يمثل الوضع المستمر في التفكك والتعقيد منذ سنوات ،مصدر قلق للمجتمع الدولي ،ولدول المنطقة وخاصة مصر،الجارة الشرقية لليبيا،التي يمكن اعتبارها من أكثر الدول تأثراً بالفوضى التي تعصف بليبيا فى ظل  استمرار تداعي وتدهور الأوضاع السياسية والأمنية فيها.

ومنذ أن نجحت داعش في السيطرة على مدينة سرت الليبية ونفذت حكم الإعدام على عدد من الأقباط المصريين في المدينة، أصبحت الأزمة الليبية التهديد الرئيسي الذي يضرب أمن مصر الوطني ويسبق في خطورته وأولويته كل التحديات الأخرى.وهو ما أكده تصاعد التحذيرات والدعوات المصرية إلى ضرورة تجاوز الفوضى الليبية وتحقيق الإستقرار.

آخر هذه التحذيرات أطلقها وزير الخارجية المصري،سامح شكري،خلال لقائه جون مارى جهينو رئيس مجموعة الازمات الدولية،في مستهل زيارته الحالية إلى نيويورك للإعداد للمشاركة المصرية في أعمال الشق رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة.حيث أكد الوزير المصري، أن الأوضاع الأمنية المتردية في ليبيا تؤثر بشكل مباشر على استقرار مصر، مشددًا على ضرورة العمل على مواجهة ظاهرة الإرهاب بكافة أشكالها فى ليبيا.

كما أكد وزير الخارجية أهمية تفعيل المسار السياسي لحل الأزمة الليبية، مستعرضًا الجهود المصرية الأخيرة للجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا من أجل التقريب بين الأطراف الليبية المختلفة، كاشفا عن أن الحوار بين اللجنة المشكلة من مجلسي النواب والدولة حول تعديل اتفاق الصخيرات ستبدأ أعمالها في تونس عقب انتهاء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري.

وسبق ذلك،لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري، مع نظيره الليبي محمد الطاهر سيالة، الثلاثاء 12 سبتمبر 2017،حيث بحثا مستجدات الأوضاع الليبية.على هامش اجتماعات المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في القاهرة، وفق بيان للخارجية المصرية.وأكد الوزير المصري استمرار القاهرة في بذل جهودها لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف الليبية.فيما ثمن الوزير الليبي مجهود الدبلوماسية المصرية على مختلف الأصعدة لمساعدة الليبيين على تحقيق التوافق الوطني.

وتشارك مصر في اجتماع وزاري سداسي الأطراف، بالعاصمة البريطانية لندن، لمتابعة تطورات الأزمة الليبية.وجاء  الاجتماع بمبادرة بريطانية، تستهدف توجيه دفعة لجهود تحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا، والدفع نحو تنفيذ اتفاق الصخيرات والتأكيد على محورية دور الأمم المتحدة في الأزمة التي مزقت البلاد منذ سنوات.

وتأتي مشاركة القاهرة فى إجتماع لندن،فى إطار مواصلة الدبلوماسية المصرية جهودها المكثفة من أجل العمل على عودة الأمن والاستقرار في الأراضي الليبية، والعمل على تهيئة المناخ السياسي الملائم من أجل مواصلة الحوار بين مختلف الأطياف السياسية في ليبيا، حقنا للدماء وتوحيد الجهود والسياسات لمحاربة  الإرهاب، بعد أن بات المشهد السياسى فى ليبيا مرشحا وبقوة للانزلاق فى هاوية الفوضى والتقسيم.

تحذيرات وزيرالخارجية المصري ليست الأولى،فقد سبق له أن حذر في مايو 2017،خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف،من إن معسكرات تدريب المتشددين في ليبيا تشكل تهديداً مباشراً لأمن مصر القومي.وأضاف شكري: "وجود تنظيمات إرهابية واستخدامها لقواعد التدريب والانطلاق إلى الأراضي المصرية يشكل تهديدا للأمن القومي المصري".حسبما نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية.

وتخشى مصر من تسلل الإرهابيين إلى أراضيها والقيام بعمليات إرابية تهدد أمنها وإستقرارها،على غرار الهجوم الذى وقع فى مايو الماضي في محافظة المنيا في صعيد مصر وأدى إلى مقتل 29 شخصا،والذى أشارت تقارير أمنية إلى ضلوع عناصر إرهابية تدربت فى ليبيا فيه.وردت مصر على هذا الهجوم بضربات نفذتها القوات الجوية المصرية  على معسكرات لمتشددين فى درنة،فيما أعلن الجيش الوطني الليبي أن طائراته شاركت في هذه الغارات الجوية.

وقال وزير الدفاع والانتاج الحربى المصري الفريق أول صدقي صبحى، الأربعاء 31 مايو/ أيار 2017، إن هدف الضربة المركزة التي نفذتها القوات الجوية في ليبيا هو ردع "التنظيمات الإرهابية" والقوى الداعمة لها، وهو حق أصيل للدولة المصرية ضد كل من تسول له نفسه المساس بقدسية الوطن وسلامة أراضيه.

وشهدت الحدود المصرية الليبية خلال الأشهر الأخيرة أكثر من محاولة اختراق قام بها العشرات من الإرهابيين المدججين بالأسلحة وعربات الدفع الرباعي عبر دروب الصحراء الغربية، لكن سلاح الجو تعامل معهم بحسم.ففي مايو/ أيار 2017،أعلنت مصر إحباط محاولة اختراق لحدودها الغربية برتل من سيارات رباعية الدفع تحمل أسلحة وذخائر مهربة قادمة من ليبيا.وقال المتحدث باسم الجيش المصري إن عملية مطاردة تلك العربات وتدميرها استغرقت ثماني وأربعين ساعة

وفي 27 يونيو 2017،تمكنت القوات الجوية المصرية،من تدمير 12 سيارة محملة بالأسلحة والذخائر والمواد المهربة قرب الحدود الغربية مع ليبيا.وفي 16 يوليو 2017،دمرت القوات الجوية 15 سيارة محملة بالأسلحة والذخائر والمواد المتفجرة قبل اختراق الحدود الغربية.بحسب تقارير إعلامية.

التخوفات المصرية تصاعدت فى ظل تقارير تشير إلى توافد عناصر من التنظيمات الإرهابية من سوريا والعراق إلى ليبيا،وهو ما قابلته مصر بتعزيز القدرات القتالية للمنطقة الغربية العسكرية لمنع تسرب العناصر الإرهابية المسلحة عبر خط الحدود الغربية مع ليبيا.بحسب بيان للقوات المسلحة المصرية،في يوليو الماضي.فيما أكد  الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي،خلال المؤتمر الوطني الرابع للشباب بالإسكندرية مساء الاثنين 24 يوليو 2017، إن "قوات الجيش والشرطة على أتم الاستعداد لقتال الإرهابيين المطرودين أينما وجدوا وبمنتهى الحسم والقوة"، مؤكدا أنه لن يتردد لحظة في دحرهم قبل أن يشكلوا خطورة على الأمن المصري. وأضاف السيسي "سوف نستغرق وقتا طويلا للقضاء على الإرهاب في البلاد، في ظل التوترات الأمنية الموجودة في البعض من دول الجوار ومنها ليبيا".

ويرى مراقبون أن مصر تدرك خطورة القادم من ليبيا وتتعامل معه بحساب دقيق عبر تكثيف الجهود لعقد مصالحة وطنية بين مختلف الأطراف. كما تقدم القاهرة الدعم اللازم للجيش الليبي لتسهيل مهمته في تطهير ليبيا من الإرهابيين وحماية الأهداف الاقتصادية.وتعمل القاهرة منذ فترة على رفع حظر توريد الأسلحة إلى الجيش الليبي، ليتمكن من تحقيق انتصارات ملموسة في معركته الشرسة مع الإرهاب. كما تكثف مصر التعاون الاستخباراتي مع الجيش الليبي لرصد معسكرات الإرهابيين وأماكن إيوائهم لتوجيه ضربات قوية.

كما برز الاهتمام المصري بالازمة الليبية من خلال تشكيل الرئيس عبد الفتاح السيسي لجنة برئاسة الفريق محمود حجازى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة لمتابعة الأزمة بشكل متواصل.ونجحت هذه اللجنة فى التواصل مع كافة أطراف الأزمة من خلال إجتماعات ولقاءات أكثر من مرة وأصبحت أكثر قربا من الفرقاء الليبيين.

وفي يوليو/ تموز 2017،أفتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قاعدة محمد نجيب العسكرية،في منطقة الحمام شمال غرب مصر على الحدود الليبية، والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط.ويرى خبراء أن إنشاء القاعدة العسكرية، هدفه حماية الأمن القومي المصري من الجانب الشمالي الغربي وحماية الحدود المصرية مع ليبيا.

والحدود المصرية الليبية هي عبارة عن شريط حدودي بطول 1049 كيلو مترا، الأمر الذي يجعل كل تلك المساحة الشاسعة مهددة بعمليات اختراق وتهريب وبخاصة السلاح للأراضي المصرية في ظل الفوضى الليبية التي مثلت بيئة مناسبة لإنتشار تجار السلاح وهو ما يزيد من المخاطر والتهديدات التي تؤثر علي مصر في الجانب السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري.

ويرى مراقبون،أنه من الطبيعى جدا أن يكون لمصر دور فعال ومؤثر فى الأزمة الليبية باعتبار أنها تتشارك مع ليبيا فى مصالح كثيرة، إضافة إلى الامتداد التاريخى والجوار، وهناك أيضا مشاركة فى المسألة الأمنية والاقتصادية، وبالتالى كان من الضرورى تفهم الجميع سواء فى ليبيا أو فى مصر أن يكون للأخيرة دور إيجابى للمساعدة فى استقرار ليبيا.ولطالما شددت تصريحات السياسيين الليبين على أهمية دور مصر خاصة في ملف مكافحة الإرهاب وحماية وتأمين الحدود المشتركة.