عندما تقدم لبنان في شهر مارس 2011 باقتراح فرض حضر جوي على ليبيا إلى مجلس الأمن نيابة عن الجامعة العربية، بحجة حماية المدنيين كان الجميع على علم بأنه قرار مُملى على غير الإرادة العربية. لبنان كان وقتها الممثل العربي لتلك الدورة الأممية وكان مدفوعا ببروباغاندا إعلامية رهيبة تشيطن النظام وتستعمل كل الأساليب لتشويهه. كان لبنان أمام أمر واقع فُرض عليه لتقديم مقترح لم يشر إلى تدخل عسكري في ليبيا صراحة لكن تم تضمينه في ثنايا الكلام، وهو ما خلف جدلا بين مختلف الأطراف الدولية حول سبل معالجة الأزمة، والخوف من تدخل عسكري يزيد من تعميق الأزمة الأمر الذي حصل في مرحلة لاحقة.

في الليلة الفاصلة بين 17 و18 مارس 2011، كان العالم أمام قرار أممي حول شأن ليبيا بعنوان القرار الأممي 1973، عبر نقاط مرتبة وملغمة باعتباره حمل تفصيلات ضبابية تحمل الموقف ونقيضه حول التدخّل العسكري المباشر في صورة تطلب الأمر ذلك. في الواقع القرار كان ينتظر مسار الأحداث على الأرض قبل أي تفكير في وضع المدنيين وغيرهم لأن هدف القوى الغربية والإقليمية في ذلك الوقت هو الإطاحة بالعقيد معمّر القذافي بأي طريقة كانت، لهذا هاج المجتمع الدولي بمجرّد استعادة الجيش الليبي وقتها لتوازنه في المناطق التي تمت السيطرة عليها من طرف "الثوار". لهذا جاء قرار الحصار الجوي لضرب النصر المعنوي والميداني للجيش وفتح المجال أمام مسلحي "الثورة" المدعومين بالمال والسلاح للتقدّم على الأرض وهو ما تم بالفعل، وهناك بدأت المعادلة تتغيّر والنظام بدأ يضعف تدريجيا بسبب اختلاف الموازين.

القرار الأممي 1973 كان تحولا فعليا في سيرورة الأحداث على الأرض الليبية، لكنه كان أيضا تحولا فعليا في المواقف الدولية والإقليمية منه بعد ظهور دول رافضة له باعتباره تمهيدا لاحتلال ليبيا، لكن بنوع من التحيل على القانون الدولي وتحت شرعية عربية كانت السبب الأول والمباشر فيما حصل. قبل التصويت على القرار عرف مجلس الأمن عدة حوارات بين شقين قويين فيه، شق أول تقوده الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وهو الشق المؤيّد مسنودا بدول عربية خليجية دخلت بكل قوة في الأزمة الليبية وعبّرت عن استعدادها لأي قرار أممي ضد القذافي وهي أساسا قطر الذي ستكون في مرحلة لاحقة من الأحداث صاحبة الصوت الأقوى عربيا من خلال وسائل إعلامها وتمويلاتها للمسلحين على الأرض وأساسا المتطرفين منهم.

أما الشق الثاني فهو روسيا والصين اللتين كانتا متحفظتين ظاهريا على القرار ورافضتان له واقعيا لكن تلك الظرفية وتصوير الأمر على أنه جرائم للقذافي جعلهما تختاران التحفظ وهو خطأ اكتشفتاه بعد ذلك. بالنسبة إلى روسيا فقد أشارت بعض التقارير إلى أنها عقدت اجتماعات في أروقة المجلس لثني بعض المصوتين على الموافقة لسببين؛ أحدهما أن الصورة بالنسبة إليها غير واضحة من الأزمة ولا تريد توريط نفسها في قرار غير راضية على بعض نقاطه، أما الثاني فهو الضمانات التي كانت تنتظرها روسيا، باعتبارها بمنطق البراغماتية السياسية تريد نصيبها من الكعكة الليبية قياسا بالقوى الفاعلة الأخرى وأساسا فرنسا وقطر اللتين فكرتا في ليبيا كغنيمة مغرية ستنالان منها نصيبها بعد أن تضع الحرب أوزارها.

الصين، تضاف إليها ألمانيا، بدورهما تحفظتا بسبب نقطة التدخل العسكري الغامضة وهو ما كانت ترفضه الدولتان قطعيا لما يمكن أن يسببه من فوضى وضرر للمدنيين، بالإضافة إلى أنهما دولتان تتعاملان بحذر في علاقة بعدد من قضايا المنطقة باعتبارهما تستحضران ما وقع في العراق وتدخل التحالف الذي تسبب في مئات الألاف من الضحايا دون أن تكون لذلك أي نتيجة على الأرض وفق ما خطط المتدخلون.

بالعودة إلى تسلسل الأحداث يمكن فهم الخلاف الذي حصل داخل مجلس الأمن في علاقة بالتصويت، فخلال اجتماع للجامعة العربية يوم 12 مارس في القاهرة لم يكن هناك إجماع على القرار، تونس ومصر والجزائر لم تكن متحمسة لتدخل أجنبي على خط الأزمة الليبية وكانت تفضل أن يتم حل الإشكال داخليا، وهذا مفهوم بالنسبة إلى تونس ومصر لأن أي تأزم للأوضاع سيعقد حتى الحالة لديهما نظرا لوجودهما في تماس حدودي مباشر مع ليبيا. الجزائر بدورها ليست بعيدة عن موقف تونس ومصر لكن بأكثر قوة ووضوح لسببين رئيسيين؛ الأول أن علاقتها بالعقيد معمّر القذافي طيبة ولا تريد أن تورط نفسها في سقطة أخلاقية عكس ما قامت به قطر  والثاني أن الواقع الداخلي في الجزائر مهيأ للاضطراب لهذا في صالحها أن تهدأ الأوضاع على جبهتها الجنوبية والشرقية وهو غير مضمون في صورة وقوع أي تدخل خارجي. لكن الحسم وقع بالموقف الخليجي الذي ساعد ضغطا وإغراء نحو الذهاب بالقرار إلى مجلس الأمن وهو ما نجح فيه، يوم 14 مارس بطلب جلسة عاجلة لمجلس الأمن لطرح ما توصلت إليه الجامعة العربية حول ليبيا.

مظاهر الخلاف كانت واضحة حتى داخل مجلس الأمن الذي استبق يوم التصويت بجولتي حوار؛ أولى يوم 15 مارس لم تفض لأي تطور وثانية يوم 16 مارس شهدت خلافات بين المتحاورين ما يعني وجود رفض له. لكن يوم 17 مارس كان حاسما بوجود وزير الخارجية الفرنسي وقتها "آلان جوبي" الذي زار نيويورك بهدف إقناع الأطراف الرافضة أو المتحفظة بالتصويت وهو ما نجح فيه إلى حد ما خاصة مع الدول الأقل نفوذا في المجلس.

الأمر المؤكد أن القوى الغربية ما كانت تنتظر قرارا أمميا للتدخل في ليبيا العام 2011 فهي قد وضعت لها هدفا رئيسيا هو إسقاط النظام مهما كانت الطرق المستعملة. القذافي بالنسبة إليها كان مصدر إزعاج والفرص التي تتوفر لها لإسقاطه ليست كثيرة، ولحظة 2011 كانت من بينها. لكن القرار 1973 قدّم لها الشرعية أولا، لفرض الحضر الجوي على ليبيا، ثم ليكون سببا في تدخل عسكري يعتبر الخطوة الأولى في طريق إسقاط النظام بعيدا عن وهم "الثورة" الذي اغتر به كثيرون داخل ليبيا وخارجها.