نشر موقع ميدل ايست مونيتور المتخصص في التحليلات السياسية مقالا للمحلل السياسي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري تناول رؤيته للأحداث عام 2011 وما ترتب عليها.

وقال مصطفى الفيتوري إن الصحفي الفرنسي جاك ماليت دو بان (1749-1800) وصف الثورة الفرنسية عام 1798 بقول "مثل سارتون –اسطورة رومانية- فقد  التهمت الثورة أبنائها"، وأضاف الفيتوري انظر إلى ليبيا اليوم وسوف تجد أن دو بان لا يمكن أن يكون أكثر دقة في وصفه الذي ينطبق تماما على الوضع الليبي.

وعلى سبيل المثال فعدد قليل جدا من الناس كان يعرف  عبد الرحمن شلقم  سفير ليبيا السابق في الأمم المتحدة  قبل مثوله في اجتماع خاص لمجلس الأمن الدولي في 25 فبراير 2011 كان يمثل حكومته  بقيادة الزعيم الراحل معمر القذافي. وناقش الاجتماع الاضطرابات التي اندلعت في ليبيا قبل أسبوع واعتبرت جزء من "الربيع العربي" المبهم. والمثير للدهشة أن شلقم قد غير ولائه خلال الاجتماع وانضم بشكل صريح إلى التمرد وحث المجلس على "إنقاذ ليبيا" على حد تعبيره، وبدلاً من الدفاع عن حكومته وصديقه القذافي. وكان من غير المسبوق لممثل دولة التحدث ضد مصالحها في الأمم المتحدة.

وانتهى اليوم في نيويورك بتحول شلقم إلى نجم معروف في جميع أنحاء العالم، واعتمد مجلس الأمن القرار 1970 لفرض سلسلة من الإجراءات ضد ليبيا  بما في ذلك حظر السفر وتجميد مبيعات الأسلحة. وبعد أقل من أسبوعين  تبنت القرار 1973 الذي أجاز بشكل غامض التدخل العسكري في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا. وفي نهاية جلسة فبراير  تلتقط إحدى الصور: عبد الرحمن شلقم وهو يبكي على كتف السفيرةا لأمريكية آنذاك لدى الأمم المتحدة \ سوزان رايس.

وبعد سبع سنوات الرجل نفسه الذي فاجأ العالم بأسره وأدهش مواطنيه  بالكاد يستطيع زيارة ليبيا. لا يمكن لأيقونة ما يسمى بالثورة الليبية أن يزور بلده بشكل علني ناهيك عن الظهور في الأماكن العامة في بلده الأم في المنطقة الجنوبية. إنه محظوظ لأنه ما زال على قيد الحياة في المنفى.

 وعندما يذكر الليبيون شلقم اليوم فإنهم يفعلون ذلك فقط بوصفه "عميل قوى أجنبية". وقد أصبح اسمه مرادف "لخائن"، وليس وحده في هذا المصير. تقريبا جميع رموز الثورة الليبية الكاذبة انتهى بهم المطاف أما إلى النفي أو القتل أو التجاهل كليًا.

وأشهر هؤلاء هو مصطفى عبد الجليل الذي ترأس المجلس الوطني الانتقالي  وهو هيئة تمثل المتمردين المدعومين من قبل حلف الشمال الاطلسي –الناتو- في عام 2011. وكان القاضي السابق يعامل كرئيس للدولة واليوم يعمل عبد الجليل كموظف في وزارة العدل في دولة الإمارات العربية المتحدة غير قادر على الذهاب إلى ليبيا ناهيك ً عن مدينته البيضاء، وهذا بفضل الحماية التي وفرها له الجيش الليبي الذي دعا عبد الجليل ذات يوم حلف الناتو لتدميره.

وفي مقابلة أخيرة  اعترف عبد الجليل بأن منظمات إرهابية مختلفة بما في ذلك تنظيم القاعدة على صلة بالجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية  التي كانت من بين المجموعات الرئيسية التي قاتلت ضد الحكومة من مارس إلى أكتوبر خلال الحرب الأهلية في عام 2011. 

وإحدى الرموز النسائية الشهيرة للثورة هي إيمان العبيدي  المحامية الشابة التي اشتهرت في أوائل مارس 2011 بمجرد السير في المركز الإعلامي الدولي في أحد فنادق طرابلس أثناء الحرب ، والإعلان علناً عن تعرضها للاغتصاب من قبل جنود الحكومة. اليوم ،هي في زنزانة في وسط الغرب الأمريكي على الرغم من حقيقة أنها ساعدت كلاجئة من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون  التي لعبت دورا محوريا في تضليل الرأي العام الأمريكي حول الحرب في ليبيا. وتقضي العبيدي حكماً بالسجن لمدة ست سنوات بتهمة الاعتداء وسوء السلوك بينما كانت تحت تأثير الكحول. ومن سخرية القدر  تم حظر الكحول بموجب حكم القذافي. وبعد نهاية عقوبتها سوف ترحل ، ولكن إلى أين؟ سيكون من المثير للاهتمام أن يتم إعادتها إلى بلدتها بني غازي.

ورمز نسائي اخر هو فاطمة الحمروش هي الآن طبيبة في دبلن بأيرلندا. لم تكن فقط من المؤيدين المتحمسين للثورة ولكن أيضا وزيرة للصحة في أول حكومة تتولى السلطة بعد سقوط القذافي. تتجنب الحمروش زيارة ليبيا لسلامتها وتدين الثورة برمتها باعتبارها مؤامرة مدعومة من الغرب لإزالة الزعيم السابق. حتى إنها أرسلت أمنيات طيبة إلى أرملة القذافي صفية فركش التي تعيش في المنفى في مصر. وفي الواقع  لا تفوت الحمروش أبدا فرصة لالصاق العار بثورة 2011 وإدانة قادتها. لقد تحولت إلى مؤيدة قوية للزعيم الراحل القذافي.

ومن الشخصيات المعروفة الأخرى "للثورة الليبية" محمود جبريل  الذي كان أول رئيس وزراء للمتمردين من مارس 2011 إلى أغسطس 2012. ثم أسس حزب التحالف الوطني للقوى، بل فاز في الانتخابات البرلمانية في عام 2014. لم يستولي أبداً على السلطة لأن الإسلاميين رفضوا نتائج الانتخابات وبالتالي أشعلوا الحرب الكبرى الثانية في ليبيا في ذلك العام  مما دفعه إلى المنفى.

واليوم لا يستطيع جبريل الظهور علانية في أي مكان في ليبيا ،ناهيك عن خوض الانتخابات. وتمكن من زيارة العاصمة طرابلس في سبتمبر الماضي  سرا، وهذا فرق كبير مقارنة بالوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء المؤقت يسافر إلى العالم لحشد الدعم للمتمردين.

ويقسم جبريل وقته بين الإمارات ومصر ويفكر في العودة إلى السياسة إذا أجريت الانتخابات المقبلة. لقد فقد قدرًا كبيرًا من المصداقية بسبب تصريحاته المتناقضة ومواقفه السياسية، على الرغم من أن الناس كانوا يحبونه كوجه جيد للتمرد. وهو يتحدث بشكل جيد مع مؤهلات أكاديمية كبيرة  بما في ذلك الدكتوراه في الاقتصاد من الولايات المتحدة. ومع ذلك  في الأشهر اللاحقة  أصبح كاذبا غزير الإنتاج  خاصة خلال المقابلات التلفزيونية. وهو مشهور بالادعاء بأن نظام القذافي قضى تقريبا على مصراتة وأن قوات النظام اغتصبت مئات النساء في شرق ليبيا. بالطبع  لا شيء من هذا صحيح. ومع ذلك  فعندما يتحدث إلى وسائل إعلام أجنبية غير عربية  فإنه أقل احتمالاً أن يخبرنا بأكاذيب صارخة.

وعلى عكس أغلبية رجال قبيلة ورفلة  انضم محمود عبد العزيز الورفلي إلى التمرد في وقت مبكر لكنه فشل في حشد قبيلته. ثم مضى ليصبح مذيعا لبرنامج تلفزيوني حواري مشهور بكمية الأخبار المزيفة والأكاذيب المباشرة التي يتغذى عليها جمهوره. فاز الورفلي  بمقعد كنائب مستقل في أول انتخابات برلمانية في يوليو 2012 لكنه سرعان ما فقد مصداقيته. وكشف لاحقاً أنه ينتمي إلى حركة الإخوان الليبيين  وهي خطوة أدت إلى القضاء على أي أمل في عودته. وقد تعرض لسخرية كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. واعتبارا من عام 2014  اختفى عن الرأي العام ويبدو أنه ترك ليبيا تماما. وتقول الشائعات إنه يعيش الآن في مالطا. وسوف تمر سنوات قبل أن يتمكن من السير في شوارع طرابلس مرة أخرى كرجل حر.

وتم قتل أيقونات أخرى كانوا أقل حظا بكثير من الثورة التي دعموها. ومن بين هؤلاء أشخاص مثل سلوى بوجاجيس  وهي محامية قتلت في يونيو 2014 في بني غازي  بعد أيام قليلة من مقتل الناشط مفتاح أبو زيد في نفس المدينة.

والاسماء المذكورة هنا هي فقط الأسماء الشهيرة المعروفة بالثورة  لكن المئات من الشبان والشابات الليبيين إما قتلوا أو نفيوا من قبل الانتفاضة التي دعموها على أمل ليبيا أفضل. وبإدراك الأمر  فقد ساعدوا ليبيا ببساطة في أن تصبح دولة فاشلة تقريبا  حيث تنتشر الجريمة  ويفتقر الأمن وينقسم الناس ، والمؤسسات الوطنية تكاد تكون معدومة ومن المؤكد أن الثورة قد التهمت أبنائها.