من مكتبه في المحكمة الجنائية الدولية، أدار المدعي العام لويس مورينو أوكامبو عدة شركات تقع في أسوأ الملاذات الضريبية في العالم.

بينما كان يطارد أكبر المجرمين على كوكب الأرض، كان رئيس الادعاء العام في في المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو يملك شركات في مناطق حرة في بنما وجزر فيرجن البريطانية، وهما من الملاذات الضريبية الأكثر غموضا وفقا لوثائق حصلت عليها ميديابار وتم تحليلها من قبل التعاون الاستقصائي الأوروبي.

ووفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يجب أن يتمتع رئيس الادعاء العام، وهو المنصب الذي كان يشغله أوكامبو من عام 2003 حتى عام 2012، "بأخلاق عالية". وأكثر من ذلك : "لا يجوز للمدعي العام ولا لنوابه أن ينخرطوا في أي نشاط قد يتعارض مع مهامهم في مجال الادعاء أو يثير الشك في استقلاليتهم. ولا أن ينخرطوا في أي نشاط مهني آخر." شرطٌ يتعارض على الأقل مع أعمال في مناطق حرة في المناطق الاستوائية.

سبب وجيه: فالمحكمة الجنائية الدولية تطارد أسوأ القتلة الجماعية فوق هذا الكوكب. رجال ونساء رفيعو المستوى ورؤساء دول وقادة عسكريون وسادة جواسيس وغيرهم ، يشتبه في ارتكابهم فظائع سواء كانت جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية. وحتى لا يضع المحققون ، وعلى رأسهم المدعي العام الذي هو في الرتبة الأولى ، أنفسهم في وضع ضعيف أمام أولئك الذين يتهمونهم - والذين يتوفرون في بعض الأحيان على إمكانيات دولة وأجهزة استخبارات للدفاع عنهم - يجب أن يكونوا (المحققون) فوق أي شبهة..

في 15 أغسطس 2012، أي بعد شهرين فقط من ترك لويس مورينو أوكامبو منصبه المرموق كمدع عام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، دخل مبلغ 50 ألف دولار حسابه المصرفي في بنك ABN أمرو في هولندا. المبلغ دُفع من قبل حساب سويسري، تحت اسم "تاين بي كوربورايشين"، مقرها على بعد آلاف الأميال ، في بنما.

في الأشهر التالية، تكاثرت الأموال. ودخل ما لا يقل عن 120 ألف دولار حساب أوكامبو عبر نفس المسار المعتم: بنما-سويسرا-هولندا.

ووفقا للوثائق التي حصلت عليها ميديابار في إطار عملية "أسرار المحكمة"، يبدوأن الشخصين اللذين يختبئان وراء "تاين باي كوربورايشن" هما أوكامبو نفسه وزوجته إلفيرا بوليجين. ومن الواضح أن أوكامبو، يسعى بعد تسع سنوات من العمل على رأس العدالة الدولية، إلى استعادة جزء من ثروته المحمية.

"تاين باي" ليست الشركة الشبح الوحيدة للقاضي. إذ تظهر "أسرار المحكمة" أن أوكامبو كان ضالعا أيضا في شركة في جزر فرجن البريطانية، لأعمال بقيت سرا، وتسمى "يمانا للتجارة". كانت الشركة تدار من بنما، من قبل شركة "موساك & فونسيكا"، التي اشتهرت للأسف ضمن أوراق بنما.

كانت زوجة أوكامبو من جهتها المستفيدة الاقتصادية من شركة ثالثة هي "لوسيا إنتربرايس المحدودة"، تقع في بليز، في أمريكا الوسطى بين المكسيك وغواتيمالا. وهي قبل كل شيء آخر، ملاذ ضريبي هائل، حددها الاتحاد الأوروبي في عام 2015  كواحدة من أسوأ الملاذات الضريبية في العالم. لم يكن المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية يجهل شيئا عن شركة زوجته هذه: إذ تظهر وثيقة مصرفية أنه دفع في سبتمبر 2012، من حسابه الشخصي، مبلغ 15 ألف يورو لشركة لوسيا المحدودة.

والسؤال المطروح الآن بالنسبة لأوكامبو، وهو الوجه الأكثر شهرة للمحكمة الجنائية الدولية: لماذا أخفى المدعي العام شركاته في الملاذات الضريبية في جميع أنحاء العالم؟ ومن أين أتى بالأموال؟

تعتبر المراكز المالية مثل بنما وجزر فرجن البريطانية من بين أكثر الأماكن أمانا على كوكب الأرض لإخفاء الأموال الخفية والمشبوهة أولعدم دفع الضرائب. ومن المعروف أن سلطات هاتين الدولتين تحرص على إبقاء الهوية الحقيقية للمستفيدين الاقتصاديين من الشركات القائمة هناك طي الكتمان، وعلى التحفظ في تبادل المعلومات (المالية أو القضائية) مع الدول الأخرى. إنها باختصار ثقوب سوداء.

والأسوأ هو على الأرجح أن أوكامبو لا يمكنه تجاهل ذلك بنفسه. قبل أن يتم تعيينه في 2003 على رأس الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية، كان قد اكتسب سمعة قوية في مجال مكافحة الفساد، أولا كقاض في الأرجنتين ثم كرئيس لمنظمة الشفافية الدولية في أمريكا اللاتينية.

"لا أعتقد أن أموالي تعنيك"

شركتا أوكامبو، "يمانا التجارية" و"تاين باي" (بنما)، كان لديهما حساب مصرفي في جنيف في الفرع السويسري لبنك "كريدي أغريكول"، الذي زاره المدعي العام السابق شخصيا في يوليو 2013 للحصول على 40 ألف دولار نقدا. وتجدر الإشارة إلى أنه بعد أربع سنوات من مغادرة المحكمة الجنائية الدولية، تمتع أوكامبو بثروة رسمية كبيرة، وفقا لمعلوماتنا: عقار في لاهاي قدره 1.2 مليون يورو وخمس إقامات في الأرجنتين (حيث ولد) بقيمة 2.2 مليون دولار ، ومليون دولار على الأقل في البنك.

ويظهر تبادل عدة رسائل بالبريد الإلكتروني بين أوكامبو وبنك "كريدي أغريكول" حرص المدعي العام في ذلك الوقت على إخفاء أعماله، التي كان يؤمن أنها مربحة جدا، كما هو واضح من بعض الوثائق.

مثال: في 21 ديسمبر 2009، قبل أيام قليلة من عيد الميلاد، كتب كبير ممثلي الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية لمستشاره في بنك "كريدي أغريكول": "أود إيجاد وسيلة مباشرة لشراء النفط في يناير كانون الثاني". ولكن المصرفي يحد من حماسته وينصحه بأن يراهن بدلا من ذلك في صناديق الاستثمار ، لأنه لكي يتفاوض أوكامبو على النفط الخام يجب أن يستثمر ما لا يقل عن 5 ملايين دولار..

في ذلك اليوم، سوف يناقش الرجلان موضوعا آخر، أكثر إلحاحا بكثير. فتحت ضغط منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديية، تعين على جزر فرجن أن تعدل تشريعاتها لجعل إخفاء هوية المستفيدين الاقتصاديين من الشركات الخفية أمرا أكثر صعوبة، اعتبارا من 31 ديسمبر 2009 . وتبين التبادلات بين أوكامبو ومصرفه أن المدعي العام السابق، الذي يدرك جيدا مخاطر هذا التشريع الجديد، يرغب في تفادي انفضاح أمره. والوقت ينفد: القواعد الجديدة يجب أن تدخل حيز التنفيذ في غضون أيام قليلة.

وقال له المصرفي :"اتصلت بمدير شركة "يمانا للتجارة" في موساك و فونسيكا". ولحل شركته في جزر فيرجين، يجب على أوكامبو إرسال "شهادات الملكية الأصلية" إلى موساك وفونسيكا. ويشكر المدعي العام مستشاره البنكي على مساعدته ويحرص على بذل كل ما يلزم من العناية من أجل حل شركته في جزر فيرجن وتفادي خطر الانكشاف. وبعد بضعة أيام ، كتب أوكامبو لمستشاره في "كريدي أغريكول": "لقد تحدثت إليهم في "موساك وفونسيكا" لفتح شركة في بنما، لقد قالوا لي إنهم يستطيعون القيام بذلك خلال 48 ساعة".

والنتيجة: لم يعد نشاط "يمانا للتجارة" قائما في جزر فيرجن منذ أن أصبحت اللوائح القانونية الجديدة سارية المفعول في بداية عام 2010.

أوكامبو ، على ما يبدو، رجل لديه العديد من الطموحات ... المالية. وعندما قام المدعي العام السابق، في يونيه 2015، بوضع حد لأنشطة شركة "تاين باي" في بنما، سأله موظف في بنك "كريدي أغريكول" عما إذا كان يريد مواصلة استخدام خدمات المصرف. أجابه أوكامبو بأنه يريد أولا "الحصول على بضعة ملايين إضافية".

قال لويس مورينو أوكامبو، في رحلة للندن ، عندما سئل في 25 سبتمبر من قبل " EIC" عن شركاته العديدة: "لا أعتقد أن ذلك يعنيك.. هذه أشياء خاصة. ثم شرع في تقديم تفسيرات غريبة ومربكة. "خلال فترة ولايتي (في المحكمة الجنائية الدولية)، لم يكن راتبي كافيا". وللتذكير، كان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يتلقى مبلغا قدره 150 ألف يورو في السنة، غير خاضع للضريبة.

وتابع الرئيس السابق لمنظمة الشفافية الدولية : "الشركات في المناطق الحرة ليست غير قانونية ... دفعت الضرائب في بلدي الأرجنتين حتى عام 2003. وعندما كنت في المحكمة الجنائية الدولية، دفعت كل ما علي من ضرائب ، ولكن كان لي الحق في أن يكون لدي المال في الخارج. كان علي أن أحمي نفسي في بلد يمكن للبنوك أن تقرر فيه أخذ أموالك. لذلك، نعم، كانت لدي أموال خارج الأرجنتين. ولكن انظروا إلى حساباتي، لم يكن هناك دخل بينما كنت في المحكمة الجنائية الدولية. لا شيء ".

ويحاول المدعي العام السابق ربط أنشطته في الملاذات الضريبة حصرا بماضيه كمحام أرجنتيني ثري: "كيف أتعامل مع أموالي التي جمعتها عندما كنت محاميا في الأرجنتين أمر لايخصك". ومع ذلك، فإن الوثائق المستمدة من "أسرار المحكمة" تظهر أن المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية واصل التعامل مع الملاذات الضريبية، بل إنه كان يشعر بالقلق من إمكانية انكشاف هويته.

ويقسم القاضي السابق أنه ليس متهربا ضريبيا أو مزورا. لكنه يعترف كذلك بأنه لم يذكر شيئا عن أعماله في المناطق الحرة للمحكمة الجنائية الدولية. بحجة: أنها "لم تطلب منه أي شيء. "

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة