تمنع الجماعات المسلحة والسلطات المدنية في مدينة مصراتة الساحلية الليبية الآلاف من سكان تاورغاء من العودة إلى مسقط رأسهم بعد سبع سنوات من النزوح القسري. وقد توفي رجلان في أعقاب الهجمات منذ 1 فبراير / شباط 2018، في ظل تدهور ظروف الأسر التي تقطعت بها السبل في مخيمات صحراوية مؤقتة تفتقر إلى المرافق الصحية الكافية.

وينبغي على مدعي المحكمة الجنائية الدولية (ICC) فاتو بنسودا التحقيق بشأن المتورطين في جرائم ضد الإنسانية بحق أهالي تاورغاء، كجزء من جهودها المستمرة لمعالجة الانتهاكات المستمرة الخطيرة في ليبيا.

"إن قرار ميليشيات وسلطات مصراتة منع 40،000 مهجر من العودة إلى منازلهم بعد سبع سنوات من العيش في ظروف بائسة ، لأمر قاس وانتقامي"، كما قالت سارة ليا ويستون، مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش. وأضافت: "يجب أن تتحرك السلطات في طرابلس لضمان أن يعود الأهالي إلى تاورغاء بسلام وأن تساعدهم على إعادة بناء حياتهم".

وفي 1 فبراير / شباط، منعت قوات مصراتة آلاف الناس من تاورغاء من العودة إلى بلدتهم. وجاء جهد العودة ، بعد قرار طال انتظاره من حكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة بالبدء في مسلسل العودة ، بناء على اتفاق أبرمته الأمم المتحدة بين ممثلين لمصراتة وتاورغاء نص على المصالحة بين الجانبين وتعويض الضحايا من الطرفين.

قامت ميليشيات مصراتة بتشريد ما لا يقل عن 400000 من سكان تاورغاء كعقاب جماعي لدعمهم العقيد معمر القذافي المطاح به، وذلك وسط ادعاءات بارتكاب سكان تاورغاء انتهاكات ضد سكان مصراتة. ومنذ ذلك الحين، تفرق مجتمع تاورغاء في جميع أنحاء البلاد في مخيمات مؤقتة وسكن خاص.

حاول المئات من الأهالي العودة منذ فاتح فبراير . منظمة العفو الدولية تحدثت عبر الهاتف في 2 و12 فبراير مع عماد ارجيحة وهو ناشط ومتحدث باسم مجلس تاورغاء البلدي، أهم هيئة تمثل مرحلي تاورغاء وعمليات إغاثتهم. وقال إنه عندما حاول سكان تاورغاء الوصول إلى قريتهم في 1 فبراير ، أحرقت جماعات مسلحة من مصراتة الإطارات، وضايقت الناس، وأطلقت النار في الهواء لتخويفهم.

وأُجبر نازحو تاورغاء على التراجع من حاجز 14 ومنطقة تعرف باسم طريق النهر الصناعي، في 1 فبراير، ومرة ​​أخرى في الرابع في فبراير. وخلال حادث الرابع من فبراير، جرحت مجموعات مسلحة من مصراتة طيما محمد جبريل، وهي امرأة من تاورغاء، بينما كانت داخل سيارة أحد الأقارب .

 وقال ارجيحة إن العائلات تقطعت بها السبل في مخيمات مؤقتة أقيمت حديثا شرق تاورغاء. في قرارات القاطف، 35 كيلومترا شرق تاورغاء، يقيم ما بين240 و 300 أسرة في خيام قدمتها المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين . وهناك عدد آخر غير معروف من الناس يقيمون مع الأصدقاء أو الأقارب في المدينة القريبة.

وقال إنه في هراوة الواقعة على بعد 280 كيلومترا جنوب شرق تاورغاء، كان عدد غير محدد من العائلات يقيم في 20 إلى 25 خيمة. وكان الناس يقيمون أيضا في مسجد وقاعة تجمع اجتماعي في البلدة، قدمها المجلس البلدي. وفي بني وليد، على بعد 100 كيلومتر جنوب غرب مدينة تاورغاء، انضافت 55 عائلة وصلت حديثا .

وقال ويتسن: "على كل من الأمم المتحدة والسلطات الليبية القيام بأدوار حاسمة ضد المفسدين من مصراتة . بعد قبولها حزمة تعويضات سخية، من المؤسف أن جماعات مصراتة لا تزال تحاول التخريب العنيف لاتفاق تم التفاوض عليه منذ فترة طويلة".

وقال ارجيحة إن عدد الأشخاص في المخيمات قد تأرجح لأن العديد من الأسر عادت إلى طرابلس بسبب أحوال جوية سيئة وسوء الصرف الصحي ونقص الرعاية الصحية وظروف معيشية سيئة. وقال إن رجلين عانيا من السكتات الدماغية وتوفيا في حوادث منفصلة. وأوضح أن الشعالي ابوناب (65 عاما) توفي في الأول من شباط / فبراير في مركز طرابلس الطبي على بعد 245 كيلومترا من المكان الذي يقيم فيه. امحمد أحمد بركة، توفي في بلدة ترهونة في 12 شباط / فبراير بعد إصابته بسكتة دماغية في العاشر من شباط / فبراير.

وفي 13 فبراير / شباط، اندلع حريق في حوالي الساعة العاشرة مساء في إحدى الخيام في قرارات القطيف، بعد أن حاولت العائلات طهي العشاء، وفقا لرجيحة. وأضاف أن الحادث تسبب في إصابة سيدتين من تاورغاء بحروق طفيفة.

 وفي 31 يناير / كانون الثاني أصدر المجلس العسكري في مصراتة وجمعية مصراتة لأسر الشهداء والمفقودين ومجلس شيوخ مصراتة بيانا يعارض "العودة المبكرة" لسكان تاورغاء ويسعى إلى تأجيلها، مدعين أن أجزاء من الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة لم يتم استيفاؤها.

وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع عبد الرحمن الشكشك، رئيس المجلس المحلي في تاورغاء، وقائد المفاوضات باسم تاورغاء. وقال إن بعض الأشخاص في مصراتة يعارضون عودة التاورغييين على الرغم من الاتفاق ، ونقل 25 في المئة من التعويضات التي وعدت بها حكومة الوفاق الوطنية كدفعة أولى للضحايا من الجانبين

وقال شكشاك إن حكومة الوفاق الوطني قدمت أيضا مدفوعات لوزارة الداخلية، ووزارة الحكم المحلي، والقوات الموالية للحكومة في المنطقة الوسطى لتسهيل عملية العودة.

وقد حاول سكان تاورغاء العودة في مناسبات عدة منذ ترحليهم القسري عن مدينتهم من قبل ميليشيات مصراتة، التي تتهمهم بالقتال إلى جانب قوات القذافي خلال نزاع 2011 وارتكاب جرائم في مصراتة. وقامت ميليشيات معظمها من مصراتة بنهب تاورغاء في عام 2011، وحُمِّلت هذه الميليشيات مسؤولية هدم وحرق العديد من المباني في تلك المدينة ، وارتكاب جملة من الانتهاكات ضد تاورغاء، بما في ذلك إطلاق النار على مخيمات النازحين من تاورغاء والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب.

وكان هناك نقص في المساءلة عن الجرائم المرتكبة ضد تاورغاء ، السلطات الليبية لاحقت فقط جرائم منسوبة إلى أهالي تاورغاء، وأدانت معظمهم بعمليات قتل وحيازة غير مشروعة للأسلحة.. ولم تتم مقاضاة أحد بشكل خاص من الميليشيات، بسبب تشريد أهالي تاورغاء أوعن أي انتهاكات خطيرة أخرى ضدهم.

وقد تشكل بعض الانتهاكات المرتكبة جزءا من هجوم واسع النطاق أو منهجي على السكان المدنيين، بما في ذلك التعذيب والاحتجاز التعسفي والتشريد القسري، جرائم ضد الإنسانية. وخلصت لجنة الأمم المتحدة الدولية للتحقيق في ليبيا في تقريرها الصادر في مارس / آذار 2012 إلى أن ميليشيات مصراتة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في ما يتعلق بتاورغاء وأن التدمير المتعمد لتاورغاء "قد تم لجعلها غير صالحة للسكن".

إن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مكلف بالتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبت في ليبيا منذ 15 فبراير / شباط 2011. وقد وجدت أبحاث هيومن رايتس ووتش في ليبيا منذ عام 2011 انتهاكات مستفيضة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والاحتجاز التعسفي لفترة طويلة، والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، والتشريد القسري، والقتل غير المشروع. وفي مواجهة الفظائع المتصاعدة، دعت هيومن رايتس ووتش المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى توسيع نطاق تحقيقاتها على وجه السرعة في الجرائم الخطيرة، بما في ذلك الجرائم المحتملة ضد الإنسانية.

وقالت بنسودة إن الوضع في ليبيا مازال يحظى بالأولية وأنها لن تتردد في إصدار أوامر اعتقال حال حصولها على أدلة. وبالنظر إلى الجرائم الخطيرة في ليبيا والتحديات التي تواجه السلطات، فإن المحكمة الجنائية الدولية تبقى مهمة لإنهاء حالة الإفلات من العقاب في ليبيا. وعلى مجلس الأمن الدولي الذي منح المحكمة الجنائية الدولية تفويضا في عام 2011، أن يضمن تمتع المحكمة بالدعم السياسي والموارد لتنفيذ العدالة بشكل كامل حول أسوأ الجرائم في البلاد.

وقال ويتسن: "يجب على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن تلتزم بالتحقيق مع الأشخاص المتورطين في جرائم خطيرة ضد شعب تاورغاء". "السلطات الليبية ملزمة في نفس الوقت بالسماح للمهجرين بالعودة إلى بيوتهم في أمان ودون مخاوف من التعرض للانتقام".

 

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة