تمثل مشاركة المرأة في القتال مع داعش ظاهرة أخرى ملحوظة في التنظيم الجهادي، بما في ذلك القتال في ليبيا. ومع تحليل الأرقام الإجمالية لمشاركة المرأة في القتال مع داعش ، يمكننا أن نتساءل عما إذا كانت هذه السيدات قد انضمت إلى صفوف المقاتلين بإرادتها الخاصة أو ذهبن بصحبة أزواجهن. كما أن أعداد الأطفال المولودين لزوجات المقاتلين الأجانب يمكن أن تكمل المعلومات الناقصة بهذا الخصوص. ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد دليل على انضمام نساء أجانب للجهاد في ليبيا قبل ربيع 2014، في الوقت الذي تصاعدت فيه هذه الظاهرة فيما بعد مع تزايد قوة الدولة الإسلامية في درنة وفي وقت لاحق في سرت. وفي الوقت نفسه، انضم عدد أكبر من الأجنبيات إلى الجماعات الجهادية في سوريا منذ إعلان داعش الخلافة في منتصف 2014.

لذلك، يبدو أن التعبئة في ليبيا كانت تشكل جزءا من اتجاه أوسع، قد تكون رسائل اعلان الخلافة قد ساهمت في تعزيزه، حيث تجاوز الأمر مجرد تجنيد الأفراد للقتال إلى السعي إلى إقامة مجتمع، ودولة لها مقومات البقاء.

أما بالنسبة للأرقام، فتُقدر الباحثة التونسية بدرة قعلول أن هناك 1000 امرأة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، بما في ذلك الليبيات. ومن بين النساء التي أتت من الخارج، كان العدد الأكبر منهن، 300، يأتي من تونس. وفي الوقت نفسه، هناك نساء أخريات من أستراليا وتشاد وبلجيكا ومصر وإريتريا وفرنسا وكينيا والمغرب والنيجر والسنغال والصومال والسودان، سوريا، وبريطانيا.

ويسمح العدد الهائل من التونسيات اللاتي تم تجنيدهن في صفوف تنظيم الدولة بتحديد المناطق التي جاؤوا منها، استنادا إلى الاعتقالات التي تمت لإحباط وصولهن للتنظيم، أو الاعتقالات في سِرت خلال الحملة العسكرية على تنظيم الدولة الإسلامية هناك. ومما لا يدعو للدهشة أن المرأة التونسية، التي تعكس اتجاهاً أوسع لتعبئة المقاتلين التونسيين في الخارج، تأتي من مناطق تونسية متعددة، بما في ذلك المناطق الساحلية مثل أحياء بنزرت وسوسة وصفاقس وتونس، فضلا عن المناطق الداخلية بما فيها الكاف وقفصة وكان آخر هذه المناطق بؤرة للتجنيد الشامل لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا.

ومن أشهر هؤلاء المقاتلات الأجنبيات الشقيقتان غفران ورحمة الشيخاوي، وكلاهما كانتا في أواخر سن المراهقة عند انضمامهما إلى القتال مع داعش. وقد تم تجنيدهما أصلا من حي التضامن الفقير في تونس، إلى الوسط السلفي الجهادي من خلال الخيام الدعوية والمساجد التي تديرها أنصار الشريعة في سوسة، تونس. وبعد سنوات قليلة، في سبتمبر 2014، قررت الشقيقتان الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا. وتقوم غفران حاليا على رعاية طفل صغير لها، في حين تزوجت رحمة من زعيم تنظيم الدولة الإسلامية السابق نور الدين شوشان، والذي قُتل فيما بعد في غارة جوية أمريكية في فبراير عام 2016.

لعبت النساء على الجبهتين الليبية والسورية أدواراً متشابهة: بما في ذلك الزواج والقيام بالواجبات الزوجية، ودعم أزواجهن المجاهدين، وحمل وإنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال، وتربية الجيل القادم من المجاهدين. ويبدو أن هذه المهام وحدها لم تكن مقنعة كثيراً للبعض، وخصوصاً السيدات اللاتي قابلتهم امرأة كينية تدعى فاطمة وهي في طريقها إلى الشمال للانضمام إلى داعش في ليبيا.

 فعلى طول الطريق من نيروبي عبر كمبالا بأوغندا إلى جنوب السودان والسودان، قابلت فاطمة كينيات وإريتريات وصوماليات فُتنت بعضهن بوعود براقة بتحسن أوضاعهن الاقتصادية، وكان عند آخريات رغبة شديدة في في (الجهاد) من منطلق أنه فريضة دينية واجبة.

 وهناك تقارير أن بعض السيدات اللاتي جئن من الغرب، وتحديداً من بريطانيا  مثل أم آسيا، وأم مصعب، وغيرها كانت تشارك في عمل دعاية غير رسمية لداعش لتجنيد عضوات جدد للذهاب إلى الأراضي التي تقع تحت سيطرة الدولة الإسلامية في ليبيا. وكانت أم مصعب قد وصلت إلى هناك في وقت مبكر منذ مايو 2015.

وقد حظيت النساء هناك بفرص مشاركة محدودة، مثل العمل في لواء الخنساء، الذي كان قد أُنشئ من قبل في سوريا وانتقل بعد ذلك إلى ليبيا عندما سافرت أم ريان، وهي امرأة تونسية في أواخر الأربعينات، من الرقة إلى سرت.

 وبعد أن ساعدت على إنشاء لواء الخنساء في الرقة في فبرایر 2014، وصلت أم ریان إلی لیبیا لتیسیر تدریب السيدات التي التحقت بداعش، لیس فقط من أجل المشاركة في دوريات الحسبة (الشرطة الدينية)، بل أيضاً من أجل الانضمام إلى صفوف المقاتلين، حسب زعم بعض التقارير.

 وتقول رحمة الشيخاوي، المقاتلة الأجنبية (القادمة من تونس) والمذكورة آنفا: عند إعداد المقاتلات للمشاركة في العمليات، يتم إخضاعهن لتدريبات على الأسلحة لمدة ثلاثة أسابيع، كما تخضع كثيرات منهن لتدريبات على تنفيذ عمليات انتحارية. ومع ذلك، لا يوجد دليل واحد حتى الآن على أن أي امرأة قد نفذت هجوما انتحاريا تحت مظلة تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا. بينما تبدو احتمالية تدريب السيدات في داعش على الأسلحة أكثر معقولية من التدريب على العمليات الانتحارية.

 ووفقا لمعلومات أدلت بها أم عمر التونسي (زينب)، وهي سيدة جاءت من صفاقس، فإنها قد تلقت تدريبات في منطقة شاطئية بعد وصولها مباشرة إلى ليبيا من خلال شبكة تعمل لحساب الدولة الإسلامية.

 وكجزء من التدريبات التي تلقتها، تعلمت زينب كيف تستخدم الكلاشينكوف، وأشارت إلى أن النساء المشتركات يمكنهن اختيار الأسلحة التي يتم تدريبهن عليها، بما في ذلك الـآر بي جي، والبنادق الآلية والرشاشات. وبالإضافة إلى ذلك، أوضحت أم عمر أن داعش أعطت كل امرأة حزاماً ناسفاً. وبعد المصادقة على إمكانية مشاركة المرأة في القتال حسب عدد 5 أكتوبر 2017، من نشرة النبأ التي تصدرها داعش، فقد أصبح للمرأة الحق في الترقي كمقاتلات وسط محاولات داعش لإعادة إثبات وجودها عسكريا في البلاد.

بخصوص الخلفيات والعوامل التي تدفع الأطفال والنساء  إلى الانتماء إلى التنظيمات القتالية مثل داعش، فيقول الدكتور محمد الزهراوي، الأستاذ في جامعة مراكش إنّها متعددة وكثيرة، لكن يمكن إجمالها في ثلاثة دوافع رئيسية.

 الدافع الأول يرتبط بالعوامل الكلاسيكية التي تغذي التطرف، ويأتي في مقدمتها الوضع الاجتماعي الهش والفقر المدقع الذي تعيشه تلك الفئات، فتشكل هذه العوامل البنية التحتية للاستقطاب وتوسيع دائرة المنتسبين إلى الفكر الجهادي.

والدافع الثاني الروابط والقرابات الأسرية التي تجبر الأطفال والنساء إلى الانضمام إلى هذه الحركات المتطرفة، فاستقطاب العنصر الذكوري يترتب عليه في بعض الحالات انضمام فئات أخرى، سواء الأبناء أو الزوجات، وكلّ من لهم علاقة خاصة بالعنصر الأول.

يتابع أنّ الدافع الثالث يتجسد في ما يصطلح عليه بـجهاد النكاح فـالحركات الجهادية تسعى عبر شبكات متعددة إلى توظيف ونشر بعض التصورات الدينية الخاطئة لاستقطاب النساء ودفعهن لتقديم المتعة للجهاديين، ويجري في هذا الجانب وصف انضمامهن لتلك التيارات بأنّه مباح من الناحية الشرعية ويخدم الإسلام.

لا تلغي هذه الدوافع المتعلقة باضطرابات الهوية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية توافر محفزات أخرى تدفع بالنساء للالتحاق عن وعي بـــداعش، بعيداً عن المؤثرات الضاغطة، أي إنه ثمة إيمان بأفكار التنظيم من قبل العديدات. قام داعش باستخدام بعض النصوص الدينية والشواهد التاريخية لاستقطاب النساء للقتال معه، ويعد الدافع الديني الأخطر في التحفيز النسائي الجهادي، بسبب حمولته السياسية والتوظيف المذهبي المرتبطين بالعنف الدائر في الإقليم.

إن ظاهرة الجهاديات في التنظيمات الإرهابية مسألة مركبة، وأيُّ قراءة علمية جادة عليها أن تأخذ بالاعتبار التحليل المتعدد الجوانب لهذه الظاهرة. لقد كشف تنظيم داعش عن ضعف بعض الأدبيات المعاصرة حول الإسلام الجهادي، فبات لزاماً على المتخصصين في هذا الحقل البناء على الكلاسيكيات والقفز عليها لتشكيل فهم أعمق حول الجذب الجهادي للرجال والنساء معاً.