دفعت أزمة السيولة النقدية التي تجتاح المصارف الليبية منذ عدة شهور، المواطنين في بنغازي الذين أنهكهم الوقوف مطولاً دون فائدة في معظم الأيام أمام أبواب المصارف إلى إيجاد وسائل أخرى للحصول على الأموال، حتى يتمكنوا من تدبير شؤون حياتهم الضرورية كالسلع التموينية. من بين هذه الوسائل بيع البعض لمدخراتهم الشخصية كالذهب وما إليه، أو الاستدانة من المحلات متى سمح لهم أصحابها.

توفيق المكحل الذي يعمل معلماً يقول لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، "بعت جميع مدخراتي كالذهب خلال هذه الأزمة. فقط سيارتي التي أؤجل بيعها كآخر الحلول". وأضاف المكحل، الذي يُعد أحد النازحين عن بيته منذ إطلاق الجيش الليبي حربه ضد الإرهاب، "الأمر الآخر الذي ألجأ إليه هو الإقراض من الأقارب أو الأصدقاء". وعلّل المكحل، أسباب نقص السيولة إلى إغلاق الحقول النفطية لأكثر من سنة بالإضافة إلى السرقات التي قام بها من وصفهم بـ"الحيتان".

كما أن المكحل، أرجع أزمة شُح السيولة النقدية باللوم على السياسيين الذين يديرون شؤون الدولة، حيث يقول، "اللوم على السياسيين والعصابات المسلحة التي تتبعهم في العلن والخفاء". المكحل لم يتوقف عند حد لوم السياسيين أو أزمة الحقول النفطية، بل أرجع الأسباب كذلك إلى الفساد في وزارة الخارجية والسفارات وفي ملف الجرحى، حسب قوله. وبسؤال بوابة أفريقيا الإخبارية، إن كان يلقي باللوم كذلك على عزوف التجار عن إيداع الأموال في المصارف، أجاب المكحل، "لا ألومهم كثيراً بسبب أنهم يجدون صعوبة في سحب الأموال وقت الحاجة". واختتم المكحل حديثه بالقول، "عندما ينتصر الجيش ستتغير الأمور إن شاء الله".

*سياسة التقشف والإقراض

أما الصحفي فاتح مناع؛ فإن أسرته اعتمدت سياسة "التقشف" حتى تدير شؤونها الحياتية. يقول مناع،" في ظل الظروف الراهنة نتبع سياسة التقشف بالاستغناء عن شراء عدة حاجيات إلى حين تحسن الظروف". وأرجع مناع إتباعهم لهذه السياسة إلى أزمة السيولة النقدية التي تعاني منها المصارف. الظروف الصعبة التي يعاني منها محمد الورفلي الموظف في وزارة في التعليم، دفعته إلى اللجوء إلى أصدقائه للحصول على بعض الأموال. يقول الورفلي،" إن الظروف الصعبة دفعتني إلى اقتراض بعض المبالغ من الأصدقاء". وكشف أنه اقترض من أحد أصدقائه مبلغ "200" دينار ومن الثاني "120" دينار ومن الثالث"150" دينار. وأضاف، إن عملية الاقتراض لم تتوقف عند هذا الحد؛ فقد لجأت لفتح حساب "إقراض" لدى صاحب محل مواد غذائية قريب من بيتي". وقال الورفلي، "إن حساب الإقراض في المحل وصل إلى "230" ديناراً. وانتهج الورفلي، سياسة التوزيع في الإقراض حتى لا يرهق كاهل شخص واحد، ولكي يتعايش مع الظروف الصعبة التي يمر بها".

*مصارف مقفلة

وللوقوف على الأوضاع المالية التي تمر بها المصارف، التقت "بوابة أفريقيا الإخبارية" مع خالد العقوري، الذي يتقلد وضيفة رئيس قسم الخزينة في مصرف الصحاري فرع "توكرة". يقول العقوري، "إن نقص السيولة دفع المصرف إلى إقفال أبوابه من يوم 18 ديسمبر الماضي". وأضاف، "حينما توفر لدينا مبلغ مليون دينار قمنا بفتح المصرف أمام العملاء ليوم واحد فقط، وهو الأحد 31 يناير الماضي". وقال العقوري، "إن إدارته حتى تتمكن من إرضاء جميع عملائها، تنتهج سياسية صرف مبلغ "500"دينار عن كل حساب، وبذلك استطعنا خلال ذاك اليوم الصرف لنحو 2000 عميل فقط". ويصل عدد الحسابات العامة والتجارية والجارية في مصرف الصحاري فرع توكرة تصل إلى نحو "21000" حساب، المتحركة منها شهرياً بمرتبات وأرصدة تصل إلى نحو "10500" حساب تقريباً، وفق ما كشف عنه العقوري لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية". العقوري أرجع أزمة نقص السيولة إلى قيام رجال الأعمال بسحب "النقدية" والاحتفاظ بها وعدم إيداعهما مرة أخرى في المصارف كي يجبروا المصارف إلى فتح اعتمادات النقد الأجنبي. وبسؤاله إن كان هذا عزوفاً أجاب العقوري، "هذا ليس عزوفاً، بل هو تصرف مقصود، الهدف منه إجبار المصارف على فتح الاعتمادات".

*انخفاض القدرة الشرائية

استمرار أزمة السيولة أثرت على القدرة الشرائية لدى المواطنين، حيث كشف محمد عبد العزيز الذي يدير سوقاً للمواد الغذائية في بنغازي، أن عملية البيع انخفضت إلى أقل من النصف مقارنة بالشهور الماضية التي سبقت أزمة السيولة النقدية. وقال عبد العزيز، "إن عملية الشراء لدى المواطنين تقتصر على المواد الأساسية فقط". وأضاف،" لدينا في المحل بضائع مكدسة منذ شهور بسبب عزوف المواطنين عن شرائها، كما أن بعض السلع أصبحت في حكم المنتهية صلاحيتها جراء هذا الأمر". ويساهم وجود حكومتين ومصرفين مركزيين إضافة إلى تدني نسبة المبيعات النفطية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في ليبيا.