تواجه المؤسسات الحكومية الخدمية جملة من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتقنية،وذلك في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات.ويعتبر قطاع الصحة في ليبيا مثال للتحديات التي تواجه الإدارة الليبية والخدمات العامة المتدنية بدرجة كبيرة بسبب النقص الحاد في المستلزمات الطبية والأدوية، حيث أدت الصراعات والانقسامات بين الفرقاء الليبيين إلى تأزم القطاع الصحي.

ويشتكي الليبيون منذ سنوات من ضعف الخدمات الصحية في بلادهم ما يجعلهم يسافرون إلى الدول المجاورة لتلقي العلاج والرعاية الصحية التي يستحقونها وهو ما يرفع تكاليف التغطية الصحية ويعرض حياة وسلامة الكثيرين للخطر خاصة بالنسبة للحالات الصحية المستعجلة والإصابات بسبب الظروف الأمنية المتردية.

الانقسامات سبب الازمة

ويعاني قطاع الصحة من واقع مأساوي، فعدم توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين من نقص الأدوية والمعدات الطبية الى نقص الاسرة في اكثر المستشفيات،ناهيك عن الاضطرابات الأمنية التي تشهدها البلاد والتي زادت الوضع سوءا، يعتبر من أكبر التحديات التي تعترض الحكومة الليبية المؤقتة.

وكان رئيس الحكومة المؤقتة عبدالله الثني،إلتقى الإثنين الماضي،في مقر الحكومة بمنطقة قرنادة مع رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب الدكتور النائب نصر الدين مهنى ووكيل عام وزارة الصحة الدكتور سعد عقوب.وناقش الثني خلال الاجتماع بحسب الموقع الرسمي للحكومة أوضاع القطاع الصحي في البلاد وما تقدمه الحكومة المؤقتة من دعم في ظل انعدام الايرادات وسيطرة المصرف المركزي في طرابلس على الاعتمادات ما حال دون استيراد الأدوية والمعدات الطبية.

يشار الى أن هذا الاجتماع يأتي بعد أصدار رئيس الحكومة المؤقتة عدد من القرارات بخصوص قطاع الصحة منها اعفاء وزير صحة المؤقتة رضا العوكلي وتغيير أعضاء مجلس ادارة جهاز الامداد الطبي ونقل مقره الى بنغازي وحظر توريد الادوية من المنافذ البرية وتحديد المنافذ الجوية والبحرية لتوريد الادوية والمعدات الطبية منها.

وتضررت الخدمات الصحية في ليبيا بدرجة كبيرة بسبب الصراع المستمر منذ سنوات.وفي نوفمبر الماضي،قال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم إلى ليبيا غسان سلامة،إن القطاع الصحي في ليبيا يواجه أزمة،وأغلب مستشفيات البلاد لا تعمل.وأضاف سلامة في إحاطته بمجلس الأمن أن ليبيا تعاني نقصًا في إمدادات الأدوية،مشيرًا إلى تعطل الأجهزة الطبية الحديثة وأنها تُركت دون صيانة.وأوضح سلامة أن بعض الأطباء الليبيين يحذرون من عرضة ليبيا؛ لانتشار وبائي محتمل، ما دفع البعثة إلى اعتزام عقد مؤتمر تنسيقي رفيع المستوى بين الأطراف المعنية المحلية والدولية أوائل عام 2018.

ويواجه القطاع الصحي في ليبيا أزمات خانقة،أبرزها النقص الحاد في الأطقم الطبية والأدوية،وإغلاق العديد من المستشفيات أبوابها أمام المرضى بعد نفاد الأدوية.وكان وزير الصحة في الحكومة المؤقتة الليبية، رضا العوكلي،وصف في حديث لقناة "روسيا اليوم"،في أكتوبر الماضي،قطاع الصحة بـ "الشبه المنهار" جراء النقص الفادح من الأدوية، والمعدات الطبية، مما فاقم تردي الأوضاع الإنسانية في أغلب المناطق الليبية".وأوضح العوكلي، أن نقص الأدوية أدى إلى "موت مجاني" لليبيين جراء عدم توفر الدواء أو الأمصال اللازمة لمعالجتهم، فضلا عن أن عدم توفر السيولة لشراء الدواء ودفع الديون المتراكمة على ليبيا أثرت بطريقة مباشرة على حياة المواطن الليبي.

الهجرة تعمق الازمة

لا يزال ملف المهاجرين غير الشرعيين يؤرق المضاجع في ليبيا ويثير مخاوف لدى العديد من الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية.ففي ظل الفوضى التي تعيشها ليبيا،ساهمت ظاهرة الهجرة غير الشرعية في مزيد تردي الأوضاع وخاصة الصحية بحسب المسؤولين الليبيين.

وفي هذا السياق،أكد مدير إدارة الرعاية الصحية الأولية " غسان كريم" أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية "زادت العبء على القطاع الصحي غير القادر على الاستجابة بشكل كامل لاحتياجات المواطن،مضيفا أن الدولة الليبية قدمت ولا تزال تقدم خدمات صحية للمهاجرين غير الشرعيين عبر مرافقها الصحية بمختلف المدن والمناطق.

واضاف " غسان كريم" خلال الندوة التي أقامها المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي بعنوان " الهجرة غير الشرعية في ليبيا وآثارها وتداعياتها والسياسات المطلوبة " أن ليبيا دولة تحترم الجانب الانساني لهذه الظاهرة بالرغم من وضوح القوانين الليبية بالخصوص وعدم مجانية هذه الخدمات للأجانب.

وأشار إلى أن المهاجرين غير الشرعيين جاؤا من دول بها أمراض سارية تم مكافحتها في ليبيا عبر سنوات؛ وصرف عليها مئات الملايين،محذرا من أن استمرار تدفق المهاجرين بطرق غير شرعية دون كشوفات صحية يشكل خطرا على الصحة العامة".وأكد " أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تتطلب تعاون جميع القطاعات بداية من تأمين الحدود ودعم الأجهزة الأمنية والقضائية والحملات الإعلامية التوعوية ومكافحة التهريب.

 وأعرب عن أهمية الدراسة التي قدمها المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي حول أسباب ظاهرة الهجرة غير الشرعية والمشاكل التي تعانيها ليبيا جراء هذه الظاهرة؛ وأضاف " نحتاج للعمل أكثر على هذه البيانات و تحليلها للاستفادة منها في السياسات المستقبلية".

وكان المستشار الإعلامي بجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية ميلاد الساعدي،أكد في نوفمبر الماضي،في تصريح خاص لوكالة آكي الايطالية، بأن ملف الهجرة دولي وليبيا ليست مسؤولة عن تهجير هؤلاء الآلاف من أوطانهم في الوقت الذي تعاني فيه من تواجدهم على أرضها، منتهكين حرمتها وقوانين الدخول إليها والإقامة فيها.مشير الى أن ليبيا هي من تتحمل أعباء مادية ومعنوية وصحية في سبيل رعاية المهاجرين وإنقاذهم من البر والبحر واستضافتهم وإيوائهم لحين عودتهم طوعية إلى بلدانهم.

وعدد الساعدي العقبات المصاحبة لظاهرة الهجرة في ليبيا،والتي من بينها "الامراض السارية والمعدية وبعض الامراض التي استطاعت ليبيا القضاء عليها منذ نهاية الستينات والمنقولة عبر المهاجرين غير الشرعيين كالالتهاب الكبدي والسل الرئوي وشلل الأطفال والإيدز والجرب وغيرها من الأمراض الأخرى وكذلك المخاطر التي تواجه العاملين بمراكز الايواء لوجود أمراض واوبئة يحملها المهاجرون معهم تشكل خطر عليهم وعلى عائلتهم".

وفي ظل الوضع الصعب لقطاع الصحة،تتواصل المساعي الدولية لتحسين هذا القطاع الحساس والذى يمس المواطن بصفة كبيرة.وكانت منظمة الصحة العالمية،قد تعهدت في أكتوبر الماضي، خلال جلسة عمل بمقر البعثة الأممية للدعم لليبيا بتونس، بتوفير الأدوية للمرضى للليبيين, وذلك بكافة مستشفيات البلاد.وأفاد وزير الصحة في الحكومة المؤقتة رضا العوكلي ل "بوابة إفريقيا الإخبارية"،أنه أبلغ ممثلي البعثة الأممية لدى ليبيا بأن الوضع الصحي في بلاده شبه منهار, وبأن ليبيا في حاجة ماسة إلى بديل يتمثل في تدخل منظمة الصحة العالمية لإنهاء النقص الحاد في الأدوية والمعدات الذي يؤدي إلى وفيات الكبار والصغار على حد السواء.

تجدر الإشارة إلى أن القطاع الصحي الليبي يعاني منذ سنوات من العديد من الإشكاليات أهمها ضعف الموارد البشرية المحلية من أطباء وممرضين ومساعدين وغيرهم، ونقص شديد في المعدات والأدوية وضعف البنية التحتية للمؤسسات الصحية العمومية كما ان معظم المستشفيات تفتقر للصيانة وللمعدات الصحية الضرورية وللأدوية، ناهيك إلى ذلك تردي الأوضاع الأمنية في السنوات الماضية ما أدى إلى هروب الطواقم الصحية وعودتها لبلدانهم وايضاً هجرة الأطباء الليبيين للدول المجاورة نتيجة للأوضاع الأمنية المتردية.