تسبب الصراع في ليبيا في في انهيار كامل للدولة وغياب مؤسساتها،وجاء الاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية عام 2015،والذي لقي دعما دوليا واسعا، لينهي حالة الانقسام السياسي ولينتج مؤسسات موحدة تتمثل في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة كسلطة تشريعية والمجلس الرئاسي كسلطة تنفيذية.

ولكن هذا الإتفاق ظل معلقا بسبب عدم مصادقة البرلمان عليه ومطالبته بإدخال تعديلات على مواده وخاصة المادة الثامنة.ودفع ذلك إلى تسارع الجهود في محاولة للوصول إلى تسوية،حيث إنطلقت مفاوضات تعديل اتفاق الصخيرات في العاصمة التونسية نهاية سبتمبر الماضي،ونجح الفرقاء في التوصل إلى اتفاق بضرورة تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي إلى ثلاثة أعضاء عوض تسعة وفصل رئاسة الحكومة عن رئاسة المجلس الرئاسي.لكنهم سرعان ما اختلفوا حول آلية اختيار أعضاء المجلس الرئاسي، إذ أصر مجلس النواب على احتكار المهمة في حين طالب المجلس الأعلى للدولة بضرورة إشراكه في هذه العملية.

وعلى مدار الأشهر الماضية،كثفت البعثة الأممية في من جهودها في محاولة لإنقاذ الإتفاق وإحياء العملية السياسية بين الفرقاء للوصول إلى توافق.إلا أن المفاوضات والمشاورات والاجتماعات التي عقدت داخل ليبيا وخارجها بين السياسيين الفاعلين،لم تصل إلى صيغة توافقية نهائية ترضي كل أطراف العملية السياسية وتحقق مصالح الشعب الليبي من استقرار سياسي وأمني لبناء ما تهدم علي مدي سنوات.

ولم تستقر الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا بعد‏،حيث مازالت تشهد تشضيا وإنقسامات زاادت  من  وتيرة الفوضى وإنعكست سلبا على الإقتصاد الذي بات على حافة الإنهيار.وأمام هذا الإنسداد والتدهور المخيف تتحرك الأمم المتحدة لحلحلة الازمة السياسية بالاعتماد على محاولة إحياء المفاوضات.

تحركات أعلن عنها مؤخرا،موفد الامم المتحدة الخاص الى ليبيا،غسان سلامة،حيث أكد قرب إطلاق محاولة جديدة لتعديل الاتفاق السياسي المختلف حوله في ليبيا، مشيرا إلى أنها "ربما تكون الأخيرة" في وقت أكد فيه على استمرار حالة الانقسام السياسي والانهيار الأمني في البلاد.

وجاء هذا الإعلان، خلال إحاطة قدمها سلامة عبر الدائرة المغلقة من طرابلس لجلسة عقدها مجلس الأمن الدولي،مساء الأربعاء 21 مارس 2018، عن الأوضاع في البلاد،مؤكدا أن استمرار وصول المزيد من الأسلحة إلى ليبيا يؤثر سلباً على العملية السياسية وعلى الوضع الاقتصادي الذي يواجه أزمة مالية تلوح في الأفق، بحسب قوله.

 يذكر أن ليبيا تخضع لحظر سلاح مفروض على سلطاتها الأمنية من قبل المجتمع الدولي، وذلك في ظل الفوضى التي تعم البلاد وانتشار السلاح بين عدد من الميليشيات.ويمثل انتشار السلاح أحد أهم التحديات التي تواجه المساعي الداخلية والدولية لإعادة الاستقرار إلى ليبيا، بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية.

وأشار المبعوث الأممي،إلى قلقه من تزايد الوضع السياسي سواء بسبب استمرار انقسام المؤسسات في البلاد التي "ترتكز على شرعية سطحية وتفويضات ركيكة أو منقسمة إلى أجسام متنافسة"، مؤكدا أنه "من أجل القيادة وتوحيد الصف واتخاذ قرارات صعبة يجب أن تكون الحكومة آتية من الشعب وهذا يعني انتخابات".وأكد إلى الحاجة لوجود تشريعات قبل عقد الانتخابات المقبلة، منوها إلى بعض العراقيل الموجودة فيما يتعلق بالاستفتاء على الدستور ومحاولات عمل البعثة في مناطق شرق وجنوب ليبيا.

من جهة أخرى،أعلن سلامة، أن أعضاء البعثة الأممية عادوا إلى ليبيا وهناك مساع لإعادة فتح مكتب الأمم المتحدة في بنغازي وفي الجنوب الليبي، بعد ان اضطرت البعثة إلى مغادرة البلاد بسبب الأوضاع الأمنية و إدارة أنشطتها من تونس.وأكد أن العمل الميداني من داخل ليبيا هو السبيل الأفضل كي تتمكن الأمم المتحدة من تقديم المساعدة إلى أكبر عدد من الليبيين، فهم هناك من أجل ليبيا بأسرها،حسب قوله.

ورغم إن حدة الصراعات المسلحة قد خفت كثيرا عن ذي قبل‏،إلا أن الأوضاع الأمنية مازالت تنذر بمخاطر كبيرة تتهدد البلاد في ظل إنتشار الجماعات المسلحة.وبين سلامة أن الوضع الأمني يتوازى مع الانهيار السياسي الذي تعانيه البلاد، فالأجسام السياسية لا تكاد تسيطر على مجموعات مسلحة تمارس الخطف والإخفاء القسري الذي طال مواطنين رغم أن أولئك المسلحين يتبعون جهات أمنية لكن الحكومات عاجزة.

ومع تصاعد تحديات الأزمة الليبية في ظل واقع ليبي مُعقد ومتشعب يتصاعد تفاؤل حذر بإمكانية تجاوز العقبات التي تحول دون تكريس التفاهم الذي يقود إلى تسوية شاملة تُنهي المأزق الليبي خلال الفترة القادمة.ويكثف المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة،لقاءاته مع المسؤولين الليبيين،في الفترة الأخيرة أملا في أن تنهي الخطة التي اقترحها تعقيدات الأزمة الليبية.

وكان مبعوث الأمم المتحدة، قد أعلن في 20 سبتمبر الماضي عن خطة العمل من أجل ليبيا،وذلك أمام الاجتماع الدولي رفيع المستوى الذي عُـقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك برئاسة الأمين العام أنطونيو غوتيريس.وترتكز الخطة على ثلاث مراحل رئيسية تتضمن تعديل الاتفاق السياسي مع الاخذ بعين الاعتبار تحفظات الاطراف الذين تم تغييبهم عن حوار الصخيرات، وعقد مؤتمر وطني يهدف لفتح الباب أمام المستبعدين من جولات الحوار السابق، وإجراء استفتاء لاعتماد الدستور، وانتخابات برلمانية ورئاسية.

 وتعول الأطراف الليبية على جهود الأمم التحدة لحل الأزمة في بلد لا يزال رهين الصراعات،ويعيش منذ سنوات حالة فوضى وبلا حكومة مركزية،مع انتشار الجماعات المسلحة وتصاعد اعمال العنف التي لا تتوقف.وتبقى مسألة الحفاظ على المسار السياسي الطريق الوحيد لتحقيق التوافق بين الأطراف الليبية المتنازعة.