تخيم المخاوف على العاصمة الليبية طرابلس جراء إنتشار الميليشيات المسلحة التى تنتشر في عدة مناطق وتمارس أعمال الحرابة والسطو والخطف مقابل فدية وغيرها،إضافة إلى الإشتباكات التي تندلع بين حين وآخر،بهدف فرض السيطرة والنفوذ متسببة فى أضرار بشرية خسائر مادية كبيرة.

ومؤخرا،استهدف مسلحون موالون لزعيم جماعة مسلّحة يُعرف باسم بشير "البقرة"، مطار معيتيقة الدولي بطرابلس، بقذائف الهاون، ما تسبب في إصابة طائرة تابعة للخطوط الجوية الليبية من نوع إيرباص،بالإضافة إلى صالة الوصول بالمطار الرئيس بالبلاد.وأظهرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي تلفيّات بالمدرج وثقوباً في جناح وهيكل الطائرة.

ونددت العديد من الأطراف بهذا الهجوم وما سببه من خسائر كبيرة تنضاف إلى خسائر ليبيا اليومية جراء عنف الجماعات المسلحة.حيث أكدت الشركة الليبية الأفريقية للطيران القابضة،أن شركات الطيران في ليبيا قد تكبدت أضرار بالغة نتيجة للأعمال العسكرية التي طالت الطائرات المطارات ومرافقيها وأن مثل هذه الأعمال تؤثر بكل بالغ على تقديم الخدمة وإرباك المسافرين وإلغاء الرحلات.

وفي أولى ردود الفعل الرسمية،تعهد فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية،بملاحقة المسؤولين عن استهداف المطار.وقال الناطق الرسمي باسم رئيس المجلس الرئاسي، محمد السلاك،  خلال مؤتر صحافي عقده،الاثنين 23 أبريل 2018، إن السراج يحذر الجماعات المسلحة المسؤولة عن تلك الأفعال بأنه سيتم ملاحقتها جنائياً ومحلياً ودولياً، مؤكداً أن الإجراءات بدأت فعليا وتم تشكيل لجنة من وزارتي العدل والداخلية بالتعاون مع مكتب النائب العام وستعمل على التعامل مع هذا الأمر بكل حزم وبالسبل المتاحة كافة.

وليست هذه المرة الأولى التي تهاجم فيها "ميليشيا البقرة" مطار معيتيقة،ففي يناير الماضي،أسفر هجومها عليه عن مقتل أكثر من عشرين شخصا وجرح حوالي ثلاثين آخرين وتسبب في ايقاف الملاحة الجوية من والى المطار.وجاء الهجوم حينها بحسب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني،بهدف إطلاق سراح إرهابيين محتجزين في سجن، ينتمون إلى تنظيم "داعش" و"القاعدة".حيث يطالب قادة الكتيبة 33 التي تدين بالولاء لمفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني والجماعة الليبية المقاتلة، بإطلاق سراح أشخاص مقبوض في سجن معيتيقة بتهم الاٍرهاب.

ودفع الهجوم برئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية،فائز السراج،إلى إصدار قرار بحل "كتيبة البقرة" وطالبها بتسليم أسلحتها وآلياتها العسكرية،وشكّل القرار مفاجأة لكونه يعد فى حقيقته إقراراً بتبعية هذه الكتيبة لحكومة الوفاق.

لكن الكتيبة تجاهلت القرار وقالت في بيان على موقعها في "فايسبوك"،"إنها غير ملزَمة القرارات التي تصدر عن حكومة الفرقاطة غير المعتمدة من مجلس النواب"، في إشارة إلى حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السراج. وقالت:"وليس بيننا وبينها عهد ولا ميثاق ولن نكون تبعا لها، وتبعيتنا للشعب الليبي والعلماء الأجلاء"، في إشارة إلى مرجعها الديني الصادق الغرياني.

ويشكك المراقبون في قدرة السراج على كبح جماح الميليشيات،حتى تلك التي تعلن ولاءها لحكومته،وهو ما تجلى واضحا في أزمة أهالي تاورغاء،عندما رفضت ميليشيات موالية لحكومة الوفاق عودتهم إلى مدينتهم بالرغم من الوعود التي أطلقها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج،في ديسمبر 2017،وإعلانه عن موعد بدء عودة أهالي تاورغاء إلى مدينتهم في الأول من شهر فبراير 2018.

وكان القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر،قال إن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج رهينة لدى مليشيات طرابلس، ويصعب عليه اتخاذ القرارات فضلا عن تنفيذها.مضيفا في لقاء مع صحيفة جون أفريك الفرنسية أن كل ما استطاع السراج أن يفعله هو قبوله بإجراء لقاءات وعقد اتفاقات لفظية لا مستقبل لها، وفق تعبيره.

من جهة أخرى تتصاعد الانتقادات لحكومة الوفاق بسبب عجزها عن بسط سيطرتها تعوّيلها على الميليشيات التي أعلنت ولاءها لها،والتي مازالت في مرمى الاتهامات والشكوك.ففي فبراير الماضي، اتهم تقرير أممي قوة "الردع الخاصة"، التابعة لحكومة الوفاق، بالتواطؤ مع ميلشيات مسلحة على تشديد سيطرتها على طرق التهريب.ذكر خبراء في تقرير سري للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي، أن معظم الجماعات المسلحة الضالعة في عمليات تهريب البشر والبضائع في ليبيا لها صلات بالمؤسسات الأمنية الرسمية في البلاد.

وفي الرابع عشر من مارس/ آذار الماضي، كشف رئيس مكتب التحقيقات في مكتب النائب العام في العاصمة الليبية طرابلس، الصديق الصور، في مؤتمر صحافي، عن تورّط عناصر في جهاز مكافحة الهجرة التابع رسمياً لحكومة الوفاق في إطلاق سراح مهربين وبيع مهاجرين، مؤكداً أنّ أوامر النائب العام صدرت بضبط جرافات وقوارب في قضايا تهريب، والقبض على مالكيها.

ويبقى المواطن هو الخاسر الأبرز من وجود الميليشيات،حيث حصدت الاشتباكات بينها أرواح الكثيرين خلال السنوات الماضية،ناهيك عن الاختطاف والقتل والاغتصاب وغيرها من الجرائم التي تزيد من تردي الأوضاع في البلاد.ومنذ 2011،خرج الشارع الليبي مرارا وتكرارا ضد الميليشيات، مطالبا بضورة إنهاء المظاهر المسلحة وجمع السلاح والمسارعة في تشكيل جيش وشرطة يخول لهما فقط ضبط الأمن.

ومع تواصل حالة عدم الاستقرار،وأعمال العنف والإشتباكات بين المليشيات من أجل السيطرة على الأرض أو تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية والعسكرية،مازالت حكومة الوفاق الليبية عاجزة عن بسط سيطرتها على المدينة التي تبقى،بحسب المراقبين،أسيرة للصراعات والإشتباكات وغياب الأمن،مع تواصل تغول الميليشيات التي ترسخ وجودها في ظل غياب مؤسسات الدولة.ويبقى التساؤل مطروحا حول مدى قدرة حكومة الوفاق على تنفيذ وعيدها والحد من سطوة الميليشيات.