطراف بينما لا يزال البعض يتعلل بمزيد من التعديل يريد به الإلغاء لا الإصلاح، مع الوضع في الاعتبار أن عجلة التقسيم لو دارت في ليبيا فلن تتوقف وستمتد آثارها للدول المجاورة. 

ولكن الأهم هو أن تاريخ 17 ديسمبر المقبل يمثل انتهاء عهدة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وما تمخضت عنه، لتكون السلطة بيد البرلمان المنتخب وحكومته، فهو يؤدي لتجاوز حالة انقسام ترتبت عليه بعد عدم حصوله على موافقة البرلمان، ولكن هل السياقات مواتية، خاصة مع شتات الليبيين وصعوبة التسجيل المنظم للكثير منهم في الداخل، وكذلك السياقات الأمنية الصعبة في بع المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون.

لا شك أنه لا بد من خارطة طريق واضحة قبل الانتخابات تقوم على عدد من الأسس والخطوات الرئيسية هي كما يلي:

ريطة طريق تمر عبر المراحل التالية:

التوصل إلى اتفاق جديد، يتضمن تعديل الاتفاق السياسي الموقع في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، بحيث يصادق عليه مجلس النواب في طبرق (شرق)، والمجلس الأعلى للدولة في العاصمة طرابلس (هيئة استشارية نيابية) ولا يزال الأخير يمثل عقوبة رئيسة حيث لا يوافق على التعديلات الصادرة عنه.

 الاتفاق على جدول زمني (بين مجلسي النواب والدولة) لتحديد تواريخ الانتخابات.

الاستفتاء على  مسودة الدستور التي أشرفت على إعدادها مجموعة الستين (هيئة منتخبة مشكلة من 60 عضوًا)، على الاستفتاء الشعبي لإقرار الدستور الجديد للبلاد الأول من نوعه منذ سقوط النظام السابق.

لكن يبدو أنه في ليبيا تبدو الأسقف المنخفضة، فلا سبيل على ما يبدو إلا طريق الانتخابات الذي يبدو أنه ستعيقه بعض الأطراف التي انكشفت في الداخل الليبي، وخاصة تلك التي تدير أو تشرف أو توظف جماعات متطرفة وميليشيات مسلحة للدفاع عنها وتسرق سلطة الشعب بعنفها الأيديولوجي والمسلح في وقت واحد، وتكاد تعتقد بعضها أن الانتخابات في أجواء نزيهة ودون مزايدات انتقامية على خصومهم، قبل الثورة وبعدها، ستكون قاصمة الظهر التي تنهي سلطتهم الحالية.

من هنا نرى أن القبول ب خطة المبعوث الأممي الدكتور غسان سلامة مسألة مهمة وجوهرية، خاصة أن بقاء الوضع على  ما هو عليه يمثل خطرا كبيرا على ليبيا دولة وشعبا، وصار المعروف فيها أن المراحل الانتقالية تزيد من تعثر الحلول ولا تؤدي إليها.

وهو ما انتبه له المبعوث الاميمي أثناء لقائه بوزير الخارجية المغربي يوم 11 ديسمبر الجاري حين أشار غسان سلامة «إلى أن الليبيين لا يريدون المرور من مرحلة انتقالية إلى مرحلة انتقالية جديدة، إنهم يريدون مؤسسات مستقرة» في بلد يعاني أزمة اقتصادية واجتماعية وأمنية حادة وخطيرةم مؤكدا أن هدف التعديلات أو غيرها من محاولات الحوار والتوافق السياسي هو تشكيل حكومة جديدة “مستقلة” تتمثل مهمتها الوحيدة في تحسين ظروف عيش الليبيين في بلد يعاني أزمة اقتصادية ومؤسساتية عميقة”.

تبدو القاطرة متجهة الآن إلى الانتخابات، التي نرجو أن يقبل الجميع نتائجها، وليس كما حدث من جماعة الإخوان حين رفضت نتائجها في يونيو سنة 2014 وأسفرت عن انتخاب واختيار حكومة طبرق وبرلمانها، وهو ما أعلن قبوله الفريق خليفة حفتر يوم 12 ديسمبر الجاري أثناء لقائه بوزير الخارجية الإيطالي  أنجيلينو ألفانو وقائد الجيش الوطني الليبي الجنرال خليفة حفتر، توافقا خلال اجتماعهما أمس الاثنين بمقر الخارجية في روما، على أنه “لا غنى عن الانتخابات” في ليبيا، وأن يوم 17 كانون الاول/ديسمبر الجاري يشكل “ذكرى اتفاقية الصخيرات وليس تاريخ نهاية صلاحية الاتفاقية”، الموقعة بين الفرقاء الليبيين قبل عامين بالمنتجع المغربي. المغرب بين الفرقاء.

ووفق المصادر، شدد رئيس الدبلوماسية الايطالية على أن الاستحقاق الانتخابي هو “قطار تم تحديد وجهته والسؤال الوحيد الذي يبقى مطروحا هو سرعة هذا القطار”، أي موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية، والتي حددت “خطة عمل” المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، أيلول/سبتمبر 2018 كموعد أقصى لإتمامها.

نحن ذاهبون نحو الانتخابات في عام 2018، ولم يقدم سلامة  الانتخابات كمقترح لحل تعقيد المشهد السياسي المنقسم ومواطن يكابد العناء في معيشته الا بعدما جلس الى مختلف الاطراف السياسية، ووضع لهذا عددا من الاشتراطات المحددة لنجاح العملية الانتخابية ، هي كما يلي:

   شرط تقني وهو  المتعلق بضرورة تسجيل الناخبين وتأمين أكبر اشتراك ممكن من الليبيين في الانتخابات.

 شرط تشريعي   بمعنى  سن القانون اللازم لتنفيذ العملية الانتخابية

شرط السياسي وهو قبول الأطراف اللبيبة كافة مسبقًا بنتائج الانتخابات.

يبدو الحوار السياسي بين الفرقاء، والمساعي الدولية التي تسعى له، هو الحل الواجب للخروج بليبيا من الأزمة العميقة الراهنة، وتبدو قاطرة الانتخابات بعد اتفاق الصخيرات فرصة حقيقية للخروج من الانسداد السياسي. وإن كانت خطة السلام تمتد لعام وتنتهي بانتخابات نيابية ورئاسية في البلاد. في ظل رغبة دولية في ذلك، وإمكانية أن تكون التعديلات التي أدخلت على اتفاق الصخيرات أملاً للتوصل إلى حل.