رغم المؤشرات الايجابية التي باتت تظهر جليا في المشهد الليبي،إلا أن الانفلات الأمني والانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات،مازال يلقى بظلاله على البلاد،مع استمرار عمليات استهداف الاجانب،في ظل تواصل حالة الفوضى نتيجة انهيار مؤسسات الدولة وانتشار السلاح فيها.

إلى ذلك،قامت مجموعة مسلحة،الجمعة 12 يناير 2018،باختطاف مندوبة المنظمة الدولية للهجرة، رانيا خرمة، في مدينة سبها جنوب ليبيا، وتم نقلها إلى جهة مجهولة.وأفادت وسائل إعلام ليبية، نقلاً عن رئيس قسم التحري والضبط في مديرية الأمن الوطني بسبها يحيي شوايل، بأن ثلاثة أشخاص تابعين للمنظمة الدولية للهجرة، اختفوا قرب مدينة سبها، بحسب موقع روسيا اليوم.

ونقلت وسائل الإعلام عن السائق الذي كان يرافق فريق المنظمة الدولية،أن "مجموعة مسلحة مجهولة الهوية تتكون من 9 ملثمين يستقلون سيارتين، اعترضت طريق سيارة فريق المنظمة التي كانت قادمة من العاصمة طرابلس، وذلك على مشارف مدينة سبها، وتم اقتيادهم إلى مكان مجهول والتحقيق معهم، ليتم إطلاق سراحه برفقة صديقه الليبي فايز خير الله الذي يعمل في المنظمة، بعد أن تم وضعهما في صندوق السيارة مقيدين ومعصوبي الأعين، في حين أبقوا على رانيا، واقتادوها إلى جهة غير معلومة حيث لا تزال في قبضة الخاطفين".

ورجحت بعض الوسائل الاعلامية أن تكون دوافع الاختطاف هي الحصول على الفدية، حيث تكثر في هذه المنطقة عصابات السطو وتتكرر حوادث الخطف من أجل الحصول على العائدات المالية، مقابل الإفراج عن المختفطين الذين عادة ما يكونون رعايا أجانب.

وتعتبر عملية استهداف البعثات الدبلوماسية واختطافهم شيئا مثيرا للقلق الشديد في ليبيا،فبعد الهجمات التي تعرضت لها مختلف البعثات الدبلوماسية في ليبيا وعمليات الخطف التي استهدفت موظفيها منذ العام 2011،وبسبب ازدياد أعمال العنف ضدها،قامت العديد من السفارات والبعثات الدبلوماسية بمغادرة الأراضي الليبية.

ومنذ مطلع العام 2017،بدأت المساعي تتصاعد لإعادة التمثيل الدبلوماسي في ليبيا الذي قد يساهم كثيرا فى إخراج البلاد من حالة الفوضى والوصول الى التسوية السياسية الشاملة في البلاد،والعمل من اجل ايجاد حلول سياسية لكثير من المآسي التي تواجه البلاد،ولكن هذه العودة تبقى مشروطة بتوفير الامن للدبلوماسيين وهو ما يبدو أنه مازال صعبا في ظل تواصل انتشار الجماعات المسلحة في عدة مناطق من البلاد.

وياتي هذا في وقت وقع فيه إطلاق سراح الطبيب الأوكراني الذي جرى إختطافه قبل يومين في مدينة سبها جنوب ليبيا.بحسب ما أفادت السفارة الأوكرانية في تونس على موقعها الإلكتروني.وجاء في بيان السفارة: "تم الإفراج عنه بفضل الاتفاقات التي توصل إليها الدبلوماسيون الأوكرانيون أثناء المفاوضات مع زعماء القبائل المحلية".

وكان الطبيب يعمل وفق الاتفاق الخاص بمدينة سبها الليبية. وتم اختطافه من قبل أعضاء إحدى المجموعات المحلية المسلحة منذ عدة أيام.ودعت السفارة الأوكرانية جميع مواطنيها المتواجدين في ليبيا لمغادرتها فورا بسبب صعوبة تسوية مسائل من هذا النوع بالطرق الدبلوماسية في ظروف الوضع المعقد القائم في البلاد.

ويواجه القطاع الصحي في ليبيا أزمات خانقة،بسبب الصراع المستمر منذ سنوات،والذي أدى إلى تعطيل الخدمات الصحية في البلاد، كما أن عمليات اختطاف العاملين الصحيين يهدد النظام الصحي الهش أصلا في البلاد.ومن بين عمليات الاختطاف الثمانية التي وثقتها منظمة الصحة العالمية في ليبيا منذ عام 2012، وقعت 4 حالات اختطاف في عام 2017 وحده، وهو أعلى عدد من حالات اختطاف العاملين الصحيين المسجلين في سنة واحدة.

وتؤثر عمليات الاختطاف تأثيرا خطيرا على القطاع الصحي،لتسببها في هروب الطواقم الصحية وعودتها لبلدانهم وايضاً هجرة الأطباء الليبيين للدول المجاورة نتيجة للأوضاع الأمنية المتردية.ونجمت عن هذا الوضع صعوبات تتعلق بفرص توفير الخدمات الصحية لإنقاذ المدنيين المرضى وتلبية احتياجاتهم الصحية.

ويرى مراقبون أن اختطاف الأجانب ارتبط في ليبيا بكونه وسيلة للحصول على المال من الرهائن الأجانب لصالح الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة عن طريق طلب الفدية،وفي بعض الأحيان يمثّل وسيلة ضغط على السلطات لتنفيذ مطالب سياسية أو إطلاق سجناء، أو الحصول على امتيازات معينة خاصة إذا تعلّق الأمر باختطاف دبلوماسيين.

وتتزامن عملية الاختطاف الأخيرة التي استهدفت مندوبة المنظمة الدولية للهجرة، مع تواتر أنباء عن محاولة تنظيم داعش إعادة تنظيم صفوفه في المناطق الجنوبية بليبيا، وكذلك عن تعزّز نشاط تنظيم القاعدة في المنطقة نفسها،وهما تنظيمان يعتبران متخصصين في اختطاف الأجانب واحتجازهم بغرض الحصول على الفدية المالية.وقد استطاعا في السنوات الأخيرة الحصول على ثروات طائلة تقدر بمئات الملايين جراء عمليات احتجاز الرهائن الغربيين.

كما دفعت الأوضاع الأمنية المتردية العديد من الشركات الأجنبية إلى مغادرة ليبيا،وبحسب مراقبين،فإن المشاريع التنموية والاستثمارية والعجلة الاقتصادية في هذا البلد الممزق تبقى رهينة تحقيق الاستقرار السياسي والمالي وإنهاء التجاذبات السياسية والفوضى الأمنية حتى تعود الشركات الأجنبية لاستكمالها

وكانت حادثة اختطاف مهندسي شركة "إنكا" التركية،في نوفمبر 2017،قد تسببت في مغادرة البعثات الأجنبية من الأراضي الليبية خشية من عمليات اختطاف أخرى تستهدفهم، حيث قرّر فريق شركة "سيمنس" الألمانية مغادرة موقع العمل بمحطة أوباري الغازية، كما قررت شركة "هيونداي" الكورية،تأجيل موعد عودتها إلى ليبيا.

 وتعتبر عمليات الاختطاف إحدى أشد المعضلات المروعة التي تترك بصمتها على الحياة اليومية في البلاد،حيث يمثل استمرار تصاعد عمليات الاختطاف على أيدي الميليشيات، في ظل غياب حكم القانون في البلاد وحالة الفوضى وانعدام الأمان،الهاجس الأكبر لدى المدنيين الذين يعيشون في حالة من الخوف الدائم في هذا البلد الذي لا تزال المجموعات المسلّحة الخارجة عن القانون تفرض في أجزاء منه سلطتها بقوة السلاح.