تعاني ليبيا منذ سنوات من فوضي عارمة وانفلات أمني وانتشار للسلاح فضلا عن أزمة سياسية أدت إلي تردى الأوضاع المعيشية وتنامي الجماعات المسلحة،ومع تواصل حالة الانقسام بين الفرقاء،مازال شبح الازمة يخيم على المشهد الليبي،علي الرغم من حدوث بودار انفراج  في وقت يشهد فيه الملف الليبي تحركات ديبلوماسية مكوكية من قبل عدة دول اوروبية وعربية لمحاولة إعادة تحريك المسار السياسي.

ولم يمنع الجمود الذي بات يلف العملية السياسية نتيجة تعثر الحوار الليبي حول تعديلات الاتفاق السياسي، من استئناف الجهود الرامية إلى توحيد المؤسسة العسكرية الليبية وبناء جيش قوي.حيث تتواصل اجتماعات العسكريين الليبيين من الغرب والشرق في مصر من أجل جمع شتات المؤسسة العسكرية، وتوحيد الإدارات وإعداد الهيكل التنظيمي، وتكوين مجلس أو هيئة عسكرية موحدة تضم منتسبي القوات المسلحة كافة بعيدًا عن السياسة ومخرجاتها.

إلى ذلك،تستضيف القاهرة خلال الأيام الجارية اجتماعات توحيد المؤسسة العسكرية الليبية،وسط حديث عن توافق وإمكانية التوقيع على وثيقة الاتفاق برعاية مصرية خلال فترة قريبة.وكان الناطق باسم القوات المسلحة الليبية العميد أحمد المسماري،أعلن في وقت سابق،فى مؤتمر صحفى ببنغازى،أن اجتماعات توحيد المؤسسة العسكرية ستواصل أعمالها في القاهرة، لافتاً إلى أنه جرى الاتفاق على معظم البنود وبانتظار التوقيع على وثيقة الاتفاق برعاية مصرية، فيما يعتبر بأنه تدشين لمرحلة جديدة على مسيرة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية.

وأضاف المسماري،" لقد توصلنا إلى اتفاق على معظم البنود المتعلقة بهيكلة المؤسسة العسكرية وتوحيدها في عموم ليبيا، اتفقنا على الهيكل التنظيمي وتشكيل مجالس الدفاع والأمن القومي والقيادة العامة "،مشيراً إلى قرب التوقيع على وثيقة الاتفاق برعاية مصرية.كما نوه المتحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية،إلى وجود عائق وحيد يتم النقاش حوله،متعلق بالتجاذبات السياسية الجارية،متوقعاً أن يتم إنهاء كافة النقاط المتبقية.

ويعتبر النجاح في توحيد المؤسسة العسكرية ضامنا رئيسيا لنجاح المسار السياسي في البلاد،وهو ما أشارت إليه نادية عمران عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور،في تصريح لوكالة "سبوتنيك"،مؤكدة أن إن توحيد المؤسسة العسكرية سيكون الخطوة الأهم في البدء في توحيد كافة الجبهات والمؤسسات في الدولة الليبية.

وأضافت أن إجراء الاستفتاء أو الانتخابات يستلزم توحيد المؤسسة العسكرية قبلها وإلا سيكون هناك العديد من العراقيل التي تقف أمام عملية إتمام الاستحقاق الدستوري والسياسي خاصة أن المشهد الراهن يستلزم هذه الخطوة.مؤكدة على أن لقاءات القاهرة تمثل خطوة هامة وأن اللقاء الذي سيعقد خلال أيام ربما يحمل نتائج هامة ومبشرة تساهم في السعي نحو تحديد موعد الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية.

وفي سياق متصل،رحب مجلس أعيان ليبيا للمصالحةبقرب التوقيع على اتفاقية توحيد المؤسسة العسكرية الليبية،ونقلت وكالة "سبوتنيك"،عن رئيس المجلس محمد المبشر،قوله إن المجلس يثمن الدور الذي تقوم به القاهرة في الوقت الحالي، وأنهم كانوا أوائل من طالبوا بضرورة توحيد المؤسسة العسكرية لما لها من انعكاسات في الوقت الراهن، وأكد أنه حال نجاح مهمة القاهرة في إتمام المصالحة سيكون بمثابة إنجاز نصف الشوط في مسيرة توحيد المؤسسات الليبية واستكمال الاستحقاقات كافة، بما في ذلك الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية أيضاً.

وكانت السلطات المصرية قد رعت في القاهرة اعتباراً من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أربعة اجتماعات موسعة لعدد من الضباط الليبيين؛ بهدف توحيد الجيش الوطني، علماً بأن اللجنة المصرية المعنية بليبيا، التي يترأسها اللواء محمد الكشكي، مساعد وزير الدفاع المصري، قد طالبت نهاية العام الماضي الأطراف كافة بدعم توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، إضافة إلى عملية إعادة هيكلة وتنظيم المؤسسة العسكرية.

وتعمل مصر على تعزيز تشكيل جيش ليبي قادر على استعادة تماسك ليبيا من الداخل وحماية حدودها والتصدي لمحاولات التسلل التي تقوم بها العناصر الإرهابية على الحدود، كما أنها تحاول التصدي لعمليات تهريب الأسلحة والذخائر إلى الأراضي المصرية، وعلى مدار السنوات الماضية تمكن الجيش المصري من احباط محاولات تسلل إرهابين وافشال عمليات تهريب أسلحة مخدرات، وأعلن الجيش، الخميس الماضي، إحباط محاولة تسلل مسلحين عبر الحدود مع ليبيا، وذلك بالتزامن مع العملية العسكرية الواسعة التي تشنها قوات الأمن المصرية في سيناء منذ الاسبوع الماضي.

ويأتي الحديث عن توحيد المؤسسة العسكرية في وقت مازالت فيه الخلافات السياسية تلقي بظلالها على البلاد،وقالت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة: "إنَّ الحل السياسي في ليبيا لا يزال بعيد المنال في المستقبل القريب"، رغم جهود منظمة الأمم المتحدة والجهود الدولية للتوصل إلى تسوية سياسية، حسب مقال نشرته مؤخرا صحيفة واشنطن بوست.

وامتد تأثير الفوضى وانعدام الأمن في ليبيا ليشمل دول الجوار خاصة مصر وتونس والجزائر،التي تعاني انتقال مقاتلي تنظيم "داعش" عبر الحدود، وتنفيذهم لعمليات انتحارية، وإرهابية تسببت في خلق حالة من عدم الارتياح في منطقة شمال أفريقيا.كما أحدثت الأزمة الليبية بلبلة في العديد من الدول الأوروبية لاسيّما إيطاليا؛ حيث باتت ملاذًا للمهاجرين غير الشرعيين. مما دفع العديد من الدول للتدخل من أجل العثور على حل لرأب الصدع الليبي.

ورغم المفاوضات المتكررة،والاجتماعات المتعددة والمبادرات المختلفة، الرامية جميعها إلى إخراج ليبيا من مستنقع العنف والانقسامات،فإن الأوضاع المتردية في البلاد مازالت على حالها.ويرى مراقبون ان نجاح توحيد المؤسسة العسكرية يعد الفرصة الأبرز للبلاد للتخلص من خطر العناصر الإرهابية في البلاد، وفرض الأمن والاستقرار، وهو ما يمثل نقطة البداية لحل الأزمة الليبية.