في منتصف تموز/يوليو الماضي، أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، مقترح خريطة طريق للخروج من الأزمة، تضمنت تسع نقاط، في مقدمتها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة في آذار/مارس. وجاء لقاء باريس الذي جمع بين السراج والمشير خليفة حفتر في 25 تموز/يوليو الماضي، ليدعم مقترح إجراء الانتخابات في البلاد، حيث تعهد الطرفان بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في أقرب وقت ممكن بدعم وإشراف الأمم المتحدة والتنسيق مع المؤسسات المعنية.

أعقبت ذلك خطة عمل طرحها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة في الـ20 من سبتمبر الماضي، وتبناها مجلس الأمن الدولي، تتوج في ختامها بإجراء انتخابات في غضون عام من إعلانها في محاولة لإخراج ليبيا من حالة الانسداد السياسي. وفي 28 نوفمبر الماضي، أصر سلامة، خلال زيارته إلى مدينة مصراتة على إجراء الانتخابات في 2018 "حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن السلطة التنفيذية"، في إشارة إلى الخلافات بشأن طبيعة الحكومة التي ستشرف على تنظيمها.

ومطلع ديسمبر/كانون الأول، دشنت ليبيا أولى مراحل الإعداد لتنظيم الانتخابات العامة المقرر إجراؤها العام القادم، حيث أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات رسميا، عن البدء في عملية تسجيل الناخبين وتحديث السجل الانتخابي، اعتبارًا من تاريخ، الأربعاء 6 ديسمبر/كانون الأول، على أن تستمر 60 يومًا، مؤكدة أن إمكانية تمديدها ستنظر في حينها.

ويتوجه المشهد الليبي، في ظل الدعوات المتواصلة، إلى انتخابات عامة يُؤمل منها أن تكون حلاً لإنقاذ الأوضاع في البلاد. ورغم أن أغلب الفاعلين الرئيسيين متوافقون بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2018، للخروج من نفق الفراغ الدستوري، وأزمة تعدد الشرعيات في البلاد، فإن التساؤل الأبرز يكمن في إمكانية تنفيذ انتخابات في ظل الأوضاع الأمنية المتردية التي تعيشها ليبيا؟

فمع تصاعد الحديث عن الانتخابات تزداد المخاوف من عدم نجاحها، في ظل الوضع الأمني الهش والحوادث التي تشهدها بعض المناطق، ما يؤدي إلى انقسام الشارع الليبي بشأن الموقف من هذا الاستحقاق الانتخابي. آخر هذه الحوادث التي تشير إلى تردي الأوضاع الأمنية اغتيال عميد بلدية مصراتة محمد اشتيوي، على يد مجموعة مسلحة مجهولة.

ويأتي اغتيال اشتيوي، بعد أيام قليلة من اغتيال الشاب محمد أبو صلاح الورفلي، الملقب "الغرياني"، في منطقة السياحية بالعاصمة طرابلس. وفق ما أكدت مدير المكتب الإعلامي لغرفة عمليات تحرير سرت الكبرى انتصار محمد. وبحسب المسؤولة الإعلامية، فإن الورفلي، يعد من "أبطال طرابلس داعمي عملية الكرامة 2014 وضد ما يعرف بفجر ليبيا، كان مهجرا في الرجبان منذ 2014 حتى عاد منذ أشهر لمدينته طرابلس".

وبالتزامن مع ذلك، عثر بمنطقة السبيعة جنوب العاصمة طرابلس، الخميس الماضي، على جثتين لشخصين مقتولين إحداهما تعود لعلاء تنتوش المدير السابق لإدارة الخزانة بوزارة المالية، وقال مصدر أمني، لبوابة إفريقيا الاخبارية، إن الجثة الأخرى تعود لشاب يدعى أنس الزرقاني وكلاهما من سكان طرابلس وتم اختطافهما من قبل مجهولين في وقت سابق في منطقة قصر بن غشير.

عمليات الاغتيال علاوة على الاختطافات المتكررة والسرقات وغيرها من أشكال الانتهاكات التي يتعرض لها المواطن الليبي، تلقي جميعها الضوء على حالة الانفلات الأمني التي تعاني منها المدن الليبية وخاصة العاصمة طرابلس، التي ترزح تحت وطأة الميليشيات المسلحة المختلفة والتي لا تخضع لقوانين وتمارس أعمالها الإجرامية دون رادع.

 وأضحى الملف الأمني من أبرز التحديات أمام عملية الانتقال وبناء الدولة في ليبيا، فتغولُ العديد من الميليشيات المسلحة، ووقوعُ انتهاكات من خطف واعتقال وتعذيب واغتيال أصبحا من أبرز أسباب قلق المنظمات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان. وقد أظهرت الاضطرابات التي تشهدها بعض المدن الليبية وخاصة العاصمة طرابلس، مدى الضعف الشديد للحكومة وقدرة المجموعات المسلحة في التأثير على المشهد بشكل يعرقل الانتقال الديمقراطي.

ويطرح الحديث عن الانتخابات المخاوف حول سلامة المرشحين والناخبين ومراكز الاقتراع ولجان الانتخابات. فالمليشيات المسلحة مازالت تسيطر على أجزاء من البلاد وخاصة العاصمة طرابلس ولم يتم إدماجها في المؤسسات الأمنية للدولة. وهو ما دفع عضو مجلس النواب الصالحين عبد النبي، للمطالبة بضرورة نقل مقر المفوضية العليا للانتخابات إلى خارج مدينة طرابلس.

جاء ذلك خلال لقاء جمعه بالقائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر، ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومي طلال الميهوب. الصالحين عبد النبي وفي تصريح لقناة ليبيا أرجع سبب مطالبته بنقل مقر المفوضية إلى الظروف الأمنية التي تمر بها المدينة، وسيطرة الميليشيات على العاصمة، ومنع حصول أي تزوير في الانتخابات، مشيرا إلى ميول إدارتها إلى تيار الإسلام السياسي حسب قوله.

يأتي ذلك فيما تعهد رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي بـ "تسخير كل الجهود والإمكانيات لدعم تفعيل المؤسسة العسكرية وفقاً للضوابط والمعايير المهنية". وقال في بيان وزعه مكتبه إنه ناقش لدى اجتماعه في وقت سابق من الشهر الجاري، في العاصمة طرابلس مع رئيس الأركان العامة للجيش الليبي اللواء عبد الرحمن الطويل "تطورات الأوضاع العسكرية والأمنية في البلاد، ومستجدات ملف توحيد المؤسسة العسكرية بشكل كامل". وأكد السويحلي "ضرورة استكمال تنفيذ التدابير الأمنية، وفقاً لما نص عليه الاتفاق السياسي من دون استثناء أو انتقائية، لترسيخ الاستقرار الأمني في العاصمة طرابلس والمدن الليبية كافة.

وفي سياق متصل، يخشى البعض من تكرار الانقسام السياسي والأمني الذي انجرت إليه ليبيا نهاية عام 2014 بسبب رفض التيار الإسلامي لنتائج الانتخابات البرلمانية في ذات العام وإطلاقه لحركة تمرد مسلحة عرفت باسم "فجر ليبيا"، واندلعت الاشتباكات في عدة مدن ليبية نتيجة انتشار السلاح والميليشيات ذات الولاءات المختلفة.

ففي مقال له بجريدة "الشرق الأوسط"، يري الدكتور جبريل العبيدي، الكاتب والباحث ليبي، إن تكرار التجربة الانتخابية في ظل الظروف الراهنة دون أي ضمانات دولية لحماية المرشحين وحماية الناخبين واحترام النتائج، سيكون نوعاً من العبث والتهريج وإعادة إنتاج لجماعات الإسلام السياسي من جديد، لأنها الوحيدة من تجيد لعبة الخداع الانتخابي وتضليل الناخبين، وصناعة المرشحين الموالين لها، في ظل ضعف التجربة والخبرة الانتخابية والتنظيم والتأطير للتيار المدني المقابل لها، مما سيجعل الانتخابات بمثابة حصان طروادة لدخول جماعات الإسلام السياسي للمشهد السياسي الليبي من جديد.

من جهته، أكد فوزي النويري عضو مجلس النواب عن مدينة صرمان (غرب طرابلس) أن "فكرة الانتخابات لن تكلل بالنجاح ما لم تسبقها خطوات عملية على الأرض، من بينها تحسين الظروف الأمنية في جميع المناطق، وسن قانون للانتخابات، والاتفاق على الجهة التي ستصدره". وقال لـ"الشرق الأوسط": "ندرك قيمة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، لأنها ستعود بالنفع على البلاد"، لكن "البيئة المطلوبة لإجرائها غير متوافرة الآن"، مبدياً تخوفه "من إعادة إنتاج الأجواء السابقة، التي تسببت في تقسيم البلاد.

هذه التخوفات دفعت المبعوث الأممي غسان سلامة، إلى التشديد في تصريحات سابقة، على ضرورة توفير جملة من الشروط لكي تنجح الانتخابات المرتقبة وتكون ذات مصداقية، منها سن القانون اللازم لتنفيذ العملية الانتخابية، وضمان قبول كافة الأطراف الليبية بنتائجها.

ومن الأسباب الأخرى التي يمكن أن تحول دون إنجاز الانتخابات ضلوع قوى إقليمية عدة في النزاع ودفعه نحو مزيد من التعقيد. وهو ما أشار إليه الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي في حديث بثه تلفزيون "فرانس24"، الخميس، حيث أكد أن إجراء انتخابات في ليبيا يبدو أمرا صعبا ليس فقط بسبب الخلافات بين الفرقاء الليبيين، وإنما أيضا بسبب التدخلات الأجنبية في الملف الليبي. وقال "هناك عوامل خارجية منها العربية والأوروبية والروسية والأميركية، وبالتالي فإن عملية تنظيم انتخابات ليست بهذه السهولة". وشدد قائد السبسي على ضرورة أن تكون هناك دولة في هذا البلد "لأن الدولة مُغيبة حاليا في ليبيا التي تسودها الميليشيات".

 ولا يزال موعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في ليبيا يثير الكثير من الجدل وسط تباين في الآراء بين أطراف ليبية تدعو إلى ضرورة الإسراع لإجراء تلك الانتخابات كمقدمة للخروج من الأزمة، بينما يرى البعض الآخر أن غياب الاستقرار الأمني وتزايد الخلافات السياسية لا يسمحان بتنظيمها في العام القادم.

ففى الوقت الذي أعلنت فيه دول غربية في مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا دعمها لإجراء الانتخابات العامة والرئاسية معتبرة أنها الطريق الأفضل لتطبيع الوضع السياسي وإعادة الاستقرار إلى هذا البلد المنقسم بشدة، أعلنت روسيا موقفاً معاكساً لتيار المتعجلين واعتبرت أنه من المستحيل الحديث عن موعد للانتخابات في ظل الانقسام الراهن. وقال ليف دينغوف، رئيس فريق الاتصال الروسي المكلف بملف ليبيا في وزارة الخارجية الروسية ومجلس الدوما، إنه من السابق لأوانه مناقشة المسألة قبل موافقة رسمية مسجلة من جميع الأطراف.

ويأمل المتابعون للشأن الليبي أن تكون الانتخابات بوابة لإخراج هذا البلد العربي من الأزمات التي يعيش على وقعها منذ سنوات، ويرى هؤلاء أن إجراء الانتخابات في 2018 والذهاب مباشرة إلى الشعب لانتخاب رئيس ومن يمثلهم في برلمان جديد، من شأنه تجاوز جميع التناقضات القانونية، وبناء هيكل مؤسسي واحد يمكن أن تتعامل الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي معه، كونه يستند إلى الشرعية.