كان إبراهيم يبلغ من العمر تسع سنوات عندما قام ناشطو بوكو حرام بقطع يد صديقه وخفض الجذع في غليان الزيت.

كثير من أفراد عائلته قتلوا على يد الجماعة ؛ في سن الحادية عشرة، رأى بأم عينيه جهاديا يطلق النار على والده ويرديه قتيلا.

وقال لـ  MailOnline في مخيم بيكاري في مايدوغوري، عاصمة ولاية بورنو في شمال شرق نيجيريا.: " عندما أفكر في بوكو حرام تتجمد مشاعري، لا أعتقد أنني أشعر بأي شيء."

يذكر أن إبراهيم البالغ من العمر 13 عاما ، هو أحد الملايين من النيجيريين الذين نزحوا بسبب التمرد الوحشي للجماعة الذي استمر تسع سنوات والذي أدى إلى مصرع اكثر من 20 ألف شخص وأدى إلى سوء التغذية والأمراض وأجبر مجتمعات بأكملها على الفرار من منازلهم.

الآن ، هناك خوف متزايد من المنظمة الإرهابية الأفريقية - التي ينتمي جزء منها إلى داعش – والتي تهدد بالتدفق على أوروبا عبر طرق المهاجرين.

MailOnline  زارت مدينة مايدوغوري، العاصمة التي مزقتها الحرب في شمال شرق ولاية بورنو، لتعاين عن قرب حجم الكارثة.

سافرنا مع جمعية Street Child (طفل الشارع) الخيرية البريطانية، وهي واحدة من المنظمات غير الحكومية القليلة التي تساعد الأطفال المحاصرين في الصراع.

يذكر أن نيجيريا هى ثالث أكبر مصدر للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا العام الماضى بـ 37 ألف وافد جديد ، بعد  سوريا وأفغانستان ولكن جاءت متقدمة على العراق الذي جاء منه 10 آلاف  مهاجر.

وفي الشهر الماضي ، اعتقلت الشرطة الألمانية في ميونيخ مقاتلا في جماعة بوكو حرام ، اعترف بقتله تلاميذ مدارس وإحراق كنائس واحتجاز فتيات كرهائن.

وحتى الآن، يأتي معظم المهاجرين النيجيريين من مناطق لا توجد تحت تهديد إرهابي.

ولكن إذا لم يتم قمع الجماعة الإرهابية، يعتقد الخبراء أن زيادة جديدة في وتيرة الهجرة إلى أوروبا قد تسجل قريبا - مع تسلل مزيد من الإرهابيين بين صفوفها.

وقالت فاطمة أكيلو، وهي طبيبة نفسية سابقة في وزارة الصحة النيجيرية، تقود برنامجا لمكافحة التطرف الراديكالي في نيجيريا، لـ MailOnline: : "بما أن بوكو حرام يتعرض للضغط في نيجيريا على يد الجيش، فما هي المرحلة التالية؟ إنها على الأرجح انتشارهم في بلدان أخرى بعيدا عن وطنهم؟ يمكن أن تكون هذه الخطة ".

تضاعف عدد سكان مايدوغوري إلى مليوني شخص مع تدفق أعداد من الناس هربا من هذه الجماعة التي تسعى إلى إقامة خلافة في شمال شرق نيجيريا ، وفي أجزاء من الكاميرون المجاورة وتشاد والنيجر.

في أكبر مخيم في المدينة، دالوري، التقطنا لقطات من طائرة بدون طيار لتوضيح حجم حالة الطوارئ الإنسانية الكبيرة.

أمكننا رؤية أكثر من 50 ألف لاجئ في جزأين المخيم يعيشون في خوف وحرمان بجانب المجاري المفتوحة.

ويعاني المخيم من حماية ضعيفة ويقع بالقرب من مناطق الجهاديين، مما يجعله هدفا رئيسيا للإرهابيين. الهجمات تحدث بإيقاع منتظم شنيع.

وقبل أسبوعين تسلل انتحاري إلى المخيم ، وقتل خمسة أشخاص من بينهم رجل يبلغ من العمر 60 عاما وابنه البالغ من العمر تسع سنوات.

وقال بابا شيهو، رئيس الأمن، 51 عاما، الذي نقل ضحايا إلى المستشفى في عربة يدوية في أعقاب الهجوم: "يعيش اللاجئون هنا في خوف، مثل حيوانات القنص".

وهو يقف في مكان الانفجار، وصف السيد شيهو كيف تكشف الرعب: "سيارة اندفعت نحوالبوابات وخرجت امرأتان ، عندما استجوبهما حراس الأمن ، بدأتا في الركض".

وقال إن المرأة الأولى تعثرت، مما تسبب في انفجار قنبلة كانت تحملها فقتلها ولكن لم يصب أي شخص آخر. أما السيدة الثانية فتوجهت نحو المخيم.

قفزت فوق الجدار، هرعت إلى مجموعة من الناس وارتمت بينهم. انفجرت القنبلة وطار رأسها صعودا إلى أعلى شجرة. كانت هناك جثث وصراخ في كل مكان.

ويعيش أكثر من 626 ألف نازح في 180 مخيما مثل دالوري، مع أكثر من 6،700 وافد جديد في الأسبوع. وبدأ العديد من الشباب يحلمون بحياة جديدة في أوروبا.

وقال عبد الحميد، وهو أخصائي اجتماعي في مخيم باكاسي: "بالطبع يريد الشباب المغادرة نحو الاتحاد الأوروبي". "الشيء الوحيد الذي يحول بين ذلك هو المال".

وفي الأسبوع الماضي، دكّ مسلحون قرية وراء المخيم، ما أسفر عن مصرع ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص وإصابة سبعة آخرين، بالإضافة إلى فقدان 57 منزلا.

هذا عمل معتاد في مايدوغوري، التي شهدت أعلى نسبة من حالات القتل الجهادي في البلاد في العام الماضي.

وفي يناير الماضي لقي 12 شخصا مصرعهم وأصيب 48 آخرون في تفجير انتحاري مزدوج في وسط المدينة.

الشوارع تغص بسيارات مدرعة. وقد تم حظر الدراجات النارية، وهي طريقة النقل المفضلة للمجموعة الإرهابية، وتم بناء حصن دفاعي على حافة المدينة

الأطفال والشباب، الذين هم أكثر ميلا للهجرة إلى أوروبا تأثروا بشكل خاص بهذه الأزمة.

جماعة بوكو حرام - التي حققت شهرة دولية في عام 2014 عندما اختطفت 276 فتاة من بلدة تشيبوك - عُرفت باستغلال خمس من المخطوفات على الأقل في تنفيذ هجمات انتحارية وحشية.

وهي معروفة أيضا بكونها تضم جنودا من الأطفال. ويمثل بعض الشباب الذين فروا من الجماعة أكثر اللاجئين معاناة من الصدمات في المخيمات.

وروى بعض الأطفال الجهاديين السابقين رواية مريعة للحياة داخل الجماعة الإرهابية.. كاشفين عن طرق لغسل الدماغ ، والتعذيب وقطع الرؤوس.

كان إبراهيم، 13 عاما، اختطف من عائلته في سن التاسعة وأجبر على حفظ القرآن يوما بعد يوم لأشهر فيما يضربه قرين له بعقب بندقية من طراز ا ك 47.

وفي نهاية المطاف، أعطيت له بندقية خاصة به وتم الترحيب به في الجماعة الإرهابية.  ومن المفارقات أنه تم تعيينه سجانا، ليحل محل الصبي الذي كان يضربه بوحشية من قبل.

"كانت والدتي تبكي وتبكي عندما أخذوني". "لم أشعر أبدا أنني أنتمي 100 في المائة إلى بوكو حرام. كل ليلة كنا نذهب إلى النوم جوعى ونضطر لأكل أوراق الشجر. "

وتم إنقاذه خلال تبادل لإطلاق النار مع مجموعة من الصيادين التقليديين الذين يقاتلون الجهاديين.

"أجبروني على وضع البندقية التي كانت بحوزتي، ثم أخذ رجل يدي .. كان والدي قاتل من أجلي ..  وأصبحت آمنا".

إلا أنه كان من المفجع أن يكون إطلاق سراحه قصير الأجل. وقال "بدأ إطلاق النار مرة أخرى وأصيب والدي في الرأس ،  رأيته يموت. "

إبراهيم هو جزء من مجموعة من الأعضاء السابقين في بوكو حرام الذين غالبا ما ينكرهم المجتمع عندما يعودون، ويحلمون بالحياة في الغرب. وهناك حوالي 300 طفل ومراهق في مخيم باكاسي، الذي يبلغ عدد سكانه الإجمالي 21 ألف نسمة.

وكان حسن (15 عاما) لديه 21 من الأقارب قبل التمرد.  بقي خمسة منهم فقط على قيد الحياة اليوم. تم تجنيد أسرته بالقوة من قبل بوكو حرام وبعد فترة من غسل الدماغ، أصبح هو أيضا مغرما بالجماعة الإرهابية.

"لقد رأيت الكثير من الناس الذين يقتلون ولكن لم يتم اختياري لعملية. تمنيت أن يتم اختياري ، من شأن ذلك أن يعطيني الفخر، وأنا أحب ذلك".

"أنا أحب الأمراء (القادة)، ورأيتهم كأشخاص طيبين. توددت لهم حتى يتم اختياري لعملية. "

ويخشى الخبراء أن يجد هولاء الأطفال المصدومون طريقهم إلى أوروبا بوصفهم مهاجرين، فإنهم سيتعرضون لخطر جسيم لخدمة التطرف.

وقالت فاطمة أكيلو: "هذا خطر مطلق ،، في نيجيريا، أدير برنامجا شاملا لمكافحة التطرف يغطي الأيديولوجية وسبل المعيشة والتعليم. ولكن ليس لدينا الموارد اللازمة للوصول إلى العديد من الأطفال في المخيمات، وبالتأكيد لن يحصلوا عليها في أوروبا."

دفع هجوم عسكري للجيش النيجيري كبير أطلق عليه اسم "الضربة العميقة" المجموعة الإرهابية خارج المناطق الحضرية العام الماضي وحقق مكاسب إقليمية.

وردا على ذلك، ركزت بوكو حرام في استهدافها على بلدات معزولة وأهداف رخوة ، مع تكثف لاستخدام انتحاريين في مايدوغوري.

محمدو بوهاري، رئيس البلاد، الذي عينه على الانتخابات القادمة ، أعلن بشكل غريب أن الإرهابيين "هزموا".

اعتُبرت كلماته جوفاء يوم الاربعاء، عندما أصدرت بوكو حرام شريط فيديو مدته 10 دقائق من زعيمهم، أبو بكر شيكاو، يحتقر فيه الجيش ويطلق على نفسه صفة من لا يُقهر" .وادعى أيضا أنه يحتجز زوجات رجال الشرطة كرهائن.

ويتفق المحللون على أن بوكو حرام قد فقدت بالفعل بعض المكاسب على الأرض. ولكن خلافا لادعاءات السيد بوهاري، أظهرت أبحاث هيئة الإذاعة البريطانية أن عدد الأشخاص الذين ذبحتهم المنظمة الجهادية قد زاد بالفعل في العام الماضي.

وقال غرانت تي هاريس، المستشار السابق للرئيس أوباما سابقا في أفريقيا، لـ MailOnline: "في كل مرة تعلن فيها الحكومة النيجيرية فوزها، فإنها تفقد مصداقيتها."

"أي ادعاء أن بوكو حرام قد هزم هو سخيف. وستصبح الحرب أكثر سياسية في الفترة التي تسبق الانتخابات النيجيرية.  وفي المقابل، سوف يحاول بوكو حرام إثبات أنه قادر وموجود من خلال تصعيد الهجمات".

وأضاف السيد هاريس، الرئيس التنفيذي لشركة هاريس أفريكا بارتنرز: "لا أرى أي حل سريع. أمامنا طريق طويل لخنق موارد بوكو حرام ووقف عملياتها لتجنيد العناصر الجديدة. ولا يمكن القيام بذلك إلا ببرنامج إنساني لتشجيع التنمية إلى جانب الرد العسكري".

وقد وجد بعض الأطفال النازحين من قبل بوكو حرام طريقهم إلى المدارس الإسلامية في المدينة، التي تعلمهم القرآن وترسلهم إلى الشوارع للتسول.

يعرفون باسم "الماجري" - بمعنى "الشباب المتجولون تحت التعليم القرآني" - وهم يشكلون أكبر مجموعة من الأطفال غير المتمدرسين في نيجيريا.

في مدرسة غوني حبيب سانغايا في وسط مدينة مايدوغوري، زارت MailOnline غرفة قذرة، بلا نافذة من قياس حوالي 15 قدم مربع ينام فيها 20 من الأطفال المتسولين.

وقال غوني عثمان (50 عاما) إن "أطفالنا يدرسون القرآن لمدة ساعة ونصف الساعة، ثم نرسلهم للتسول لمدة ساعتين ونصف الساعة".

"عليهم دفع رسوم التدريس بطريقة أو بأخرى. كنا نستخدمهم في الزراعة في الموسم المطير لجمع المال للعام الدراسي، ولكن لم نتمكن من القيام بذلك لمدة سبع سنوات بسبب الصراع."

قتلت بوكو حرام أكثر من 2،295 معلما وشردت 19 ألف منذ بدء التمرد في عام 2009

ووفقا للأمم المتحدة، يحتاج أكثر من ثلاثة ملايين طفل نيجيري إلى الدعم التعليمي الطارئ. وتوفر منظمة شارع الطفل حاليا مرافق تعليمية لـ 23 ألف، على أمل أن تُمكن المساعدات الخارجية من التخفيف من حدة الأزمة.

ويمكن رؤية الأطفال الأكثر حظا كل يوم في شوارع مايدوغوري وهم يرتدون أزياء مدرسية ملونة، وعدد قليل من المنظمات غير الحكومية مثل "طفل الشارع" تعمل على توفير التعليم للأطفال الأكثر حرمانا مثل ، الماجيري.

وفي ابريل الماضي، حذر ايواد ألاكيجا كبير منسقي الشؤون الإنسانية في نيجيريا من أن "العالم يمكن أن يشهد نزوحا جماعيا من بلد يبلغ عدد سكانه 180 مليون نسمة إذا لم يقدم الدعم وبسرعة".

وتوافق فاطمة أكيلو على هذا التحذير ، قائلة "هذا احتمال قوي".

"في الوقت الراهن، لا يزال الناس على ثقة من أن الحكومة سوف تحل المشكلة. ولكن إذا فقدوا جميعا الأمل في العودة إلى ديارهم، قد يضطرون للمغادرة."

وأضافت: "بما أن بوكو حرام تتعرض لضغوط عسكرية، فإنها لن تبق تعتبر نفسها مرتبطة بنيجيريا، ولكنها أكثر ارتباطا بأجزاء أخرى من العالم من خلال داعش".

"نحن نعلم بالفعل أن بوكو حرام تتعاون مع مجموعات أخرى وتحارب مع داعش في مجموعة متنوعة من البلدان. أوروبا يمكن أن تكون الخطوة المنطقية التالية. "

آخر نداء لمنظمة شارع الطفل، بشأن الحق في التعلم، سيدعم 10 آلاف طفل في جميع أنحاء نيجيريا وسيراليون وليبريا للذهاب إلى المدرسة والتعلم.

 

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة