ليست إشكالية السيولة لوحدها من ترهق المواطن الليبي في المناسبات الدينية، بل إن غياب العديد من المواد وارتفاع أسعار مواد أخرى يؤثران أيضا على حياة الليبيين. فالكثير من التجار بسبب الأوضاع التي تعيشها البلاد يستغلون المناسبات الخاصة والعامة، خاصة شهر رمضان أو الأعياد، للترفيع في أسعار المواد الاستهلاكية بغاية الربح الأقصى، أو بسبب أنهم هم أيضا اشتروها بأسعار مرتفعة، إضافة إلى أن تهريب المواد المدعمة يساهم بدوره في ترفيع الأسعار مما يثقل كاهل المواطنين الذين يضطرون للتقليص من مشترياتهم أو للتداين للقدرة على توفير المصاريف.

المعروف أن أغلب الأسر العربية تتضاعف مصاريفها خلال المناسبات الدينية، لكن الأسر الليبية تتميّز بأنها من الأكثر استهلاكا رغم محاولات البعض منها ترشيد استهلاكه تأقلما مع الحالة الاقتصادية والأمنية التي تمر بها البلاد. وإذا كان الليبيون قبل 2011 من بين الأفضل على مستوى القدرة الشرائية والاستهلاكية خاصة مع مساهمة الدولة في دعم أغلب المواد، فإنهم بعد "الثورة" أصبحوا من بين الأضعف بسبب انهيار الوضع الاقتصادي وارتفاع أسعار المواد الأساسية. ففي طرابلس لا يمكن للمواطن الليبي سحب أكثر من 300 دينار وهو السقف الأقصى للسحب الذي وضعته المصارف بسبب غياب السيولة، وهذا حال كل المصارف في البلاد منذ الإطاحة بالنظام في 2011، وهذا المبلغ لا يكفي مصاريف يوم واحد بالنسبة إلى بعض الأسر التي تعوّدت على سقف أعلى من الاستهلاك، خاصة مع الانخفاض الكبير لقيمة الدينار بين 2011 و2017.

وقبل حلول شهر رمضان المنقضي أعلن مسؤولون حكوميون أن الدولة أمرت الشركات المكلفة بالتوريد بتوفير السلع الأساسية للمواطنين الخاصة بالشهر الكريم، وكان مصرف ليبيا المركزي قد شرع في توفير الاحتياجات النقدية الأجنبية التي تكفي شركات التوريد لتوفير تلك السلع، حيث خصص قرابة 300 مليون دينار، لفائدة صندوق موازنة الأسعار التابع لوزارة الاقتصاد والصناعة وهو صندوق حكومي تم تأسيسه لتحقيق توازن في أسعار السلع والخدمات، وتوفيرها بتكاليف مناسبة لا ترهق المواطنين، وقد ذكر مدير الصندوق، جمال الشيباني في تصريحات إعلامية قبل شهر رمضان، أن الأموال المخصصة تكفي لموازنة الأسعار خلال رمضان وحتى لشهرين بعده، لكن لا يمكن توفيرها دائما بسبب الوضع الاقتصادي للبلاد.

يذكر أن أسعار المواد الغذائية في ليبيا قد ارتفعت تدريجيا منذ "الثورة". ففي رمضان  مثلا 2010 كان سعر الكيلوغرام من الخروف الوطني لا يتجاوز 15 دينارا وسعر الدجاج لا يتجاوز 4 دنانير، وسعر الحليب في حدود دينار واحد، وكانت كل الخضروات والزيوت في حدود دينار واحد للكيلوغرام أو للتر، أصبحت الأسعار في رمضان 2017 مضاعفة بمرتين أو ثلاثة، حيث وصل سعر كيلو الخروف إلى أكثر من 25 دينارا والدجاج إلى 12 دينارا والحليب إلى 3 دنانير والخضروات والزيوت أسعارها تفوق الدينارين، وهذه أسعار ترهق جيب الليبيين وتجعلهم غير قادرين على مجاراة النسق المرتفع للأسعار.
ويعود سبب ارتفاع الأسعار في المناسبات الدينية، للأوضاع الأمنية التي عطلت عمليات التوريد باعتبار أن ليبيا تعتمد في نسبة كبيرة من استهلاكها المحلي على التوريد من الخارج. حيث لا تمر فترة دون وقوع اشتباكات عنيفة آخرها ما وقع في ضواحي طرابلس قبل شهر رمضان وأثر على الحالة الأمنية وعلى راحة المواطن. كما أن عمليات التهريب التي تتم للسلع المدعمة تساهم بشكل كبير في زيادة الأسعار، بالإضافة إلى أن العديد من التجار بسبب الأنانية المفرطة يستغلون شح بعض المواد للترفيع في أسعارها باعتبارهم يرون بعض المناسبات فرصة للربح الأقصى.

يجمع الليبيون أنهم منذ العام 2011 يجدون صعوبة كبرى في توفير حاجياتهم اليومية خاصة الغذائية منها، بسبب نقص المواد وتضاعف أسعارها، إضافة إلى المشاكل التي تعانيها المصارف التي أثر عليها النزاع السياسي وجعلها تشكو نقصا كبيرا في السيولة وفي توفير الاحتياجات المالية من المواطنين، مما يفرض على الجهات المسؤولة في الدولة إيجاد حلول عاجلة لتجنيب المواطن مزيدا من المعاناة.