في مساء الغد الثلاثاء 20 من ديسمبر وبعد أربعة أعوام من الحفلات التي طاف بها حول العالم والترشيحات للعديد من الجوائز المرموقة، يحلّ المغني والملحن التونسيّ (ظافر يوسف) ضيفًا على خشبة مسرح دار الأوبرا السلطانية مسقط في الحفل الموسيقي الذي سيكون مسك الختام لجولة “قداس الطيور”. وسوف يقدم ظافر لونا موسيقيا فريدا عصيّا على التصنيف، يمزج بين تراث الموسيقى الصوفية والجاز الأمريكي، ضمن مفهوم أوسع يسمى (موسيقى العالم).

وتشتمل موسيقى العالم على بعض القوالب والأنماط الموسيقية والطبقات الصوتية المتمايزة والمختلفة عن مثيلاتها الغربية، والتي غالبًا ما تعتمد على الآلات الموسيقية ذات الأصوات الفريدة والآتية من بعض الحضارات العريقة، مثل آلات العود والقانون من الحضارة العربية، أو آلات الكورا والقيثارة الآتية من غرب أفريقيا، أو السيتار الهندي أو آلة “ديدغيريدوو” التي يستخدمها سكّان أستراليا الأصليون.

ويبدو أن موسيقى العالم مع ظافر يوسف وفرقته تنمو باسقة انطلاقًا من جذورها العميقة والمتشعبة، لترقى وتتسامى وتصبح نوعًا من الوحي الروحي الذي يسافر على أنغام الموسيقى الصافية العذبة التي تبدو عصيّة على التصنيف. حيث يعتبر ظافر يوسف، المطرب والمؤلف الموسيقي الموهوب والعازف البارع على آلة العود، من ألمع النجوم الصاعدين في موسيقى العالم المعاصرة اليوم.

وتعتبر قصّة حياته فريدةٌ ومشوّقة إلى حد كبير. وهو الذي ترعرع أوائل سبعينات القرن الماضي في قرية صغيرة يمتهن أهلها صيد السمك وتقع شرق تونس في كنف عائلة من المؤذنين، وتلقى تعليمه في إحدى مدارس تحفيظ القرآن الكريم. وبدأ في سن مبكرة جدًا تعلّم تجويد وتلاوة القرآن الكريم على يد جدّه الذي كان صارمًا جدًا في أسلوبه.

كما كان ظافر يستغل أي فرصة تسنح له عند وجوده في المنزل أو في المطبخ ليغني على أنغام الموسيقى الصادرة عن جهاز الراديو الخاص بوالدته، فاكتشف مدى روعة صوته عند سماع أصدائه تتردد بين جدران المنزل. ويذكر أنه كان يقضي الساعات الطوال وهو يغني في حمام القرية، والذي كان شكله أشبه بالكهف، مما جعل لصوته صدىً عجيبًا سحره وألهب مخيلته.

ما لبث ظافر يوسف أن غادر مسقط رأسه متطلعًا لاستكشاف آفاق جديدة، ويمم وجهه في البداية شطر العاصمة تونس، حيث درس هناك في المعهد الموسيقي لكنه لم يجد البرنامج التدريبي كافيًا بالنسبة له. فقرّر أن الوقت قد حان للمضي قُدمًا إلى الأمام، وعمل في أي وظيفة أتيحت له ليجمع المال الكافي للذهاب إلى فيينا التي أيقن أنه سيجد فيها مستقبلًا مشرقًا وزاخرًا بالفرص.

وبالفعل فإن المشهد الثقافي المبتكر والمتنوع السائد في فيينا قد فتح أمامه أبواب عالمٍ جديدٍ كليًا من الفرص. وشعر وهو يعيش في هذه البيئة الثقافية الغنية بضرورة التخلي عن دراسة الموسيقى والانخراط مباشرة في المشهد الموسيقي الشيّق الذي رآه في نوادي الجاز المنتشرة في أرجاء المدينة. فانضم إلى عازف الإيقاع النمساوي “غيرهارد رايتر” ليؤسسا معًا فرقتهما الأولى “زرياب”، وفي عام 1996 سجّل يوسف ألبومه الأول “المسافر”. لينطلق بعد ذلك في سلسلة من الحفلات الموسيقية الشهرية التي أقامها في أحد النوادي الذي يدعى “بورغي أند بيس″ في مدينة فيينا.