عندما وصل خليلو دراميه إلى ليبيا ، كان يشبه إلى حد كبير الآلاف من المهاجرين الآخرين من جميع أنحاء أفريقيا، جميعهم يائسين .. ويتحينون عبور البحر للوصول إلى أوروبا، لبدء حياة أفضل.

ولكن في ليبيا، كان السيد دراميه، شأنه شأن العديد من المهاجرين الآخرين من موطنه غامبيا وغيرها من بلدان افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يقفون وسط دوامة المهاجرين وكان هدفا تلقائيا لسوء المعاملة لسبب واحد واضح: لون بشرته المائل إلى السواد.

المهربون الليبيون يطلقون على أمثاله "محروق"، وهي عبارة عرقية يشار بها أحيانا في البلاد إلى ذوي البشرة السوداء. وفي حين أن العديد من المهاجرين الذين يمرون عبر ليبيا على أمل الإبحار إلى إيطاليا يتعرضون للضرب وإساءة المعاملة من قبل المهربين، فإن السيد دراميه يعتقد أن معاملته كانت قاسية بشكل خاص بسبب لون بشرته.

وحتى المسلمين - بمن فيهم الأطفال - رفضوا السماح له بالصلاة جنبا إلى جنب معهم. وقال دراميه، 18 عاما، عبر الهاتف من مخيم للاجئين في إيطاليا: "إنهم يعتقدون أنهم أفضل منا. يقولون إننا خلقنا مختلفين عنهم".

بالنسبة للأفارقة مثل السيد دراميه، هناك القليل من المسارات القانونية للهجرة، لذلك يستخدم عشرات الآلاف المهربين لمساعدتهم على عبور البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا. ومن أجل تسديد الرسوم التي يمكن أن تصل إلى 5000 دولار، فإن العديد من المهاجرين الذين يعبرون الطريق المركزي للبحر يقضون شهورا في العمل في ظل ظروف قاسية و معاملة سيئة في ليبيا، وهي بلد يعاني من انعدام القانون والعنف منذ سقوط معمر القذافي .

هذا العام أكثر من 132 ألف من المهاجرين واللاجئين عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا - كل واحد منهم يواجه مخاطر كبيرة على طول الطريق. وقد غرق أكثر من 2300 شخص أو اعتُبروا في عداد المفقودين بعد انطلاقهم من الساحل الشمالي لليبيا، بينما ينتظر الكثيرون الآخرون في ليبيا رحلة العبور.

وقال تقرير جديد لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) والمنظمة الدولية للهجرة إن بعض المهاجرين هم أكثر عرضة للإساءة والاستغلال من غيرهم. ومن بين أولئك ، وفقا للتقرير، الأطفال والأشخاص الذين يسافرون لوحدهم، والذين لديهم مستويات منخفضة من التعليم، والمهاجرون الذين خاضوا رحلات طويلة.

بيد أن الناس من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هم الأكثر هشاشة من غيرهم، وذلك ببساطة بسبب لون بشرتهم، وفقا للتقرير.

وقال كريستوفر تيدي المتحدث باسم الأمم المتحدة :"إنها حقيقة وحشية ومروعة، لكن الشباب بحاجة الى معرفة المخاطر قبل اتخاذ قرار. خلاصة القول: هذا يثبت مدى أهمية حصول الأطفال المهاجرين واللاجئين على مسارات الهجرة الآمنة والقانونية".

ويعد التقرير واحدا من المحاولات الأولى لاستخدام الحكايات والبحوث الكمية لتوثيق إساءة معاملة المهاجرين على أساس مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك بلد المنشأ. وهو يحلل شهادة حوالي 22 ألف من المهاجرين واللاجئين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط، مع التركيز على أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و 24 عاما.

ويقدم التقرير مثالا على ذلك: مراهق من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يواجه بنسبة 75%، حتى ولو كان لديه تعليم ثانوي ويسافر ضمن مجموعة على طول طريق وسط البحر المتوسط، خطر الاستغلال. وأضاف التقرير ذاته أنه إذا جاء هذا المهاجر من منطقة أخرى، وكان لون بشرته "أخف سوادا"، فإن الخطر سوف ينخفض إلى 38 في المئة.

وتابع التقرير "أن شهادات لا تعد ولا تحصى من المهاجرين الشباب واللاجئين من افريقيا جنوب الصحراء توضح أنهم يعاملون بمزيد من القسوة والاستغلال بسبب لون بشرتهم".

وتوجد منذ زمن طويل توترات بين شمال أفريقيا وأفارقة جنوب الصحراء الكبرى.

وفي العديد من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ترتفع البطالة، مما يدفع الشباب والشابات إلى مغادرة منازلهم باتجاه أوروبا، أملا في العثور على عمل.

وقد أظهرت الإحصاءات الأخيرة أن تدفق المهاجرين إلى أوروبا قد تباطأ، ولكن لا أحد يعرف لماذا. وحذر المحللون من أن الهدوء ليس من المحتمل أن يدوم.

ويقول التقرير إنه في حين أن الصغار معرضون لخطر أكبر من البالغين بغض النظر عن مكان عبورهم للبحر الأبيض المتوسط، فإن الذين يعبرون من ليبيا يكونون في خطر كبير.

في ليبيا، "يعانون من الانفلات الأمني والعنف، وغالبا ما يتم احتجازهم من قبل السلطات الرسمية وغيرها".

وحتى قبل وصول المهاجرين إلى هناك، فإن مسارهم عبر أفريقيا جنوب الصحراء يشمل عادة رحلة غادرة عبر الصحراء في حافلات أو شاحنات ضيقة.

في ليبيا، ظروف العمل والمعيشة قاتمة. وتحدثت النساء عن إجبارهن على العمل كعاهرات لكسب المال لتمويل رحلتهن عبر البحر. ويقول العديد من الرجال إنهم يتعرضون للضرب بل وإطلاق النار من قبل المهربين. وقد احتجز المهربون بعض المهاجرين، مما أجبر هؤلاء على الاتصال بأقاربهم في أوطانهم لكي يدفعوا فدية لتأمين الإفراج عنهم.

وقال شيكو ب. كالون، وهو مهاجر من سيراليون يقيم حاليا في معسكر فى ايطاليا، إن المهربين يطلبون من المهاجرين الذين لديهم بشرة سوداء مزيدا من الأموال للرحلة. وقال إن المهربين يبررون الرسوم الشديدة بدعوى أنهم يواجهون صعوبات أكثر في نقل المهاجرين إلى ليبيا حيث التمييز شائعا.

وذكرالسيد كالون أنه أثناء وجوده في ليبيا، قام المهربون بإخفائه ومجموعة من المهاجرين السود الآخرين بتغطيتهم بأغطية بلاستيكية على متن شاحنة. وحتى مع الغطاء، كان المهربون يشعرون بالقلق الشديد من اكتشاف أمر نقلهم للسود الذين أخذوهم عبر سلسلة من الطرق الالتفافية للوصول إلى طرابلس.

وعند وصوله إلى ليبيا، تمكن السيد كالون وأصدقاؤه من العثور على وظائف بسيطة لدى ليبيين. لكنهم كانوا يتقاضون أقل بسبب لون بشرتهم، كما يَعتقد. وأحيانا لم يتم دفع رواتب لهم على الإطلاق.

ليخلص إلى القول : "لا أعتقد أن هناك أكثر سوءا مثل ليبيا".

 

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة