رغم أن العلاقات الاقتصادية التونسية مقترنة أكثر بالدول الأوربية وأساسا فرنسا لتاريخية العلاقة السياسية بين الجانبين منذ إعلان الاستقلال عام 1956 الذي حافظت فيه فرنسا على نصيبها الأكبر من المبادلات وجعلت تونس سوقا استهلاكية هامة لأغلب إنتاجها، إلا أن العلاقات التونسية الليبية أيضا تعتبر من أعرق العلاقات سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي حيث تجمعهما عديد الاتفاقيات وليبيا بالنسبة إلى التونسيين سوقا استهلاكية كبرى في مستوى الانتاج الغذائي من خضروات وحبوب وحليب ومواد بناء، كما أن الليبيين يعتبرون المدعم الأول للسياحة التونسية حتى في أحلك الفترات التاريخية. لكن السنوات الأخيرة التي تأزم فيها الوضع السياسي الليبي كانت تونس من أكثر المتأثرين من الأزمة حيث خسر الاقتصاد التونسي عشرات المليارات ولم تستعد المبادلات توازنها رغم التحولات السياسية المختلفة التي مرت على البلدين.

أكثر من 10 مليار دينار هي الكلفة التي تكبدها الاقتصادي التونسي خلال 4 سنوات، من تعقد الأوضاع الأمنية وانتشار المليشيات وانسداد الأفق السياسي في ليبيا حيث ذكرت جريدة الصباح التونسية في مارس 2015 نقلا عن عبد الله الدردري عضو اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا أن الأزمة الليبية كلفت تونس خسائر بقيمة 5 مليار دولار (12 مليار دينار تونسي) .

فمنذ العام 2011 وحتى العام 2015 تراجعت المبادلات التجارية بين تونس وليبيا بشكل قياسي حيث عرفت 1300 مؤسسة اقتصادية تونسية توقفا لصادراتها نحو ليبيا مما أخل بالميزان المالي لهذه المؤسسات التي أعلن الكثير منها إفلاسه (حوالي 200 مؤسسة) في حين طالبت بقية المؤسسات من الدولة دعما كافيا لكي تتمكن من الحفاظ على توازنها المالي باعتبارها تشغل ألاف العمال وأصبحت عاجزة عن توفير رواتبهم.

الإشكال أن فوضى السلاح في ليبيا وانتشار الإرهاب في ليبيا خلال السنوات الماضية أثر بشكل فعلي على الاقتصاد التونسي حيث توقفت عديد الاستثمارات وتراجع عدد من المستثمرين على بعث مشاريع في تونس بحجة تواجدها على الحدود مع بلد تتواجد فيه جماعات مسلحة تهدد سلامة تونس ومصالحها، وساهمت الأحداث التي وقعت في مدينة بنقردان في شهر مارس من عام 2016 في تدعيم هذه الإشكاليات، حيث كانت تونس قاب قوسين أو أدنى من تمركز تنظيم داعش في مناطقها الحدودية مع ليبيا.

تراجع عدد السياح الليبيين نحو تونس أثر بدوره على الاقتصاد التونسي حيث تعتبر السوق الليبية إلى جانب السوق الجزائرية مفتاح السياحة التونسية، لكن أحداث فبراير 2011 وما بعدها عطلت توافد الليبيين حيث تراجع العدد من أكثر من 1.5 مليون سائح ليبي قبل العام 2010 إلى أقل من 300 ألف سائح بين 2011 و2014، مما أثر بشكل كبير على عائدات السياحة التي طالبت وزارتها في أكثر من مرة السلطات التونسية بالمشاركة في الاجتماعات التي تعنى بالشأن الليبي باعتبار أن انفراج الأوضاع في ليبيا يعني انفراجا في الاقتصاد التونسي.

يذكر أنه ومنذ 2015 ارتفع عدد القادمين إلى تونس تدريجيا حيث اقترب الرقم سنة 2016 من الرقم القديم (1.3 مليون سائح) ويتوقع زيادته قبل نهاية العام إلى 1.5 مليون رغم تشكي عديد السياح من تردي الخدمات وسوء المعاملة في بعض المدن والنزل التونسية في السنوات الأخيرة.

استقرار ألاف الليبيين في تونس من 2011 بدوره أثر سلبيا على الاقتصاد المحلي حيث تراوح عدد المقيمين بين 500 ألف و مليوني ليبي على فترات متعاقبة مما أثقل كاهل الدولة التونسية التي ذكرت سنة 2014 أن كلفة الدعم لديها تجاوزت 4455 مليون دينار وهو ضعفا ما كانت تدفعه كلفة دعم للمواد الاستهلاكية الأساسية قبل 2011.

كل هذه الإحصائيات تؤكد أن الاقتصاد التونسي يتأثر بشكل كبير بما يقع في ليبيا حيث يكلف التراجع المتواصل للمبادلات بين الجانبين  150 مليون دولار شهريا، لكن أغلب الخبراء يؤكدون أن الأرقام تطورت نحو الأحسن منذ 2016 حيث عاد القطاع السياحي التونسي إلى التعافي وعرفت المبادلات عودة تدريجية إلى نسقها الطبيعي مما يؤثر إيجابا على الاقتصاد التونسي الذي يشكو بدوره من تعثرات ساهمت فيها الأزمات السياسية التي تمر على البلاد منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي.