تتمتع ليبيا بفضل اتساع جغرافيتها ومناخها وموقعها الاستراتيجي، بثروة ثمينة من الآثار والمدن القديمة والمباني التاريخية التي لا تقدر بثمن، لها شهرتها التي تزخر بها كتب الحضارات القديمة. ولكن تلك الثورة تعاني كثيرا من الإهمال في أغلب الفترات، لكن أزمتها تعمقت منذ العام 2011، حيث عانت تلك الآثار إهمالا في الترميم، ولحق بالعديد منها تخريب وتشويه وسرقات بسبب التوتر الأمني وغياب سلطة القانون القادرة على حماية هذا المخزون الهائل والفريد.

تعد ليبيا واحدة من أغنى دول حوض المتوسط بالآثار والتراث الحضاري، حيث فيها خمسة مواقع مسجلة على قائمة التراث العالمي لدى اليونيسكو. ومع تعرض هذه الثروة الثمينة للمخاطر، أولت المنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على التراث الثقافي، أهمية قصوى للحفاظ عليها. وكانت البداية في أغسطس 2011، حين طالبت "اليونسكو"، الأطراف المعنية بالفن والتراث وتجارة الآثار الدولية، بالبحث والكشف عن قطع الآثار التي يمكن أن تكون تعرضت للنهب خلال الأزمة التي تشهدها البلاد.

ودعت منظمة اليونسكو، في بيان، الشعب الليبي ومواطني الدول المجاورة بالعمل على الحفاظ على "التراث العالمي الليبي القيم". كما عرضت بوكوفا مساعدة اليونسكو في تقييم الأضرار التي لحقت بالمواقع الأثرية الليبية، وإعداد خطط عمل للحفاظ عليها "حالما يصبح ذلك ممكنا".

وسارعت منظمة اليونسكو إلى التحرك باتجاه الدفاع عن الآثار في ليبيا، حيث ساهمت بورشات عمل، في العام 2013، في مجال مكافحة سرقة الآثار الليبية، خاصة بعد تزايد حالات السرقة. والتي كان أشهرها سرقة الكنز القوريني الذي يضم مجموعة من قطع العملات الذهبية والفضية والعقيق والقلائد والأقراط والتماثيل البرونزية الصغيرة من المصرف التجاري ببنغازي في مايو 2011.

تحذيرات اليونسكو، تخللتها تحرّكات لحماية الآثار المهدّدة في البلاد، جرى تجسيدها في قيام المنظمة بالتعاون مع مصلحة الآثار في ليبيا و"المعهد العالي للحفاظ والترميم" بتنظيم دورة تدريبية للحفاظ على الممتلكات المنقولة في ليبيا مابين 8 يونيو- 4 يوليو 2013. حيث استمر التدريب الذي عقد في مواقع التراث الشهيرة في لبدة وفيلا سيلين على مدى خمسة أسابيع، وضم 35 من العاملين بالحفاظ والفنيين من مكاتب مصلحة الآثار في مختلف أنحاء البلاد.

تم خلال الدورة التدريبية ترميم بعض القطع الفنية من مجموعة متحف بني وليد، والتي تضررت جراء العنف.  بالإضافة إلى ترميم رسوم جدارية وفسيفسائية مختارة من الموقع الأثري في فيلا سيلين، وكذلك ثلاثة نقوش حجرية من روائع قوس سبتيموس سيفيروس في لبدة والموجودة منذ سنوات في حديقة متحف لبدة.

وفي إبريل 2015، شهدت العاصمة التونسية، اجتماعا بين فريق من مصلحة الآثار الليبية ومكتب اليونسكو في ليبيا وذلك من أجل مناقشة الإجراءات والحلول التي من شأنها تفادي المخاطر والتهديدات للموروث الثقافي في ليبيا. و تناول الاجتماع مُناقشة إجراءات الحماية و تعميمها على المتاحف والمخازن إضافة إلى حماية المواقع المُسجّلة في قائمة التراث العالمي. حضر خبير في مجال الحماية والأمن من اليونسكو ومُمثل عن مركز التراث العالمي وممثل عن منظمة الإيكروم.

وفي ديسمبر 2015، أصدر المجلس الدولي للمتاحف (أيكوم) "قائمة حمراء طارئة"، خاصة بالقطع الأثرية الليبية المهددة بالتدمير أو النهب أو الاتجار غير المشروع حسب ما نشره الموقع الإلكتروني للمجلس، وتهدف فكرة القائمات إلى مساعدة المتخصصين بشؤون الفن والتراث وكذلك قوات الأمن في تحديد هوية القطع الفنية المعرضة للخطر وحمايتها عبر تطبيق التشريعات المعمول بها. ويضم المجلس أكثر من 35 ألف متحف من مختلف بلدان العالم، وهو منظمة دولية غير حكومية مقرها باريس وتعمل مع اليونسكو والمنظمة العالمية للجمارك والشرطة الدولية "إنتربول.

وفي مايو 2016، عقد المركز الدولي لدراسة صون وترمیم الممتلكات الثقافیة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتعلیم والتربیة والثقافة (يونیسكو) ووزارة الثقافة اللیبیة، بقمرت بالعاصمة التونسیة، اجتماعا عالمیا لخبراء دولیین ناقشوا خلاله السبل المثلى لحماية التراث الثقافي اللیبي الذي يتعرض إلى النھب وسوء التصرف والتھريب، كما طرحت للنقاش مسألة صون التراث الثقافي في ليبيا بما في ذلك المواقع الأثرية والمتاحف والتراث الحضاري.

وشارك في الاجتماع الذي حمل عنوان "حماية التراث الثقافي الليبي"، بعض شركاء اليونسكو المؤسسين مثل منظمة الشرطة الجنائيّة الدوليّة ومنظّمة الجمارك الدوليّة ومعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث والبرنامج التشغيلي للتطبيقات الساتلية والمجلس الدولي للمعالم والمواقع والمجلس الدولي للمتاحف والمنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم والبنك الدولي ومؤسسة سميثسونيان ومؤسسة الأمير كلاوس للثقافة والتنمية.

ومنذ الـ24 من يوليو 2016، تم إدارج المواقع الأثرية الليبية الخمسة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي المُهدّد بالخطر. وترجع المنظمة الأممية سبب وضعها المواقع الليبية الخمسة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي المهدّد، إلى عدم الاستقرار الذي يؤثر على البلاد، والخطر الذي تمثّله الجماعات المسلحة وأمراء الحرب على هذه المواقع، بالإضافة إلى عدم تقديم السلطات الليبية معلومات محينة عن وضع المواقع الخمسة.

وفي نوفمبر 2016، أجرت منظمة "أساطير الأولين الدولية"، زيارة إلى مصلحة الآثار الليبية بمقرها بمدينة بنغازي، حيث بحثت سُبل التعاون مع قسم المتاحف بالمصلحة. وهدفت الزيارة، إلى مد جسور التعاون بين المؤسسات والهيئات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني. وأفادت رئيس المنظمة، صبيحة بلال، أن المنظمة تعنى بالحفاظ على المدن القديمة وتنمية وتطوير السياحة والحفاظ على الموروث الثقافي الليبي؛ باعتباره الهوية الوطنية والإنسانية في مراحل تاريخية مختلفة، كما يعد تعريفاً موجزاً لما تركه الأسلاف من معارف وآداب وفنون وعادات وتقاليد ومعتقدات وقيم تعكس النشاط المعرفي للأجداد.

وعلاوة على ذلك، قدمت المنظمات الدولية، مساعدات لحماية التراث الليبي، ففي ديسمبر 2016، أعلنت مصلحة الآثار الليبية عن موافقة لجنة حماية التراث الثقافي باليونسكو وفقاً لاتفاقية لاهاي بشأن حماية التراث الثقافي أثناء النزاع المسلح علي تخصيص 50 ألف دولار لتطبيق الخطة التي اقترحتها مصلحة الآثار بشأن حماية بعض المواقع الأثرية وتنفيذ برامج التوعية حول الأثار.

وفي نوفمبر 2017، أطلقت مصلحة الآثار الليبية مشروع "تدعيم قصر البركة" الواقع بمنطقة الكيش أحد ضواحي مدينة بنغازى، في إطار الحفاظ على الموروث الثقافي الليبي، ويهدف إلى المحافظة على مكونات القصر، وذلك بالتعاون مع المركز الإقليمي العربي لحماية التراث "الإيكروم"، ومؤسسة صندوق الأمير "كلاوس". يعد القصر أكبر المعالم التي تعود إلى العهد العثماني، ويتكوّن من ثلاثة طوابق كانت تشتمل على عنابر للجنود وبيوت للضباط ومكاتب إدارية وسجن ومطابخ ودورات مياه ومخازن وإسطبلات للخيول، إضافة إلى ساحة كبيرة للتدريب.

وأدى ضعف الأجهزة الأمنية وانقسام المؤسسات المعنية بالآثار في البلاد، إلى تفشي جريمة تهريب الآثار في ليبيا إلى حدّ إعلان تجار الآثار عن بضائعهم على شبكة الإنترنت، بل فتحت صفحات متخصصة على شبكات التواصل الاجتماعي علناً. كما وجدت الآثار الليبية طريقها للأسواق العالمية، وبعضها وصل إلى دور المزادات في آسيا وأوروبا.

ودفع ذلك، المسؤولين الليبيين للتنسيق مع المنظمات الدولية بهدف استرجاع ما نهب، ففي مايو 2017، تمكن مكتب الآثار المنهوبة والمهجرة بمصلحة الآثار الليبية من إعداد قائمة أولية تُبين ما نهب وما سرق من متاحف الآثار في ليبيا، وقال مدير المكتب "خالد الهدار"، بأنه سيتم ترجمة القائمة للغة الإنجليزية، وسيتم تعميمها على المنظمات الدولية المختصة بالآثار، منها منظمات "الأيكروم والإنتربول واليونيسكو، وشرطة مكافحة الآثار المسروقة في إيطاليا "كاربينيري".

وتعمل مصلحة الآثار على استعادة الآثار وفق الأنظمة والاتفاقيات الدولية سواء داخل البلاد أو خارجها، وكان وزير الخارجية بالحكومة المؤقتة محمد الدايري، تعهد خلال زيارة إلى مصلحة الآثار، في يناير 2018، بإيلاء موضوع الآثار الليبية المهربة اهتماما خاصا خلال الفترة المقبلة. وأوضح الدايري، وفق بيان للمكتب الإعلامي لمصلحة الآثار الليبية، أنه سيتم تكثيف الاتصالات الدولية للبدء في عمليات استرجاع الآثار الليبية المهربة والمضبوطة في عدد من دول العالم.

وتمتلك ليبيا وفرة من الثراء الأثري، تعود مراحل هامة في تاريخ الحضارة الإنسانية، من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر العثماني. ويواجه علماء الآثار الليبيون الآن مهمة التوعية بالتراث المادي للبلاد، وحمايته في الوقت نفسه من ويلات الحرب وانعدام القانون. ووسط كل ما يحدث من فوضى في البلاد، لا تزال المواقع الأثرية عرضة للتدمير والسرقة والنهب، فيما تتواصل حملات تطوعية تُنظم بين الفترة والأخرى للقيام بأعمال النظافة لتلك المواقع والتحسيس بقيمة هذه الثروة التاريخية.