أكد أستاذ الآثار والتاريخ القديم، الأكاديمي الليبي محمد علي عيسى، ما ذهب إليه البروفيسور محمد الذويب استاذ الاثار والتاريخ القديم بجامعة طرابلس، في رسالته التي أرسلها للسفارة الأمريكية بداية شهر فبراير الحالي، حول التقويم الأمازيغي، من الناحية التاريخية.  وفي تعليق على رسالة الذويب، توصلت بوابة إفريقيا الإخبارية برسالة، من الدكتور محمد علي عيسى، مدعومة بالأدلة التاريخية فيما يلي نصها:

أنا الأستاذ الدكتور محمد علي عيسى بصفتي أستاذ للآثار والتاريخ القديم ، أُوكد لجميع الأصدقاء الذين يتابعون الرسالة التي وجهها البروفيسور محمد الذويب استاذ الاثار والتاريخ القديم بجامعة طرابلس ، إلى السفارة الأمريكية بليبيا ، تعليقا على تقديمها التهنئة لأمازيغ ليبيا بمناسبة "السنة الأمازيغية"، أوكد للجميع أن ما قاله الأستاذ الدكتور محمد هو عين الصواب ومعلوماته مستندة إلى مصادر ومراجع أساسية في الآثار والتاريخ القديم(ملاحظة هامة : نحن نكتب هنا على الفيس بوك ، لذلك لا وجود لأية اشارة عن المصادر والمراجع في الهامش ، ولكن للذي يريد الاستفسار عن أي مصدر أو مرجع حول الموضوع ما عليه إلا الاستفسار ونحن علينا بالإجابة) . مما لا شك فيه أن المصادر والمراجع التي أخذها الدكتور محمد  من أساتذته اليونان أثناء تحضيره لأُطروحة الدكتوراه في جامعة أثينا ، وهي نفس المصادر والمراجع التي أخذتها أنا من أساتذتي الفرنسيين أثناء تحضيري لأُطروحة الدكتوراه في جامعة السوربون الفرنسية في باريس ، أُعيد وأُكرر أن ما قاله الدكتور محمد أن علماء الآثار والمختصين في التاريخ القديم  في العالم أجمع لم يعرفوا تقويماً يسمّى التقويم الأمازيغي ، ولم يخبرنا أي مصدر أثري أو أدبي قديم من المصادر الفرعونية أو اليونانية أو اللاتينية عن هذا التقويم المزعوم .

      لم نجد من خلال تسلسل الأحداث لأسرة شيشنق التي حكمت مصر القديمة من خلال الأسرة الثانية والعشرين الليبية أنهم استعملوا تقويماً خاصاً بهم و لم نسمع أو نقرأ عن هذا التقويم قبل العام 1980 م.، وأن الزعم بأن شيشنق قد زحف بجيوشه على مصر واستولى عليها ، وبالتالي نصب نفسه فرعونا ليبياً على مصر هو محض افتراء على التاريخ ، لأن التاريخ لا بحدتنا إطلاقا على مثل هذه الخرافات ، والحقيقة أن شيشنق كان ينتمي إلى نسل أولئك الليبيين الذين اتجهوا إلى وادي النيل جراء الجفاف المتزايد الذي أصاب منطقة الصحراء الكبرى منذ الألف الثالثة قبل الميلاد ، والذي أدى إلى هجرات مكثفة اتجهت في بداية الأمر نحو معظم مناطق إفريقيا الشمالية ، ولكن مع مرور الوقت امتد التصحر نحو العديد من مناطق الشمال ، مما أدى بهؤلاء المهاجرين بالاتجاه نحو وادي النيل ، لما يسببه ثراء هذا الوادي من إغراء للإقامة والعيش السعيد ، وكان من الطبيعي أن يقاوم المصريون هذا الزحف المكثف ثارة بشن الحملات الرادعة ضد هؤلاء المغيرين ، وثارة أخرى بإقامة الحصون محاولة لوقف زحف هذه القبائل . ويبدو أنه بعد فشل الليبيين القدماء في الاستيطان في منطقة وادي النيل بالقوة ، لجأوا إلى الوسائل السلمية فتسللت مجموعات منهم كـرعاة وتجار أو كـجنود مرتزقــة ، حيث منحت لهم بعض الأراضي مقابل خدمتهم في الجيش ، ويرجح أن بعض هؤلاء وصلوا إلى مناصب رفيعة في البلاط المصري ، وإلى مراكز القيادة في الجيش ، ووصلوا إلى مراتب الكهــان ، ونجد بعضهم يجمع بين يديـه السلطتين الـدينية والمدنية في منطقة الدلتا بكاملها. " وقد حظي شيشنق الرئيس الأعظم للمشوش بأرفع مكانة في البلاط المصري ، ويبدو أن فرعون مصر كان يدرك أن عرشه كان مستقرا في ظل هيمنة رئيس رؤساء المشوش ، الذي كان يقبض على السلطة في معظم المدن المصرية عن طريق الرؤساء الليبيين الموالين له ، وبالتالي ما أن توفى آخر ملوك الأسرة الحادية والعشرين ، حتى استولى شيشنق على السلطة عام 950 قبل الميلاد ، وأسس الأسرة الثانية والعشرين الليبية ، التي حكمت مصر قرابة القرنين من الزمان .

      كان حكام هذه الأسرة ليبيين متمصرين ، يعبدون الآلهة المصرية ، مثلهم مثل المصريين ، وبالتالي لم يكن هؤلاء الحكام غرباء عن مصر ، ولم يفتحوا البلاد عنوة كما يتخيل المتخيلون ، بل هم مجموعات من القبائل استقرت بمصر بطريقة مُعترف بها منذ عهد رعمسيس الثالث(1182 – 1156 ق . م.) ، أي قبل وُصول هذه الأسرة إلى الحكم بأكثر من 200 سنة . حمل رؤساء القبائل الليبية المستقرة في مصر ألقاب مصرية ليبية مثل اللقب ور- مس الذي يعني الملك العظيم ، وأحياناً ألقاب ليبية خالصة مثل لقب رئيس ما الكبير ، الذي يعني رئيس المشوش الكبير .    خلال هذه المدة الطويلة من حكم الليبيين القدماء لمصر لم يصفوا أنفسهم إلا أنهم فراعنة مصريين ، حاربوا باسم مصر خارج حدود البلاد ، واستطاعوا استعادة هيبة مصر بين الدول في ذلك الوقت . يُعتبر شيشنق مؤسس الأسرة  الثانية والعشرين الليبية أهم شخصية في الأسرة ، ثم تولى بعده ابنه أوسركون الأول ، يليه تكلوت الأول ، ومن بعده اوسركون الثاني ، يليه تكلوت الثاني ، ومن بعده شيشنق الثالث ، ثم باماي(القط) ، ثم خلفه شيشنق الرابع ، وانتهت الأسرة الثانية والعشرين الليبية بأسركون الرابع ، ويُلاحظ من خلال دراسة سنوات حكم هؤلاء الحكام أن كل واحد منهم يؤرخ الأحداث التي تمر بالبلاد من خلال فترة حكمه ، فنجد ينسب حدث ما للسنة الأولى  أو الثانية أو الثالثة من حكمه ، وهكذا إلى أن يتولى خليفته ، والذي يستعمل نفس الطريقة السابقة في تأريخ الأحداث ، وهكذا مع بقية حكام الأسرة حتى نهايتها ، ولا وُجود لتقويم مستمر يبدأ بيوم تربع مؤسس الأسرة شيشنق الأول على عرش مصر كما يُشير إليه البعض بالتقويم الأمازيغي .

      الجدير بالذكر أن عبارة الأمازيغي التي يُضيفها أصحب هذا الرأي الخاطئ إلى التقويم لم يكن الليبيون الذين ينتمي إليهم شيشنق وأسرته يحملون هذه الصفة ، بل كانوا يُعرفون بالمشوش ، وكانوا معاصرين لقبائل أخرى يُطلق عليها الليبو، ولا وجود لأي ذكر لقبائل الأمازيغ في ذلك التاريخ ، لكن أول إشارة تاريخية وصلتنا عن هذا الاسم كانت بعد حوالى 400 سنة من انتهاء الأسرة الثانية والعشرين الليبية ، وكانت من قبل المؤرخ الإغريقي هيرودوت ، عند حديثه عن القبائل الليبية المعاصرة له ، حيث ذكر من بين تلك القبائل قبيلة الماكسيس ، ولم تُذكر قبائل مازيكس أو مازيغ صريحة العبارة  إلا بعد ذلك بأكثر من 900 سنة ، حيث وردت إشارات كثيرة تحمل هذا الاسم بكل دقة . لقد ورد الاسم (مازيك)من خلال عبارة منسوبة إلى الكاتب اللاتيني (فيجيس) (القرن الرابع الميلادي) ، عند حديثه عن قدم أٍساليب القتال بواسطة الجمال لدى قبائل كانت تعيش في المناطق الداخلية لمنطقة المغرب القديم ، يقول (فيجيس): "كان الجمل يتخذ صفاً في القتال منذ القديم عند شعوب كانت تعيش بعمق أفريقيا تماماً كما هو الحال اليوم عند الأرسيلياني وقبائل أخرى من المازيك". ويذكرنا بهذا الاسم أيضاً ما ورد لدى الشاعر البيزنطي(كوريبوس القرن السادس الميلادي) حين يشير من خلال نبوءة  جاءت بها إحدى العرافات بأن "قبائل لواتة المنتصرة ستوقع قوات اللاتين في فوضى واضطراب . ولسوف تحتفظ قبائل مزاكس للأبد بحقول بيزاكيوم" ، والجدير بالذكر أن الاسم(مازيك) ، ومازاكس الذى ورد لدى الرومان والبيزنطيين ، هو نفس الاسم مازيغ الذى يطلقه الليبيون القدماء على أنفسهم منذ العصور القديمة حتى الآن ، وقد استبدل الكتاب الرومان عند نطقهم لهذا الاسم حرف الغين بحرف الكاف ، نظراً لعدم وجود حـرف الغين في اللغة اللاتينية ، وعدم قدرة الرومان النطق بهذا الحرف ، ولذلك حُرّف الاسم من مازيغ إلى  (مازيك) .

      من حق الليبيين القدماء تبني اسم أمازيغ كاسم جامع لهم ، ورفض اسم بربر لأنه من قبيل النعوت الدالـة على الهمجية والتوحش (باباروس) ، وبالتالي فالاسم الشائع اليوم ، والذي لا ترفضه أي مجموعة من هذه المجموعات السكانية هو اسم الأمازيغ ، ولكن وتوجد العديد من الأسباب لتبني هذا الاسم منها :    

1- إن المصادر السابقة للعصر الإسلامي خالية من لفظ بربر كاسم علم ، حيث لم يظهر هذا الاسم في النقوش والنصوص المعاصرة للرومان أو البيزنطيين ، وإن وجدت ألفاظ مشابهة مثل كلمة بارباروس فإنها تعنى الهمجية والتوحش ، وكان الرومان ينعتون بها القبائل الليبية القديمة بسبب رفضها للاحتلال الروماني ومقاومتها له .

2- لو كان سكان منطقة المغرب القديم يُعرفون قبل الفتح الإسلامي للمنطقة باسم البربر لاحتفظوا بهذا الاسم وغرسوه في نفوسهم وعلموه للأجيال اللاحقة ، مثلما حدث للأكراد ، والفرس والأتراك ، الذين حافظوا على أسمائهم بسبب مضمونها العرقي رغم دخولهم في الإسلام وانضوائهم ضمن الدولة الإسلامية لقرون عديدة .

3- إن سكان المغرب القديم الناطقين باللغة الليبية القديمة يستنكفون من أن يسموا بربرا ، لأنهم يرون فيها سبة لهم ، والذي يقول إن أسم بربر في اللغة العربية لا تحمل سبة ولا تفيد دلالة تسئ ، وهى غير كلمة البرابرة ، هو مخطئ ، وهو في هذا الإطار يتخذ نفس النهج الذي اتخذه الفرنسيون في ابتكارهم لكلمة (بيربير) كجنس ليفرقوا بينها وبين كلمة (برباروس) التي تعني الهمجي والمتوحش .

4- لم يُطلق الاسم بربر على الليبيين القدماء خلال العصور القديمة وبداية الفتح الإسلامي ، بل كانوا يطلقون على أنفسهم اسم الأمازيغ نسبة إلى مازيغ ابن كنعان. ونستشف هذه الصفة من خلال الوفد الذي قابل عمر بن الخطاب بعد فتح مصر، فنراهم حين قدّموا أنفسهم ، أشاروا بأنهم أحفاد مازيغ بن كنعان ، وأنهم أصحاب البلاد الواقعة مابين خليج العرب (البحر الأحمر) والبحر المحيط(المحيط الأطلسي) ولم يذكروا له بأنهـم بربر .