قال د. سليمان سالم الشحومي مؤسس سوق المال الليبي إن « أسعار صرف الدينار امام الدولار بالسوق السوداء قفزت مرة اخري وتجاوزت التسعة دنانير للكاش ، الموقف يزداد صعوبة ، والسبب في حدوث هذه القفزة في الواقع يستند لعدة أسباب . أولها حالة الارتباك التي تشهدها عمليات الاعتمادات المستندية بسبب شبهات الفساد واحتمال توقفها او تعطلها ، ثانيا استمرار الانقسام بالمصرف المركزي وتزايده خصوصا مع قيام ادارة البنك المركزي في البيضاء بصك عملة نقدية جديدة بدون المرور بالترتيبات القانونية من المركزي الرئيسي للبنك المركزي ومقر عملياته الرسمية وفقا للقانون ، ثالثا تفجر الموقف بين حكومة الوفاق والبنك المركزي طرابلس بسبب رفض البنك المركزي طرابلس الموافقة الفورية واشتراطه موافقة البرلمان وربما المجلس الاعلي للدولة المسبقة علي الخطة وهو امر يؤشر بوضوح علي عدم قرب عملية تعديل سعر الصرف المنتظرة من المراقبين والمتابعين محليا ودوليا. اما السبب الرابع فهو العنصر الغير مباشر والذي يتركز في الحالة السياسية العامة و تضاؤل الامل بقرب عقد تسوية سياسية للحالة الليبية وعودة العمل بمؤسسات موحدة يبدو ان كل هذه العوامل قد انعكست بشكل او باخر في التأثير علي سعر الصرف والذي اصبح برغم الجميع يسيطر علي شكل وأداء الاقتصاد الليبي الضعيف والهش »

وفي تدوينة له على صفحته الخاصة بموقع التواصل الإجتماعي :

ما أودّ طرحه في هذا المقال هو سيناريوهات المُحتملة لهذا الوضع المرتبك : 

السيناريو الاول : استمرار الوضع السياسي المنقسم ، وعدم الاتفاق علي برنامج الإصلاح الاقتصادي بين حكومة الوفاق والبنك المركزي .

في هذه الحالة سوف نري استمرار لحالة العمل كجزر منعزلة وحتما سنري البنك المركزي يقدم مشروع ميزانية للنقد الأجنبي جديدة للعام القادم ترسم شكل وحجم التحويلات بالنقد الأجنبي عبر الاعتمادات المستندية وتحويلات حكومية للسفارات والتوريدات الحكومية وايضاً للتحويلات الشخصية بتشجيع من تحسن عملية الانتاج النفطي وأسعارها العالمية . وقد لا يتم اعتماد ميزانية جديدة للدولة سريعا كما حدث في العام الماضي . ربما سيكون في ظل هذا السيناريو ان نري تعديلات علي شكل ومحتوي ميزانية النقد الأجنبي وخصوصا تبويب الأصناف وقيمة البنود المخصصة وإضافة بنود جديدة لعل أهمها المتعلقة بالإعمار والبناء ، كما ان نصيب الفرد يحتاج الي اعادة تقييم وتعديل من حيث النوع وقيم الحولات الشخصية للاغراض المختلفة.

لاشك ان هذا السيناريو وارد ان يكون هو الابرز في ظل الحالة المتعثرة سياسيا ، ولكنه ومن واقع التجربة لتطبيق الموازنة الاستيرادية لهذا العام شابها بدون أدني شك فساد في كافة مفاصل عملية التوريدات . كما انه لم ينجح في فك طلاسم ازمة السيولة الخانقة بالقطاع المصرفي ، والسبب انها كانت اداة منفردة في ظل قطاع مصرفي منقسم وغير مسيطر علي عملياته فنيا وتنظيميا . بالاضافة الي ان هذا السيناريو سيصطدم بتفاقم العجز الحكومي المتراكم والذي يحتاج الي معالجة قانونية وفنية .

وسيحتاج استمرار هذا السيناريو هذه المرة الي تشغيل محرك الائتمان المتوقف منذ فترة طويلة ، ولعل سبل اعادة إطلاق وتدوير الائتمان تحتاج الي جهد وتنظيم لا أدواته في المدي القصير والطويل ومجالاته والأدوار التي تلعبها المؤسسات الاقتصادية من قبل البنك المركزي ، ولعل إطلاق شهادات الادخار النقدية للأفراد والقطاع الخاص وشهادات الاستثمار للمؤسسات والبنوك امر في غاية الأهمية ولكنه في حاجة الي تنظيم اداري وفني . وفِي تقديري ان اعادة إطلاق وتحفيز الائتمان والاستثمار سيكون عاملا مهما لعودة البنوك لعملها الاساسي والطبيعي وهو خلق الائتمان والذي سيسهم في عودة تدفق السيولة. 

السيناريو الثاني : الاتفاق علي برنامج الإصلاح الاقتصادي بين الحكومة والبنك المركزي علي الأقل في اهم وابرز بنوده وهو تعديل سعر الصرف وظبط الانفاق العام والغاء الدعم او استبداله.

يبدو هذا السيناريو يواجه صعوبات التطبيق في ظل ما نتج عن اجتماع الحوار الاقتصادي بتونس في بداية هذا الشهر ، مع انه كان الابرز والأسهل للتطبيق . وبرغم اعتقادي الراسخ ان هناك اجزاء من برنامج الحكومة المقدم يحتوي في كثير من بنوده علي توصيات لا ترقي الي مستوي إجراءات تنفيذية لبرنامج الإصلاح وخصوصا ان البرنامج يستهدف التطبيق خلال سنة واحدة وبالتالي يجب ان يكون البرنامج دقيق ومحدد الإجراءات وبدون استخدام عبارات فضفاضة ، كما ان البرنامج أغفل طرح إجراءات محددة لتعديل الدخول الحقيقية للمواطنين محدودي الدخل لمجابهة مستويات الأسعار المترتبة علي رفع الدعم عن الوقود والكهرباء وغيرها. ومع ذلك يبقي البرنامج في إطاره العام مناسب اذا ما كتب له الظهور الي حيّز الوجود ، وتطبيق هذا البرنامج سيقودنا مباشرة لتعديل سعر الصرف و تطبيق آليات جديدة ستسهم في حلحلة ازمة السيولة والقضاء علي الفساد في الاعتمادات وتهريب الوقود ، ودون اغفال إطلاق محرك الائتمان المصرفي ليعيد تنظيم دور القطاع المصرفي.

السيناريو الثالث : يرتكز علي الوصول سريعاالي اتفاق سياسي يجمع ويوحد المؤسسات ويقيم حكومة وحدة وطنية.

هذا السيناريو يبدو انه الافضل اذا ما رأي النور، فسيكون تاثيره حاسما علي مستوي الاقتصاد الليبي. سيعيد تشكيل ادارات المؤسسات و يوحدها وان كانت اغلبها ستستمر تعاني من اثار الأنقسام القاسية وخصوصا ارتفاع فاتورة الدين العام و تسوية الالتزامات السابقة وتضخم الكادر الوظيفي للمؤسسات والهيئات والمصالح العامة. ولكن هذا السيناريو سيفتح الباب لتبني برنامج طموح للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الشامل في إطار رؤية اكثر وضوحا لمستقبل الاقتصاد الليبي يعزز من دور القطاع الخاص ويعيد الثقة للقطاع المصرفي عبر العديد من الادوات النقدية والائتمانية المعروفة، ويعيد رسم وتشكيل العلاقات الاقتصادية بين مختلف أطرافه وسيمكن من اجراء معالجات دقيقة علي مستوي الإطار الكلي للاقتصاد والجزي وسيمكن من اعادة تصويب الإرضاع الصعبة التي يعانيها المواطن والاقتصاد بشكل عام . 

اعتقد جازما ان المرحلة القادمة في غاية الخطورة اذا لم يتم السعي لظبط وتعديل وتحسين الحالة الهشة التي يعيشها الاقتصاد والمواطن الليبي. سيكون لكل من الإجراءات والأدوات الممكن استخدامها جوانب سلبية واخري إيجابية بدون شك ، ويبقي ان يتحلي المسؤليين السياسيين والاقتصاديين بروح عالية من المسؤلية تجاه الوطن والمواطن وتفهم لسبل الخروج من المأزق الحالي اكبر معول لاختيار السيناريو الافضل والأنسب .