تكاثرت في الأشهر الأخيرة عمليّات انتشال جثث المهاجرين على طول السواحل اللّيبيّة وخاصّة في المناطق الموجودة بين مدينتي "زوارة "و"القرة بولي" (شرق طرابلس) في الغرب الليبي، وما بين شواطئ مدينة طبرق والحدود المصرية في الشرق. آلاف الجثث لمهاجرين غرقت مراكبهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبّا انطلاقا من السّواحل اللّيبيّة. 

يذكر العقيد طارق شنيور، مدير الإدارة العامة لأمن السواحل الليبية، أنّ عدد المهاجرين الّذين غرقوا أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا قد ارتفع إلى قرابة 5 الاف شخص على امتداد سنة 2016، وذلك بحسب إحصائيّات المنظمة الدولية للهجرة، مبيّنا أنّ الفرق المختصّة اللّيبيّة قد انتشلت قرابة الألف جثة لفظها البحر هذه السنة وهو عدد أرفع بكثير مقارنة بسنة 2015 حيث لم تتمكن هذه الفرق من انتشال سوى بضعة مئات من بين أكثر من 3500 لقوا حتفهم  وكذلك مقارنة بسنة 2014 حيث لم يتجاوز العدد بعض العشرات من بين أكثر من 2000 قضوا نحبهم في البحر.

مدير الإدارة العامّة لأمن السّواحل وضّح أيضا لمراسلة أصوات الكثبان بطرابلس أنّ فرقه المختصّة أنقذت 9592 مهاجرا في سنة 2016، إلا أنه برّر في المقابل مرور قرابة ال140.000 إلى أوروبّا في نفس السّنة بضعف الإمكانيّات الموضوعة على ذمّة هذه الفرق والّتي لم تكن لديها القدرة على اعتراض أغلبهم.

الهلال الأحمر

من جهة ثانية، وضّح الخامس عمر البوسيفي، مدير مكتب الإعلام بالهلال الأحمر الليبي ـــ فرع زوارة ـــ أنّ دور فرق الهلال الأحمر يتمثّل في نقل الجثث إلى مصالح الطبّ الشرعي حيث يتمّ ترقيمها وفتح سجلاّت لكلّ منها تتضمّن نتائج تحاليل العيّنات التي اخذت منها وكذلك العلامات المميّزة لها كـ (الجنس، لون البشرة، الأوشام أو الندوب القديمة، الملابس، الخ.)،  مبينا أنّه يقع الرّجوع إلى هذه الخصوصيّات إذا ما سألت عائلة ما عن أحد أفرادها افتقدته في ليبيا وتتمّ كلّ هذه العمليّات بالتّنسيق مع الجهات الأمنيّة والقانونيّة قبل أن يقع الإذن بدفن الجثث.

ورغم أن الناجين يرفضون في أغلب الاوقات الكلام ولا يريدون رواية مأساتهم. إلاّ أنّ أصوات الكثبان وبعد محاولات عديدة تمكنت من الحديث إلى أحدهم وهو أريتري، نحيف الجسد ، طويل القامة ، بشرته داكنة وعمره 32 سنة. رفض مانويل (اسم مستعار لرفضه ذكر اسمه والمدينة الّتي ينحدر منها)  يقول "لا أصدِّقُ أنّي مازِلتُ على قيد الحياة فقد غرق بنا المركب الّذي كان من المفترض أن يوصِلنا إلى جزيرة  "لامبيدوزا " على السواحل الايطالية  ففقدت وعيي وسط اليمّ. وحتى اللحظة لم أفهم كيف وقع إنقاذي".  

مأساة

تقرير الإدارة العامة لأمن السواحل الليبية ـــ فرع طرابلس ـــ يذكر أنّ مركب صيد هو الّذي انتشل مانويل وأنقذه من موت محقّق مثلما أنقذ أحد عشر مهاجِرًا آخَرَ وعاد بِهِمْ إلى اليابسة، بعد أن تولى المركب اطلاق صيحات إنذار. تلقفها مركب الصيد  ولم تحمل الأخبار الواردة بعد ذلك أيّ معلوماتٍ عن إنقاذ آخرين في تلك المنطقة .

يضيف مانويل بصوت منخفض، أقرب للهمس:" كنّا 97 راكِبًا، أغلبنا أريتريّون، بيننا 23 امرأة و11 صبيّا. تقدّم بنا المركب في البحر مدّة ستّ ساعات قبل أن تهبَّ علينا رِيحٌ عاتيّة  أدّت الى انقلاب المركب بمن فيه  في عرض البحر ". مانويل لم يُواصِلْ ولكنّ المُحِيطين به فَهِموا حجم المأساة : 86 شخصا فقدوا حياتهم في ذلك الحادث.

مِن الواضِحِ أنّ مانويل لم يكُنْ سعِيداً بِنجاتِهِ من الغرق. لقد اختار الرّحيل بحثا عن مستقبل أفضل في أوروبّا لأنّ السُّبُلَ قد تقطّعت به في بلده فوضع كلّ آماله في خيار الهجرة، وهو مدْرِك للمخاطر المرافقة لهذه العملية لكنّ فشل التّجربة وإنقاذه من الغرق وضعاه في الخانة الأسوأ : "الموت أَهْوَنُ عندي من العودة إلى أريتريا. ليس لي أيّ مستقبل هناك. أنا ميِّتٌ ميِّت، في أريتريا أو في البحر".