إن حلا عسكريا ليبياً للحرب الأهلية أصبح يتحول بسرعة إلى خيار وحيد ، ولكن إحداث لجنة حقيقة ومصالحة على طراز لجنة مانديلا ما زالت تعد أيضا أولوية قصوى بعد أي انتصار عسكري.

وقد ساير الغرب سياساته "الملتوية" ، عندما دعت "مجموعة السبعة" في لوكا بإيطاليا الفصائل الليبية المتحاربة إلى ضرورة العمل مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها والمدعومة من قبل الأمم المتحدة والتي تقيم فقط في قاعدة بحرية صغيرة في طرابلس ، ما يسمى بمجلس رئاستها. كما أمرت مجموعة الدول الكبرى ، الليبيين بالعمل معا لتجاوز الأزمة الاقتصادية من خلال الاعتراف بأن البنك المركزي الليبي يحتاج إلى التعاون فقط مع حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي .. لكن هذه الدول بعيدة جدا عن القضايا الحقيقية على الأرض في ليبيا. ولغتها لا تخلو تقريبا من مصطلحات استعمارية.

ولا يزال التدخل الدولي الآخر مستمرا في ليبيا. وفي الآونة الأخيرة أيضا كان رئيس حكومة الوفاق ومجلس الرئاسة فايز سراج في ألمانيا للقاء رئيس القيادة الأمريكية في افريقيا (أفريكوم) الجنرال توماس والدوسر.

وقد أثبتت جهود الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في السنوات الماضية أنها مضيعة للوقت. السراج غير منتخب من قبل الليبيين ومختار من أجانب. وهذا لن يحقق تقدما لمستقبل ليبيا.

الذكرى السنوية الأولى لحكومة الوفاق التي أعدتها الأمم المتحدة برئاسة السراج كانت في 30 مارس. ولكن حكومة الوفاق لا تعمل. ولتعقيد عجز حكومة الوفاق عن الحكم، ظهرت حالة طوارئ حادة في الأيام الأخيرة بسبب مزيد من المبيعات المباشرة للنفط التي تتجاوز طرابلس والغرب.

وإذا بقيت هذه المسألة دون حل، فقد تنقسم البلاد إلى جزأين أو ثلاثة أجزاء. هناك الآن اقتتال هائل بين شركة النفط الوطنية (نوك) ومجموعة متنوعة من المصالح المتنوعة. وتبقى ردود فعل الغرب على هذه الوقائع محيرة وغير واقعية على الإطلاق.
 
هذه التطورات هي جزء من دينامية جديدة تدخل الحرب الأهلية الليبية. وهناك أيضا عودة اثنين من أبناء القذافي الذين يسعون إلى لجنة حقيقة ومصالحة، على غرار ما حصل في جنوب أفريقيا، من أجل تحقيق الوحدة في البلاد. وبدأت قبائل ليبية معينة في دعم قبيلة القذاذفة، وقد يبدو أن محاولة جديدة سلمية لتوحيد البلاد هي طرد لحكومة الوفاق وميليشيات طرابلس وباقي المتطرفين من الساحة السياسية بشكل لا رجعة فيه. وهذا أصبح مقترحا واقعيا.

ولهذه السبب يجب معالجة المصالحة الوطنية ، العملية التي ساعدت جنوب افريقيا على توحيد البلاد بعد عقود من الفصل العنصري.

خليفة حفتر قريب من أعيان قبيلة ورفلة التي تقدم له دعمها في الحرب ضد الإرهاب. قبيلة ورفلة هي الأكبر في ليبيا وتقع في منطقة بني وليد وسرت. تأتي قبيلة ورشفانة في المرتبة الثانية وتقع في جنوب غرب طرابلس. كلا القبيلتين من غرب ليبيا وكلاهما ضد المتطرفين وتتعاطفان مع القذاذفة.
الأهم من ذلك، تعتقد القبيلتان أن القذاذفة يمكنهم التوصل إلى تسوية مع الأطراف الليبية لتجاوز الجرائم التي ارتكبت قبل وبعد ثورة عام 2011.

وبالفعل، يمكن رؤية دليل على هذا الاتجاه. فقد أفرجت السلطات الليبية مؤخرا عن بعض رموز عهد القذافي.

وفي حين تسلط الأضواء على سيف، الذي مازال يُعتقد أنه يعاني من إصابات بدنية ونفسية أصيب بها خلال القبض عليه، تتحول شقيقته عائشة القذافي بسرعة إلى أهم أفراد الأسرة. وباتت تستأثر بقدر كبير من الاهتمام وقد تكون مؤثرة جدا في المستقبل.

عائشة هي ليبية عملية ومعقولة وتتمتع بفطنة سياسية وذكاء وفكر حادين. ولديها شخصية دينامية وهي الأكثر تعليما ضمن أبناء العقيد. وهناك اعتقاد بأن هناك حاجة لعودتها إلى الساحة السياسية. ولا أحد يعرف حتى الآن ما إذا كانت تريد هي ذلك.

ولكن انتصار محكمة العدل الأوروبية لعائشة ضد العقوبات التي يرعاها مجلس الأمن الدولي، قد يكون أول مؤشر في هذا الاتجاه. كما تم رفع الحظر عن سفرها. إنجاز كبير. جنبا إلى جنب مع شقيقها، عندما يستعيد لياقته بنسبة 100 في المائة، يمكنهما بدء العمل مع جميع الليبيين لإنقاذ البلاد من محنتها المروعة.

هذه "المقاربة المقترنة" - أبناء القذافي والقبائل - هي الحل الممكن للحرب الأهلية في ليبيا. حفتر يعترف بقيم القبائل وهو يستخدم الآن كل ما لديه من أجل توطيد وتوحيد جميع الليبيين مع الاستمرار في محاربة الإرهابيين.

وقد أنشئت لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا للمساعدة في التعامل مع الأمور الفظيعة التي حدثت في ظل الفصل العنصري، وهي أسوأ بكثير من الحالة الليبية. وأدت بقايا النزاع خلال فترة ما بعد الفصل العنصري إلى استمرار بعض الانتهاكات المحدودة للعنف وانتهاكات حقوق الإنسان من جميع الأطراف، ولكن لم يفلت أي جزء من المجتمع من الانكشاف أو العقاب.

إن ليبيا تعاني من نظام تدخل دولي خارجي في صياغة قرار ليبي بشأن مستقبل البلاد. التفكير الذاتي الداخلي هو جزء مهم من المصالحة، ويُعتقد أن مساعدة القذادفة سوف تُمكِّن من "التطهير" - بمفهومه في علم النفس- لبناء مستقبل ليبي جديد.

 وبطبيعة الحال، ليست ليبيا جنوب أفريقيا، والقضايا مختلفة تماما، ولكن عملية المصالحة والصفح في حد ذاتها هي ما يوفر الأرضية لانطلاقة قبائل ليبيا الحديثة اليوم.

إن المشاركة الروسية مع مصر ضرورية. كما يجب على الدول الإفريقية أن تتحد لمساعدة ليبيا في هذه العملية، وليس الولايات المتحدة أو أفريكوم أو الناتو أو الأمم المتحدة أو حتى الاتحاد الأوروبي. الدولة الوحيدة التي تبدو وكأنها صديق حقيقي لليبيا هي دولة الإمارات العربية المتحدة التي تتمتع أيضا بميزة كونها مناهضة للإخوان المسلمين، وهي طائفة خطيرة لها نفوذ في غرب ليبيا. ولنأمل أخيرا في التوصل إلى حل للمأساة التي تعرضت لها ليبيا خلال السنوات الست الماضية.
 
*بقلم ريتشارد غالوستيان ، مستشار سياسي وأمني بريطاني ، أقام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ ما يقرب من 40 عاما.

** بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة