بعد مُضيّ شهر على انهيار "داعش" في سرت وسيطرة الجيش اللّيبي عليها، لم تبدأ المدينة بعْدُ في طيّ صفحة الحرب المدمّرة الّتي عاشتها طوال ستّة أشهر، رغم محاولات الشركة العامة لخدمات النظافة، فالإرث ثقيل والإمكانيّات المتاحة ضعيفة والسكّان مازالوا متردّدين في الاستجابة لدعوة السّلطات بإعادة إعمار مسقط رأس العقيد القذافي

ويفسّر أحد الأساتذة بجامعة المدينة الذي رفض نشر اسمه ما يحدث قائلا: "باسم الدين ارتكبت عديد التّجاوزات بالمدينة فخلال سيطرة داعش عليها، تم تنفيذ عديد الإعدامات وهو ما جعل عامل الخوف هو المسيطر على السكّان، الذين باتوا يخشون حتى من الادلاء بالتصريحات لوسائل الاعلام".

الأوضاع في ليبيا، في تقديره، مفتوحة على جميع الاحتمالات بما في ذلك عودة داعش إلى الظّهور في مدن ليبيّة أخرى حيث يقول "ان هناك أخبارا تتحدّث عن معسكرات تدريب لأتباع هذا التّنظيم في ضواحي مدينة بني وليد".

نفس الحيطة ماتزال مسيطرة على عموم السكّان، رغم العودة التّدريجيّة للحياة بالمدينة.  تقول إحدى ساكنات حيّ الجيزة البحريّة بسرت وهو أحد الأماكن الّتي قاسى الجيش اللّيبي الأمرّين لتحريرها من فلول داعش: "السكّان مازالوا خائفين من وجود خلايا نائمة لداعش بالمدينة أو بمحيطها. لذا، فنحن لا نخرج إلاّ للتّزوّد بحاجيّاتِنا الأساسيّة ولا نُغامِرُ بأنفسنا في الأماكن المريبة".

مازال الخوف هو المسيطر على سكّان سرت رغم شروع الشركة العامة لخدمات النظافة في حملة نظافة واسعة، شملت أغلب الأحياء الغربية في المدينة. وذكر مصدر في المكتب الإعلامي بالشركة أن الحملة انطلقت منذ أواخر ديسمبر وشملت أحياء الزعفران، الـبالغة 700 وحدة سكنية، وعددا من المؤسسات الخدمية كالفنادق والمراكز الصحية والمؤسسات التعليمية كما امتدت الى باقي الأحياء بالمدينة.

وتابع نفس المصدر، لمراسل أصوات الكثبان في سرت، أن الحملة تشمل كذلك الطرق الرئيسية والفرعية بهذه الأحياء وتتعلق بإزالة السواتر الترابية والخرسانية وبقايا مخلفات الحرب وإعادة تقويم اللافتات الدعائية وإزالة التالف منها. كما تهدف إلى تعشيب عدد من جزر الدوران في مداخل المدينة الشرقية والغربية والجنوبية وغرس الورود والأزهار بها، ومن ضمنها جزيرة الزعفران والتي اتخذتها عناصر تنظيم «داعش» أثناء سيطرته على المدينة مكانًا لقتل العديد من شباب مدينة سرت بعد التنكيل بهم.

وفي سياق المجهوداتِ الرّامية لإعادة إعمار المدينة، قال مدير مكتب المياه بسرت بأنّ فنيي الصيانة بالشركة قاموا "بصيانة وإصلاح الأعطاب التي طرأت على خطوط المياه بالأحياء رقم 2 ورقم 3 التي تعرضت لأضرار بالغة خلال الحرب، أدت الى حصول تسربات في خطوط الشبكة، والى معالجة قنوات الصرف الصحي، خاصة مع هطول الأمطار الغزيرة".

وتلاقي هذه الأعمال استحسانا من المواطنين الذين عبروا عن سعادتهم بعودة الخدمات الى المدينة. يقول شيخ سبعيني، أصيل سرت :"جيّد أن تقوم شركات الخدمات بمجهودات لإعادة إعمار المدينة فهذا ضروري ولكنّ خوف السكّان على حياتهم له مبرّراته. فمن عاش تلك الأيّام الحالكة، لا يمكن له أن يتجاوز بسهولة".

كلمات تلخّص معاناة أهالي سرت وتؤكّد أنّ طريق السلم الأهليّة مازالت طويلة في ليبيا.