ينهي الرئيس النيجيري محمد بخاري اليوم الأربعاء زيارته لفرنسا والأولى لأوروبا منذ توليه السلطة قبل أشهر بحثا عن مسكّن للصداع الذي تسببت فيه جماعة بوكو حرام للنيجيريين. وبعد أشهر من فشله في انتزاع موافقة من الرئيس باراك أوباما من أجل الحصول على دعم أميركي لمحاربة "داعش نيجيريا" يبدو أن الرئيس النيجري وجد ضالته. فقد كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة عن انتزاع بخاري موافقة هذه المرة من الرئيس فرنسوا هولاند لتعزيز التعاون بين البلدين ضد هذه الجماعة وربما يصل الأمر إلى ارسال عسكريين لتدريب عناصر من الجيش النيجيري أو قد يصل الأمر إلى تركيز قاعدة عسكرية هناك. ورغم أن المصادر الدبلوماسية لم تكشف صراحة عن طبيعة هذه الصفقة العسكرية التي يغلفها التقارب السياسي، إلا أن فرنسا التي تملك انتشارا عسكريا بارزا في العاصمة التشادية نجامينا، تؤمن مساعدات لأبوجا تتمحور خاصة حول العمل الاستخباراتي وربما ستعزز ذلك الدعم لوجستيا. وتتحدث مصادر عسكرية نيجيرية عن تراجع لبوكو حرام في المناطق التي تسيطر عليها، فلم تعد تسيطر على أراض شاسعة كما كان الوضع قبل أشهر، لكنها قادرة على شن هجمات ضخمة ومتزامنة في عدد من الدول مثل نيجيريا، كاميرون، تشاد، والنيجر.

والحرب على الإرهاب حجة فرنسية قوية لتبرير تدخلها سياسيا وعسكريا في الدول الأفريقية التي تمر بأزمات. فالمصالح الاستراتيجية هي السبب الحقيقي وراء اندفاعها وإصرارها على أن تكون حاضرة بقوة في قلب الحدث رغم خطورة الوضع وضعف الدعم الخارجي لها. وتجلى ذلك بصورة واضحة عندما عبر هولاند خلال لقاء جمعه بضيفه أمس الأول في قصر الإليزيه عن اعتقاده بوجود علاقة بين داعش وبوكو حرام، قائلا "نعلم أن بوكو حرام تلقت دعما ومساعدة من داعش، فقتال بوكو حرام هو بمثابة قتال داعش". ومع أن الحكومات التي تعاقبت على الإليزيه، منذ نهاية الحرب الباردة، أعلنت فشل تجربة فرنسا كشرطي أفريقيا والعمليات العسكرية الأحادية، إلا أنه وبدل تراجعها يبدو أن تدخلاتها العسكرية تضاعفت. ويذهب البعض إلى القول إن فرنسا تفكر بجدية في إنشاء قاعدة عسكرية في نيجيريا لدعم جهود القوة الأفريقية المشتركة في قتال بوكو حرام، لاسيما وأن لها قواعد منتشرة في جنوب الصحراء الغربية، فبعد ساحل العاج وليبيا في 2011، ومالي وأفريقيا الوسطى في 2013 جاء دور نيجيريا هذه المرة.

ولا يشكك الخبراء في أن باريس تسعى للتصدي لخطر الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة الأفريقية. لكن ولئن كانت الغاية الأولى هي حماية المصالح الفرنسية، إلا أن ذلك لا ينفي أن التدخل الفرنسي في دول أفريقية مجاورة نجح نوعا ما في تحجيم سيطرة المتشددين. ومن هذا المنطلق لا ينفي هؤلاء الخبراء أن البعض من المسؤولين الغربيين يعتبرون التدخل الفرنسي في نيجيريا “شرا لا بد منه”، ففي النهاية الغاية هي القضاء على التهديد الإرهابي الذي يتربص بالجميع في كل أنحاء العالم. ووضع الرئيس النيجيري هزيمة هذا التنظيم الإسلامي ضمن أولوية اهتماماته، وهو يحمل بوكو حرام مسؤولية مقتل أكثر من 15 ألف شخص في ست سنوات أغلبهم في شمال شرق البلاد. ولأجل ذلك استبدل بخاري كبار الجنرالات والقادة في الجيش عله يحد من نشاط هذه الجماعة، ونقل قيادة العمليات من العاصمة إلى مدينة مايدغوري عاصمة ولاية بورنو شمال البلاد، كما أن جيش بلاده يقود القوى العسكرية المشتركة البالغ تعدادها حوالي عشرة آلاف جندي. ولم يمنع انتخاب رئيس جديد في نيجيريا من وقوع مجازر جديدة في المناطق التي تسيطر عليها “طالبان نيجيريا"، حيث تشير التقارير إلى تفنن مسلحيها في قتل المناوئين لها على طريقة داعش. تجدر الإشارة إلى أن نيجيريا تعد أهم قوة اقتصادية في القارة السمراء، كما تعتبر أول شريك تجاري لفرنسا في أفريقيا ما وراء الصحراء، ويبلغ حجم التبادلات بينهما 5.6 مليار يورو.