تكشف الساحة الداخلية الليبية،عن أزمة حادة تتواصل منذ سنوات،يغذيها الصراع بين مختلف الأطراف والقوى السياسية والعسكرية في البلاد،لم ينجح الاتفاق السياسي الذي وقعته الأطراف الليبية في الصخيرات المغربية في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2015،في نزع فتيله في ظل تواصل سياسة التعنت وغياب التوافق بين الفرقاء.

ومع مراوحة الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا لمكانها،واستمرار الفوضي والعجز المتواصل في الوصول الى حلول ناجعة من شأنها اخراج البلاد من دوامة العنف والفوضى وتردي الأضاع المعيشية،تتصاعد التخوفات من إنحدار الأوضاع، وإنزلاقها نحو متاهات كبرى قد تُعقد المأزق الذي يعد مصدر قلق اقليميا ودوليا.

عودة لدول الجوار

 لم يثن تواصل تعنت الفرقاء الليبيين وإستمرار التفكك و الصراعات التى منعت تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي وتجاوز الأوضاع المتردية ،دول الجوار في مساعيها المتواصلة للوصول بليبيا إلى برّ الأمان.حيث تواصل كل من تونس و الجزائر و مصر بتظافر جهودها لعب دور الوسيط في الأزمة الليبية للتوصل إلى حلّ يرضي الجميع.

إلى ذلك،تستضيف الجزائر الأول من مايو المقبل، اجتماعات دول الجوار الليبي في دورة انعقادها الحادية عشر، وذلك في إطار الجهود المبذولة لتسوية الأزمة الليبية.وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أنه من المنتظر أن تحتضن الجزائر الدورة الـ11 لآلية دول الجوار الليبي في شهر مايو المقبل، في إطار الجهود الرامية إلى دعم الحل السياسي من خلال الحوار الليبي-الليبي.

يأتي ذلك في وقت،أكد فيه وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية الجزائري عبد القادر مساهل أنه وجد الرغبة الصادقة لدى كل من التقاهم من الليبيين للحوار والتفاهم.وقال مساهل في المؤتمر الصحفي الذي عقده في ختام زيارته الى ليبيا ، السبت 22 أفريل الجاري، ان "الحوار الليبي – الليبي هو الحل الامثل للازمة الليبية واني وجدت رغبة صادقة لدى كل من التقيتهم في البيضاء وبنغازي ومصراته والزنتان وطرابلس للوصول الى حل من خلال الحوار".وأضاف ان الجزائر ستكون سندا لليبيا في محنتها مثلما كانت ليبيا سندا للجزائر ابان الاستعمار الفرنسي ، كاشفا انه سيقوم بزيارة الى الجنوب الليبي مشيرا الى ان الجنوب جزء من ليبيا وجزء من الحل كذلك.

وكان مساهل انطلق في زيارة الى ليبيا منذ الاربعاء المنقضي في إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها الجزائر قصد التقريب بين مواقف الأشقاء الليبيين من أجل التوصل الى حل سياسي ومستدام للأزمة من خلال الحوار الليبي الشامل والمصالحة الوطنية من شانه الحفاظ على حدة ليبيا وسيادتها.فيما يقوم المبعوث الدولي إلى ليبيا رئيس بعثة الدعم الأممية في ليبيا مارتن كوبلر بزيارة رسمية إلى الجزائر يوم الأربعاء 26 إبريل 2017،لمواصلة المشاورات بين الجزائر والأمم المتحدة".بحسب بيان صادر عن الخارجية الجزائرية.

بين الجزائر وروسيا

وجاءت زيارة الوزير الجزائري لليبيا مباشرة عقب مباحث أمنية روسية جزائرية مشتركة استضفاتها الجزائر الثلاثاء الماضي في إطار المشارات الثنائية بين البلدين في مكافحة الإرهاب.وقد تطرق الاجتماع إلى محاربة الإرهاب في المنطقة خاصة في مالي ودول الساحل وشمال إفريقيا. وقد ترأس "عبدالقادر مساهل" الوفد الجزائري، في حين ترأس "ألكسندر فانديكتوف" ممثل المجلس الوطني للأمن في روسيا، وفد بلاده.

وأعلنت الجزائر وروسيا عن توافق كبير في مواقفهما حول النزاعات والأزمات المنتشرة في المنطقة، خاصة التطورات الأخيرة التي تشهدها ليبيا ومنطقة الساحل.وجاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية عقب اجتماع الدورة الثانية للمشاورات الثنائية الجزائرية الروسية حول مسائل الأمن ومكافحة الإرهاب، حيث تمسك البلدان بحل الأزمة والنزاع في ليبيا عن طريق الحوار والمفاوضات والمصالحة الوطنية دون تدخل أجنبي.كما أكد البيان أن الوفد الروسي أشاد في هذا الصدد بالجهود التي بذلتها الجزائر في ليبيا في سبيل التوصل إلى حل سياسي يتفاوض عليه الليبيون أنفسهم، ويكون مبنياً على الاحترام والسيادة والوحدة الترابية لهذا البلد وتلاحم شعبه.

وسبق أن أكد رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا فائز السراج، أن  موسكو قادة على أداء دور إيجابي لدفع التسوية الليبية من خلال علاقاتها بالأطراف السياسية في ليبيا.وأشار السراج -خلال مباحثات في مارس المنقضي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف- إلى ضرورة العمل مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية بشكل إيجابي، لحل الأزمة في ليبيا.

وساطة ولقاء

على صعيد آخر،استضافت روما ،الجمعة، لقاء جمع المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وعبدالرحمن السويحلي، رئيس مجلس الدولة،وكشف المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب الليبي ، فتحي عبدالكريم المريمي، في تصريح صحفي،أن اللقاء جاء بناء على طلب ووساطة تونسية إيطالية للاستماع إلى وجهة نظر السويحلي، الذي رغب في إيصالها مباشرة إلى عقيلة ، بشأن إيجاد حل للازمة الليبية الراهنة.

وقال المريمي ،إن اجتماع روما ناقش ضرورة العمل على المصالحة الوطنية الشاملة وعودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم والإسراع في حل الأزمات التى يعاني منها المواطن الليبي، والاستمرار في الحوار وتعديل الاتفاق السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية.مؤكدا، أن اللقاء لم يتطرق إلى تحديد أسماء معينة لتولى المناصب، كما أنه لم يتم طلب مناصب أو غيرها.وأضاف، "أن اللقاء لا يعد تنازلاً عن الثوابت التي أعلن عنها في مجلس النواب حول استمرار الحوار وتعديل الاتفاق السياسي".

وحسب المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الأعلي للدولة فأن السويحلي وعقيلة "ناقشا القضايا التي تؤثر في الحياة اليومية للمواطن الليبي ، واتفقا على أن التوصل إلى حلول سلمية ومنصفة للقضايا العالقة سيتطلب لقاءات أخرى ترتكز أساساً على إعلاء مصلحة الوطن والمواطن ، والمصالحة الوطنية ، ووقف نزيف الدم ، وعودة كل النازحين في الداخل والخارج". وثمن الطرفان الدور الذي يلعبه وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو الفانو، والحكومة الإيطالية في إطار دعم تطبيق الاتفاق السياسي الليبي ، والتعديلات التي سيتم الاتفاق عليها.

جدل

وفي تعليقها على اللقاء،أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الانسان بليبيا،الاحد 23 أبريل 2017، عن ترحبيها،معتبرة اللقاء "خطوة ايجابية وجيدة تساهم في الإسراع في إنهاء حالة الانقسام والتشظي الاجتماعي والصراع السياسي" الذي تعيشه ليبيا.وقالت اللجنة، في بيان لها، أن لقاء عقيلة والسويحلي يساهم ايضا في الإسراع في ايجاد حل للأزمة الليبية الراهنة ويدفع في اتجاه الحل السلمي والسياسي للازمة الليبية من خلال الحوار الوطني، معبرة عن ترحيبيها في ذات السياق بما تم بحثه من قضايا وملفات إنسانية ووطنية "جد مهمة" من بينها ملف المصالحة الوطنية الشاملة وعودة النازحين والمهجرين بداخل وخارج البلاد إلى ديارهم والإسراع في حل الأزمات التي يعاني منها المواطن الليبي والاستمرار في الحوار وتعديل الاتفاق السياسي من أجل بلوغ التوافق الوطني علي الاتفاق السياسي الليبي.

وأكدت المنظمة الحقوقية، على ضرورة توسيع مثل هذه اللقاءات والاجتماعات والمشاورات لتشمل كافة الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي والاجتماعي والوطني من أجل الإسراع في تحقيق المصالحة الوطنية والاجتماعية والسياسية الشاملة والوفاق والتوافق الوطني والاجتماعي الشامل فيما بين جميع الإطراف السياسية والمكونات الاجتماعية الليبية، حسب نص البيان.

من جهته،وصف المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر،اللقاء بـ"الخطوة الشجاعة"، وقال كوبلر عبر صفحتة الرسمية بموقع التواصل "تويتر"، "شجعني الإجتماع بين رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة في روما ، خطوة جيدة يبنى عليها في الدفع نحو تنفيذ الاتفاق السياسي".

وفي نفس السياق، ثمّن إمحمد شعيب النائب الأول لرئيس مجلس النواب اللقاء ، مشيرًا إلى أن الخطوة تُعبر عن "شجاعة الطرفين والتحلي بروح المسؤولية الوطنية للعمل معًا من أجل إنقاذ البلاد من التمزق والانقسام".وأشار إلى أن الخطوة، وهي إحدى مخرجات ومقتضيات وثيقة الحوار السياسي، تعكس أن "الواقعية السياسية وتغليب العقل هما الطريق نحو الاستقرار والحفاظ على الوحدة الوطنية"، مطالبًا بضرورة توسيع مثل هذه اللقاءات لتشمل كافة الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الوطني.

وفي المقابل،استنكر عضو مجلس النواب الليبي رئيس كتلة السيادة الوطنية بالمجلس، خليفة صالح الدغاري،اللقاء،قائلا إن كتلتهم " تستهجن وبكل اسف ما قام ويقوم به عقيلة صالح رئيس مجلس النواب متجاوزاً شركاءه بمجلس النواب ودون مراعاة لمشاعر اسر الشهداء الذين سقطوا في الحرب على الارهاب في كافة محاور القتال واولياء الدم واليتامى والأرامل ومبتوري الاطراف والجرحى والذين يمثلون رقما قياسيا في الدائرة التي نمثلها بمجلس النواب وفي بقية ربوع الوطن العزيز الذين لم تراعى تضحياتهم وألأمهم ومعاناتهم والذين أهملوا في ابسط حقوقهم في العلاج والعيش الكريم.

وأضاف الدغاري:"وبهذا فإنني نستنكر جلوس السيد رئيس مجلس النواب مع ما يسمى برئيس مجلس الدولة الغير دستوري والمنقلبين على المسار الديموقراطي والذين يبعثون بالمرتزقة وجرافات الموت الداعمين للإرهاب والجماعات المتطرفة وما يسمى بمجلس شورى ثوار بنغازي والى كافة الفصائل الخارجة عن القانون في كافة ربوع الوطن فقد تحول الصراع للأسف الشديد الى صراع على تقسيم السلطة بين هذه القيادات مستفيدين من دماء وتضحيات ابناء الجيش الوطني او من المغرر بهم فيما يسمى مجالس الثوار في حرب الصراع على النفوذ".

ورغم توقيع اتفاق الصخيرات برعاية أممية ودعم دولي، انبثقت حكومة الوفاق التي باشرت مهام عملها من طرابلس أواخر مارس الماضي، إلا أن الصراع لا زال محتدما بين الفرقاء الليبيين في ظل حالة من الانقسام السياسي والتوتر العسكري.ويمثل الملف الليبي،مصدر قلق اقليميا ودوليا وهو ما يجعله يلقي اهتماما واسعا وتحركات دبلوماسية عديدة تسهل الوصول إلى تسوية شاملة.