دعونا لا نجتر الكلمات. الوضع في ليبيا معقد بشكل سريالي ومحفوف بمخاطر كبرى. إن تطلعات الشعب الليبي إلى الديمقراطية وإقامة دولة مدنية حديثة ما تزال بعيدة المنال في المستقبل المنظور. إن البلاد منقسمة بشدة، وممزقة بالصراعات، والفوضى الزاحفة.

حكومات ثلاث تتنافس على السلطة: الحكومة الانتقالية في الشرق، برئاسة الثني، وتدين بالولاء للبرلمان في طبرق؛ وفي الغرب هناك حكومة معترف بها دوليا برئاسة فايز السراج، معروفة باسم حكومة الوفاق الوطني مقرها في طرابلس؛ وحكومة الإنقاذ التي نصبت نفسها من قبل خليفة الغويل، وهي في أحسن الأحوال حكومة ظل، تدّعي الولاء للمؤتمر الوطني العام، المندثر، وللمفتي العام، الشيخ صادق الغرياني، ذي الميول الإسلامية القوية.

إن هذا الوضع الفوضوي أصبح أكثر فوضوية بسبب وجود جهازين تشريعيين متنافسين هما البرلمان المنتخب في طبرق ومجلس الدولة الأعلى في طرابلس. والهيئتان معا يعتبرهما المجتمع الدولي شرعيتين، ويؤيدهما الاتفاق السياسي للصخيرات. بيد أن الاتفاق يرى أن أدوارهما تكمل بعضهما البعض بدل أن تكون تنافسية.

وتزداد حدة الانقسامات التي تعاني منها الفروع التنفيذية والتشريعية للحكومة بسبب المشهد العسكري الفوضوي. قوات الجنرال حفتر في الشرق، الموالية للبرلمان، تدعي أنها القوة الشرعية الوحيدة التي تستحق أن يطلق عليها اسم الجيش الوطني الليبي الحقيقي. هذه القوات، في الواقع، قادت معارك شرسة ضد العناصر المتطرفة في الشرق، وهو مسعى أدى في نهاية المطاف إلى "تحرير" بنغازي.

وبشكل مماثل، فإن قوات "البنيان المرصوص" التي تسيطر عليها مصراتة إلى حد كبير ، في الغرب، والموالية لحكومة الوفاق الوطني، لها ادعاءات مماثلة للشرعية بأنها نواة الجيش الليبي. هذه القوات قادت معركة شجاعة ضد داعش في سرت، استمرت ستة أشهر، وقضت فيها عمليا على عناصر داعش ليس فقط في سرت ولكن في معظم غرب ليبيا.

وقام وفد يمثل "البنيان المرصوص" مؤخرا بزيارة إلى موسكو وعقد محادثات مع كبار المسؤولين الروس. وهذا تطور مثير للاهتمام، نظرا لأن روسيا تعتبر في الغالب حليف الجنرال حفتر.

وبسبب هذه الانقسامات السياسية والعسكرية المريرة، إلى جانب الاقتتال الذي لا يتوقف بين الفصائل العسكرية وجماعات الميليشيات، كما شهدنا مؤخرا في منطقة فزان الجنوبية، تراجع الاقتصاد الليبي وشهد انخفاضا حادا.

لقد آن الأوان لإنقاذ ليبيا. والفشل في ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة ومأساوية على ليبيا وجيرانها

تعرضت صناعة النفط لضربات قاسية، فالناتج المحلي الإجمالي القومي الليبي يقف الآن عند أقل من نصف ما كان عليه قبل بضع سنوات، وانخفضت الاحتياطيات الليبية الكبيرة المذهلة من العملة الأجنبية، وتراجعت قيمة الدينار الليبي بشكل خطير مقابل الدولار واليورو، وسجلت السيولة في البنوك الليبية أدنى مستوياتها على الإطلاق.

ولا شك أن سكان ليبيا الذين يعانون الأمرين، يستحقون الأفضل. ولكن فيما يتحمّل معظم الليبيين هذه الصعوبات بألم، يواصل الزعماء السياسيون والعسكريون والميليشيات مشاجراتهم الشائكة والمختلفة، ويغفلون المصلحة العامة للبلاد. ومن المسلَّم به أن هناك قوى دولية وإقليمية تقوم، بدرجات متفاوتة، باستغلال الوضع الليبي ، وإلهاء الليبيين ضد بعضهم البعض.

ومع ذلك، الليبيون أنفسهم هم من يلامون في التحليل النهائي. لأنه إذا أظهر الليبيون عزما حقيقيا على مساعدة أنفسهم، ووضع خلافاتهم جانبا، وتخليص أنفسهم من الأنانية وأحلام العظمة، بإبقاء المصلحة الوطنية في الأعلى، فإن القوى الإقليمية والدولية سوف تساعدهم لأن جيران ليبيا الأوروبيين والعرب لديهم مصلحة مستحقة في ليبيا موحدة ومستقرة.

في بيانه أمام مجلس الأمن، في 20 أبريل ، تحدث مارتن كوبلر، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، بصراحة وشفافية عن الوضع في ليبيا. وقال إنه بالمقارنة مع التفاؤل الذي أعقب توقيع اتفاقية الصخيرات في ديسمبر 2015، فإنه يرى الآن "إحباطا وخيبة أمل وغضبا في بعض الأحيان وغالبا ما يكون له ما يبرره".

واعترف بأن الجماعات العسكرية تملأ "الفراغ في السلطة" في ليبيا، محذرا من أن التاريخ لم يتسامح مع الفراغ. غير أنه أكد من جديد اعتقاده بأن الاتفاق السياسي الليبي هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق ، وإن كان مفتوحا للتعديل. لم تكن هناك خطة بديلة في رأيه. وأضاف أن جميع أصحاب المصلحة المهمين ملتزمون بالاتفاق السياسي بما في ذلك الجنرال حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح.

وعلى الرغم من أنني أتمنى أن أتمكن من مشاطرة كوبلر قناعته بشأن صلاحية الاتفاق السياسي الليبي، فإنني أعتقد أنه كان ينبغي أن يكون شجاعا ليقترح تدبيرا مكملا للاتفاق، وضرورة إجراء انتخابات عامة جديدة في وقت مبكر من هذا الصيف لانتخاب برلمان جديد . ومن الواضح أن البرلمان في طبرق مختل إلى حد كبير ومنقسم إلى حد بعيد.

ويمكن لحكومة السراج أن تستمر في الوقت الحاضر كحكومة تصريف أعمال حتى تحصل على مصادقة البرلمان المنتخب الحديث، أو تدعو إلى تشكيل حكومة جديدة. و ينبغي أن تعبِّد الانتخابات التشريعية الجديدة الطريق أمام انتخابات رئاسية في أوائل عام 2018. كما ينبغي تشكيل لجنة من الخبراء القانونيين لصياغة دستور جديد، يسترشد بدستور عام 1951 التقدمي إلى حد كبير، في صيغته المعدلة.

ويمكن ، بطبيعة الحال، الاعتراض على أن إجراء انتخابات عامة في بلد منقسم بعمق، مع وجود بيئة أمنية هشة، وعدم وجود شرطة أو جيش فعال، قد يكون عملية صعبة للغاية إن لم يكن مستحيلا. وهذا في الواقع قلق مشروع.

بيد أنه إذا ما نصَّ بوضوح قرار من مجلس الأمن ، بشأن هذه الانتخابات تحت البند السابع ، على مراقبة دولية صارمة مع ضمانات من جميع أصحاب المصلحة الليبيين بالالتزام بهذه العملية وإشراف الأمم المتحدة كضامن للسلام والأمن، فإن هذه العملية الديمقراطية ستُكتب لها فرصة عادلة للنجاح.

ومن المهم حشد جهود منظمات المجتمع المدني والسلطات البلدية المحلية وشيوخ القبائل لرفع مستوى الوعي العام بالأهمية الحيوية لهذه الانتخابات في تطور ليبيا نحو الديمقراطية. وعلاوة على ذلك، فإن أي قرار للأمم المتحدة يتخذ في هذا الصدد ينبغي أن يشير بوضوح إلى العقوبات الصارمة والتدابير العقابية التي يتعين اتخاذها ضد أولئك الذين يحاولون بأي حال من الأحوال عرقلة العملية الانتخابية.

وكما قال كوبلر بحق لمجلس الأمن، فقد حان الوقت لكي يتحرك المجتمع الدولي من "الاحتواء" إلى "الانخراط" تجاه ليبيا. والواقع أن هناك مسؤولية أخلاقية للمجتمع الدولي للقيام بذلك. تدخل الناتو في ليبيا بموجب تفويض من الأمم المتحدة ليضع حدا للنظام السابق. ولذلك، من غير المقبول ترك ليبيا لمصيرها في هذا المنعطف الحاسم من تاريخها.

لقد آن الأوان لإنقاذ ليبيا. وسيؤدي التقاعس عن ذلك إلى عواقب وخيمة ومأساوية على ليبيا وجيرانها. إذا لم يتم التوصل إلى حل ، بحلول هذا الصيف، قد يكون بالفعل "صيفا ليبيا من السخط" يرسل موجات في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط.

*سعدون السويح ، سفير ليبي سابق لدى مالطا

**بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة