قالت صحيفة ذا ناشونال إنترست الأمريكية إنه في 18 ديسمبر الماضي صادرت سلطات الجمارك ثلاثة آلاف مسدس تركي الصنع في مدينة الخمس -ميناء ليبي يقع على بعد أربعين ميلا شرق العاصمة طرابلس-. وتعد الشحنة التي أدعت السلطات التركية عدم معرفتها بها انتهاكا صارخا لحظر تصدير السلاح المفروض على ليبيا من قبل الأمم المتحدة. 

وتم تصنيف واحدة على الأقل من الشحنات في البيان التركي كمواد غذائية. وبعد فترة وجيزة صادرت سلطات الميناء الليبي على أربعة ملايين رصاصة على متن سفينة شحن تركية. 

ورفض العميد أحمد المشاري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي التحقيق المشترك الذي وعد به كل من الحكومة التركية وفايز السراج رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني الليبية -الحكومة الموالية للاسلاميين-. وألقى الجيش الوطني الليبي باللوم على شحنات الأسلحة التركية في تصعيد الهجمات والاغتيال في طرابلس. 

وقال فتحي المريمي المتحدث باسم رئيس مجلس النواب الليبي -المناهض لحكومة الإسلاميين- الذي يتخذ من مدينة طبرق بشرقي البلاد مقرا له "كانت الشحنة في طريقها إلى الجماعات الإرهابية والمتطرفين والخارجين عن القانون".

غير أن شحنات الأسلحة غير الشرعية هذه لم تكن سوى غيض من فيض، وأعلن عبد القادر عبد الله أبيس  -قائد الشرطة العسكرية في طبرق- أن الشرطة قد أوقفت مؤخراً سيارة لاند كروزر وطاردت  أخرى ووجدتهما ممتلئتان بالأسلحة التركية. وبعد ذلك في 7 يناير الحالي أعلن مسئولون في مصراتة -بلدة قريبة من طرابلس- أنهم اعترضوا شحنة أسلحة تركية أخرى، وهذه المرة في حاوية تحمل علامة نقل البضائع المنزلية وألعاب الأطفال. ومع كل شحنة يتم اعتراضها تصبح أدعاءات أنقرة بالجهل غير قابلة للتصديق بشكل متزايد. وتشير محاولة اغتيال أخيرة على المحقق الليبي الأساسي في الشحنات إلى أنه لا يزال هناك الكثير لاخفاءه.

ما هي نهاية لعبة تركيا؟ ففي ظل إدارة رجب طيب أردوغان لمدة خمسة عشر عامًا أصبحت تركيا فعليًا دولة بوليسية. وعندما تتدفق الأسلحة فذلك لأن أردوغان يريد تدفق الأسلحة. ولكن بالنسبة لأية مجموعة فشحن هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة عبر ميناء تركي دون أن تكتشف فهو ببساطة أمر مستحيل. ويذكر الوضع في ليبيا بالشاحنات المحملة بالأسلحة التي تم اعتراضها في تركيا في طريقها إلى سوريا. وفي هذه الحالة أمر أردوغان بالإفراج عن الشاحنات لأنها تعمل تحت إدارة الاستخبارات التركية، وعاقب الصحفيين الذين اكتشفوا القصة.

وفي أعقاب مقتل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي انقسمت الدولة الغنية بالنفط والواقعة في شمالي أفريقيا إلى قسمين -وإذا أحتسبنا جنوبي البلاد حيث لا ينطبق القانون تصبح ثلاثة أقسام- في طرابلس حكومة معترف بها من الأمم المتحدة تتقاسم السلطة مع الإسلاميين، بينما بالقرب من الحدود مع مصر وبالتحديد في طبرق تقاتل حكومة مجلس النواب تنظيم داعش  والميليشيات المرتبطة بتنظيم القاعدة. 

وفي هذا السياق دخلت الأسلحة التركية المشهد. ببساطة عندما أصبحت قطر ممولًا للإخوان المسلمين وجماعاتها المتشددة الأكثر انتشارًا في جميع أنحاء العالم أصبحت تركيا مورد الأسلحة لهم.

قد لا يكون هدف تركيا مجرد تمكين الجماعات المتطرفة من زعزعة استقرار ليبيا. فأردوغان يرى أن صعود الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر إهانة، وذلك بسبب أن ارتفاع سيسي جاء على حساب سيطرة الإخوان المسلمين على مصر، ولأن أردوغان فقدت فيما بعد الاتصالات المربحة داخل مصر. وقد يوفر وجود حكومة إسلامية في ليبيا ملاذاً للجماعات المكرسة لتقويض استقرار مصر وعودة الإسلاميين إلى السلطة.

وتشعر الجزائر أيضا بالقلق من تحركات أردوغان الأخيرة، والجزائر مقتنعة بأن بعض الأسلحة التي سعت تركيا إلى تهريبها إلى ليبيا كانت موجهة إلى مجموعات إرهابية في جارتها الجزائر.

ثم هناك جماعة بوكو حرام الإرهابية المعروفة في الغرب بالخطف الجماعي لطلابات المدارس في نيجيريا. وفي عام 2014 ظهرت شريط مسجل لمحادثة بين كبير المستشارين أردوغان والسكرتير الخاص للرئيس التنفيذي للخطوط الجوية التركية  أظهر أستياء قيادة الخطوط الجوية التركية المملوكة للدولة من اضطرارها لتهريب الأسلحة إلى نيجيريا على ما يبدو كي يستغلها المتمردون مثل بوكو حرام. وبالطبع عندما قام فرع تابع للقاعدة بالسيطرة على شمال مالي وصف أحد الأشخاص الذين عينهم أردوغان القوات الفرنسية المدعوة لمواجهة هذه الجماعات بالإرهابيين الحقيقيين.

وفي واشنطن لا يزال دور تركيا وسلوكها موضوع جدال حاد: هل أردوغان معادٍ لأمريكا؟ هل محوره تجاه روسيا أيديولوجي أم معاملات؟ هل يمكن الوثوق بإردوغان في القضاء على تنظيم داعش في سوريا إذا انسحبت الولايات المتحدة؟ في كثير من الأحيان تحل أيديولوجيات البلدان محل البراجماتية مع ازدياد المسافة بين البلدين. 

وفي مثل هذه الحالة تفتح إجراءات تركيا المتزايدة لزعزعة الاستقرار في أفريقيا نافذة على تفكير أردوغان واتجاهات تركيا الجديدة، وليس كجسر بين الشرق والغرب بل كحافز للتمرد والإرهاب. 

لقد حان الوقت للاعتراف بالواقع: تركيا اليوم الراعي للتطرف على نطاق عالمي. إنه درس تم تجاهله في واشنطن ولكن تم الاعتراف به بشكل متزايد على أنه واقع في أفريقيا. بعبارة أخرى في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بإلقاء اللوم على إيران بسبب شحناتها من الأسلحة غير القانونية التي تقوض السيادة والاستقرار في بلدان مثل لبنان واليمن ، فإن تركيا تقوم بنفس الشيء ولأهداف مشابهة.


*"بوابة إفريقيا الإخبارية" غير مسؤولة عن محتوى المواد والتقارير المترجمة