شكلت الفوضى السياسية والفراغ الامني اللذين أعقبا سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، ضربة قوية للمواقع الاثرية والتاريخية في ليبيا التي أصبحت عرضة للتخريب والسرقة على يد عصابات محلية ودولية متخصصة في هذا المجال، ورغم تعرض بعض تلك الآثار إلى اعتداءات وعمليات نهب، إلا أنها كانت محدودة بحسب عديد الخبراء العاملين في هذا المجال.

 المافيا الايطالية تستهدف آثار ليبيا

في العام 2011 تعرض أكبر كنوز ليبيا للسرقة وهو عبارة عن 502 قطعة من العملات الإغريقية والرومانية من الذهب الخالص، وما يزيد عن 2000 قطعة فضية يرجع تاريخها لأكثر من 2000 عام كانت محفوظة في المصرف التجاري بمدينة بنغازي شرقي ليبياوتؤكد هيئة الاثار أن الثروة سرقت بعد أن تم حرق المصرف الذي كانت تحفظ هذه العملات في خزائنه تحت الأرض، في شهر مايو / آيار 2011 وتم تهريب بعضها إلى عدة دول من بينها ايطاليا التي ظهرت فيه قطع أثرية من نفس الكنز. وأوضحت الهيئة أنه أثناء الحرب العالمية الثانية نقل الايطاليون هذا الكنز الأثري إلى روما، خوفا من ضياعه قبل أن تستعيده ليبيا عام 1961، ليستقر في بنك ليبيا والذي سمي فيما بعد المصرف التجاري.

 نهب متوصل

تقول هيئة الآثار إن "أيادي التخريب" بعد 2011 طالت العديد من المواقع الاثرية منها استراحة "طلميثة" في بنغازي ومتحف مدينة بني وليد شمال غرب البلاد، إضافة لمتحف مدينة سرت شمال و"قلعة الاتراك" التي تقع في مدينة القيقب، شرقي مدينة شحات. وتضيف هيئة الآثار أن هناك وسيلة أخرى للاعتداء على الكنوز الأثرية في ليبيا، وهي تقسيم الأماكن الأثرية وبيعها لإقامة مشاريع سكنية عليها". وتلفت الهيئة الانتباه الى أن "هناك أراض مملوكة لمواطنين بمدينة بنغازي مثلا تحتوي على أماكن أثرية يتم تقسيمها إلى مخططات سكنية وبيعها، رغم مناشدة الدولة الليبية للتدخل وتعويض أصحاب هذه الأراضي وشرائها للحفاظ عليها. ويشير بعض المهتمين في المجال الى أن ما وصل إليه قطاع الأثريات في ليبيا سببه الانفلات الأمني وتلف منظومة الأخلاق لدي المواطن الليبي، خاصة سكان تلك المناطق الاثرية، الذين يعتدون على الآثار بالبحت العشوائي والجرف بالآلات الثقيلة بحثاً عن الكنوز لسرقتها وبيعها.

المتشددون والتراث الليبي

يُتهم تنظيم داعش على نطاق واسع بالتربح من الاثار الليبية من خلال تعامله مع مهربي الاثار، وقد تأكدت هذه الفرضيات بعد عثور قوات الأمن على تحف أثرية قبل عام في منزل تمت استعادته يخص قائد في تنظيم داعش في بنغازي. وعثر أيضا على قطع رومانية وبيزنطية داخل مقرات للدواعش في بنغازي وسرت ودرنة، وهو ما يعطي انطباعا بأن المتشددين ضالعون في تهريب الآثار الليبيةوقال خبراء على هامش مؤتمر تناول حماية التراث الثقافي الليبي مؤخرا، إن أشهر المواقع التاريخية ظلت في منأى عن الأذى إلى حد كبير، برغم أن بعض القطع الأثرية المستخرجة بصورة غير قانونية يجري تهريبها خارج البلاد، وبرغم أن المتطرفين استهدفوا مساجد وزوايا صوفية لا تقل أهمية عن آثار ليبيا التاريخية.

  اهمال رسمي

تتحدث هيئة الاثار الليبية بكل حسرة عن غياب الدعم الرسمي للحفاظ على هذا التراث المهدد بالاندثار، وذلك يثبته عدم تلقي هذه الهيئة لأي ميزانية منذ بداية ثورة 17 فبراير/شباط 2011، وهو ما يعيق عمليات الترميم لهذه الأماكن الاثرية. وتضيف المصادر التي تحدثت من داخل الهيئة أن ليبيا مهددة بفقدان المزيد من تاريخها وحضارتها نتيجة غياب الدولة والفوضى الناتجة عن فتح الحدود على مصراعيها، وهو ما يجعل الاثار الليبية مهددة ومعرضة للسرقة في هذه الظرف أكثر من أي وقت مضى.