"الحكم المنفرد ليس من خياراتنا.. هناك نقص في القيادة و نفور من الشأن الحزبي في تونس.. النهضة لا تقود دبلوماسية موازية لمؤسسات الدولة و لا تقتات من أزمات غيرها.. لدينا اتصالات مع عدة أطراف ليبية و نهدف إلى النصح والتوجيه.. وحل الأزمة يجب أن يكون ليبيا ليبيا و دون إقصاء لأي طرف".

هذه نبذة مما جاء في الحوار الذي أجرته "بوابة إفريقيا الإخبارية" اليوم الجمعة 17 فيفري/فبراير 2017 مع القيادي في حركة النهضة الإسلامية في تونس عبد الحميد الجلاصي, تطرق فيه محدثنا إلى عديد المسائل الحارقة التي تهم تونس و الوضع في المنطقة, و لا سيما في ليبيا.

الجلاصي أفاد كذلك في حديثه ل "بوابة إفريقيا الإخبارية" أن التعاطي مع ملف عودة الإرهابيين التونسيين من بؤر النزاع مجانب للصواب, مشددا في الأثناء على ضرورة فتح ملف شبكات التسفير و محاسبة كل الجهات المتورطة فيه, سواء كانت أحزابا أو شخصيات سياسية و غيرها مهما كانت.

كما أكد القيادي في حركة النهضة الإسلامية في تونس أن الحركة لم تضبط بعد إستراتيجية معينة لخوض الانتخابات البلدية و المحلية المقبلة, مقرا في الأثناء بأنه لا شيء مضمون في السياسة, و أن فوز النهضة في هذا الاستحقاق من عدمه مرتبط بالعمل.

و في ما يلي نص الحوار:

ما هي استعدادات حركة النهضة لخوض الانتخابات البلدية و الجهوية المقبلة؟ و هل تم ضبط إستراتيجية معينة لكسب هذا الإستحقاق؟

لم نضبط  بعد إستراتيجية معنية لخوض الإنتخابات البلدية و هذا الملف سيناقش قريبا داخل مؤسسات الحركة.

 النهضة لا تنطلق من فراغ, و الإستراتيجية الإنتخابية جزء من الإستراتيجية العامة للحركة و تعاملها في مع الأوضاع العامة في البلاد.

 أهم مكونات الإستراتيجية العامة لحركة النهضة تتمثل في أننا نعتبر أن المرحلة الحالية في تونس, و كذلك الشأن بالنسبة للسنوات القادمة, هي مرحلة بناء ديمقراطي و إنتقال إقتصادي و ترسيخ للحوكمة الرشيدة و الإصلاحات الإقتصادية و الإجتماعية الكبرى و هذا يتطلب تشاركا و توافقا و إيجاد كتلة سياسية و إجتماعية واسعة حتى نصل إلى ديمقراطية مستقرة مع تحقيق الحد الأدنى من الكرامة للمواطنين حينها يمكننا أن نتحدث عن التنافس الخالص و عن الأغلبية و الأقلية, و لكن قبل ذلك يجب أن نمزج بين التنافس و التكامل أو ما نسميه بالتوافق.

كذلك الإنتخابات المحلية تختلف عن الإنتخابات الوطنية لأنه لها منطقها الخاص و حجم المواقع المتنافس عليها تجاوز ال 7 الاف, إذن هي فرصة للتجديد التحتي للطبقة السياسية في تونس و ضخ دماء جديدة في الإدارة و منح الفرصة للشباب و المرأة و الكفاءات, و عليه فإن الإنتخابات البلدية هي أكبر فرصة تتاح بهذا الحجم منذ "الثورة".

هل أنتم واثقون من إمكانية فوز النهضة برهان الإنتخابات البلدية و الجهوية المقبلة؟

نحن نراهن على أن تصل البلاد إلى الانتخابات في أسرع وقت.

هناك إشكال أساسي يجب أن نجد له حلا, و يتمثل في مشاركة الجماهير. يوجد نفور من الشأن الحزبي و يجب أن تقع العملية الإنتخابية في ظروف جيدة بحيث لا يشكك أحد في نتائجها, كما يجب أن تفرز هذه الإنتخابات هيئات قادرة على الإشتغال و هذا سيؤثر على نوعية القائمات الإنتخابية كما سيؤثر على فلسفة التحالفات و الإلتقاءات بين الأحزاب.

النتيجة التي سنحصل عليها ستكون مرتبطة بقدرتنا على التواصل السليم مع الناس و بقدرتنا على تقديم قائمات ذات جاذبية و على تعامل مناسب مع كل مكونات المشهد الحزبي و المدني, و لا شيء مضمون مستقبلا لأن المسألة مرتبطة بالعمل و بالرؤية.

هل تخشى النهضة من الحكم متفردة؟

  لا نتوقع أن تفضي نتيجة الصناديق إلى الحكم المنفرد, كما أنها ليست من خياراتنا وفقا لما قلناه إستفادة من خبرة تجارب الإنتقال الديمقراطي التي حصلت خلال الخمسين سنة الفارطة في مختلف أرجاء العالم و التي تفيد أن الوصفة  السحرية لإنجاح مراحل الإنتقال إنما تكون بالتشارك و التوافق و توسيع دائرة الحكم.

من يحكم تونس: النهضة أم النداء؟ أم الشيخان, أو أحدهما؟

من يحكم تونس هو حكومة الوحدة الوطنية التي تضم تمثيلية لأطراف متعددة بشكل مباشر و تحظى بحزام إجتماعي مساند مهم, و لكننا نرى أن هناك نقص في القيادة و أن هذه الحكومة لم تتحول إلى قاطرة- و بإمكانها ذلك- لكن هشاشة بعض الأحزاب و تأبيد أزماتها أثر في القدرة على المسك و توضيح الرؤية.

نحن أمام فرصة حقيقية لتشكيل إئتلاف سياسي و إجتماعي قوي إن تحملت مكونات هذا الإئتلاف مسؤولياتها و تجاوزت صراعاتها الداخلية و البينية و إلا فستترسخ ثقافة اليأس و الإحباط و الفجوة بين النخبة الحاكمة و عامة المواطنين و نرجو ألا يحصل ذلك و أن تتحمل الأحزاب و المكونات الإجتماعية مسؤولياتها لإعطاء نفس ثان ل "ثورتنا".

هل يمكن القول إن النهضة إستفادت من تفكك نداء تونس؟ و هل ستوظف الحركة أزمة الحزب الأغلبي لصالحها لكسب الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة؟

حينما تحصل أزمات داخل الأحزاب الكبيرة فإن هذا الأمر يؤثر في رؤية المواطنين للأحزاب و السياسيين عامة. لا أحد مستفيد من هذه الأوضاع وعلى كل الأحزاب أن تدرك أن قوة منافسها هي أيضا قوة لها و أن بناء الفضاء السياسي القوي و السليم و الديمقراطي و المتجدد هو الشرط الأساسي لإستمرار "ثورتنا". النهضة لا تتعيش ولا تقتات من أزمات الاخرين و لا يسرها ذلك.

اتهامات لرئيس الحركة راشد الغنوشي بقيادة ديبلوماسية موازية للديبلوماسية الرسمية بخصوص الملف الليبي, بماذا تردون؟

لا يمكن لأي حزب أن يحل محل الديبلوماسية الرسمية. نحن جزء من الحكم في البرلمان و الحكومة و لكننا نعتبر أن الأحزاب و الشخصيات الوطنية و منظمات المجتمع المدني يمكنها بدورها المساعدة, كل من موقعه و حسب خصوصيات مجاله, في تحقيق الإستراتيجية الوطنية في العلاقات الخارجية تحت مظلة الدولة التونسية. نحن في حركة النهضة مقتنعون بأن الممثل الرسمي للدولة التونسية هي المؤسسات المنتخبة و كل ما تقوم به من أعمال لإزالة سوء فهم أو لجلب صداقات أو مستثمرين إنما يتم وفق ما نفهمه من سياسات الدولة في خدمة المصلحة الوطنية العامة.

الوضع في ليبيا له تأثيراته على الوضع في تونس أمنيا و إقتصاديا و إجتماعيا, و إن قمنا بدور في هذا المجال فهو مكمل لدور المؤسسات الرسمية و يتم بالتنسيق معها و لا يمكن بأي حال أن يناقضها.

نحن نأمل أن يستقر الأشقاء الليبيون على حل يحقق مصلحتهم و لا تدخل لأي كان في سيادتهم. نحن دورنا النصح و التسهيل و المرافقة ففي ذلك مصلحة ليبية كبيرة, و في ذلك أيضا مصلحة تونسية, كما في ذلك إشارة إيجابية لإتحاد المغرب العربي الذي يوشك أن يزول من الذاكرة.

هل تجرون إتصالات مع إسلاميي ليبيا لدفعهم إلى طاولة الحوار السياسي لإنهاء الأزمة؟

لكل بلد خصوصياته, و نحن لدينا علاقات جيدة مع أطراف عديدة في المشهد الليبي و ليس مع الإسلاميين فقط و نحاول أن نوظف هذه العلاقات في النصح و التوجيه إستفادة من خبرتنا التونسية في الحوار الوطني و يبقى القرار الأخير ليبيا ليبيا.

هل يمكن أن ينجح الحوار السياسي في حلحلة الأزمة الليبية؟ أم أن الحل لن يكون سوى بالسلاح للقضاء على التنظيمات الإرهابية في هذا البلد مثلما يرى متابعون؟

لا خيار سوى الإستمرار في الحل السياسي لأن اللجوء إلى السلاح في وضع قبلي معلوم، بالإضافة إلى ضعف الدولة, مع تدخلات إقليمية و خارجية متعددة, لن يؤدي إلا إلى وضع اللادولة.

قائد الجيش الليبي اللواء خليفة حفتر قد يزور تونس قريبا بدعوة رسمية من وزير الخارجية, ما تعليقكم؟

حفتر استدعته الجهات الرسمية و شخصيا لا تعليق لدي. نحن نتصور أن الحل في ليبيا يجب أن يكون إدماجيا و كاملا دون إقصاء لأي طرف لأن إقصاء أي طرف سيضعف الحل. الأطراف الرئيسية في ليبيا يجب أن تشارك في الحوار من أجل حلحلة الأزمة.

تباينت مواقف قيادات النهضة من الزيارة المرتقبة التي سيؤديها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تونس, هل من توضيح؟

أنا شخصيا ضد الإنقلاب, و الزيارة نظمتها الدولة التونسية.

كيف تقرؤون تشعبات ملف عودة الإرهابيين التونسيين من مناطق الصراع؟ و ما رأيكم في طرق التعاطي مع هذا الملف؟

نعتقد أن جزءا من النقاش حول الملف هو خارج الملف ذاته لأن النقاش يجب ألا يكون هل ستعود هذه العناصر أم لا؟ بل يجب أن يكون وفق الصيغة التالية: " ماذا سنفعل إذا عاد الإرهابيون"؟ لأن هاته العناصر إن قررت العودة من أجل إعادة الإنتشار و خلق بؤر توتر جديدة هنا يكون الخطر.

الإرهابيون سيعودون من الباب أو من النافذة, و لذلك فمن الأفضل أن تكون عودتهم منظمة و مراقبة, هذا أفضل من عودتهم متسللين من الحدود بحيث يعززون المخاطر الإرهابية في الجبال الغربية أو في بعض أحياءنا الشعبية.

عودة الإرهابيين لا يجب أن تكون صكا على بياض أو عفوا أو إفلاتا من العقاب, فكل جريمة يجب أن تعاقب و كل مشتبه به يجب أن يحظى بمحاكمة عادلة تبين مدى تورطه و إصدار الأحكام تبعا لذلك, و لعل عودتهم تسمح لنا بفهم شبكات التسفير و من يقف وراءها و هذا ملف يجب أن يفتح خاصة مع رواج أخبار في الأسابيع الأخيرة بوجود تونسيين يقاتلون إلى جانب النظام السوري.

و لكن هؤلاء يقاتلون إلى جانب الدولة السورية و ليسوا إرهابيين؟

كل من يقاتل دون علم الدولة التونسية و خارج التراب الوطني يجب أن يحاسب و يجب أن نفهم من يسر مغادرته للبلاد لنحاسبه.

و لكن أصابع الإتهام في هذا الملف توجه إلى حركة النهضة, أو بعض الأطراف المحسوبة عليها, بماذا تجيبون؟

كل من ثبت تورطه في شبكات التفسير يجب أن يحاسب فلا أحد فوق القانون.

حتى إن كانت النهضة؟

لا أحد فوق القانون, لا أحزاب و لا شخصيات فوق القانون.