"تحرير سرت إنتصار مهم للجيش ولكن.. الموقف التونسي الرسمي من الأزمة الليبية خجول وتداعيات هذه الأزمة ستكون كارثية على تونس.. أردوغان تدخل في ليبيا لدعم حكومة السراج.. على تونس لعب دور الوسيط وتوظيف عضويتها بمجلس الأمن لتفعيل التسوية السياسية السلمية للأزمة الليبية.. هذه طريقة إنهاء الصراع في ليبيا وغريب جدا عدم دعوة تونس إلى المشاركة في مؤتمر برلين.." هذه نبذة مما جاء في الحوار الذي أجرته "بوابة إفريقيا الإخبارية" اليوم الأربعاء 8 جانفي 2020, مع وزير الخارجية التونسي الأسبق والأمين العام للأمم المتحدة السابق منجي الحامدي حول اخر المستجدات التي تشهدها الساحة الليبية.

وفي ما يلي نص الحوار:
بداية ما تقييمكم للتطورات الأخيرة في مسار الأزمة الليبية؟
أعتقد أن الأزمة ستنتهي ببناء الدولة الليبية, ولكن لا يمكن بناء هذه الدولة طالما هناك أمراء حرب ومليشيات إرهابية هدفها عدم الإستقرار في ليبيا لأن هؤلاء ينتفعون من استدامة الأزمة.

وكيف تقرؤون تشعبات هذه الأزمة إثر التدخل التركي؟
 يمكن القول إن الأزمة الليبية تعقدت بالتدخلات الأجنبية, والتدخل التركي يمكن أن يعقد الأوضاع أكثر لأن بدخول تركيا مصر لن تبقى مكتوفة الأيدي وربما أيضا تتحرك التشاد لدعم قبائل التبو في الجنوب الليبي.

في رأيكم ماذا يريد الرئيس التركي من وراء تدخل قواته في ليبيا؟
 أردوغان يريد دعم حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج لأغراض تتماشى والسياسة التركية.

هل يمكن القول إن ما يجري هو احتلال تركي لليبيا؟
لا أعتقد ذلك لأن التدخل التركي يهدف إلى دعم حكومة السراج وإيقاف تقدم الجيش الليبي.

ما تداعيات التدخل التركي والتطورات الأخيرة في الساحة الليبية على دول الجوار، وعلى رأسها تونس؟
التدخل العسكري التركي بقوة كبيرة يمكن أن يصعد في وتيرة الحرب وتبدأ فعلا الأزمة الليبية الحقيقية, لكن في حقيقة الأمر لا أعتقد أن تركيا ستتدخل عسكريا في ليبيا, بل أن تدخلها سيكون في إطار دعم عسكري لحكومة السراج بالمعدات والخبراء العسكريين, وربما بجلب مقاتلين من سوريا.
أما عن تداعيات ذلك على تونس، فأرى أنها ستكون كارثية, أولا من ناحية عدد اللاجئين الذين يمكن أن تستقبلهم بلادنا جراء الحرب في طرابلس, والذين يصعب مراقبتهم وبالتالي يمكن أن تتسلل بين صفوفهم عناصر إرهابية إلى داخل التراب التونسي.
وبخصوص التداعيات الاقتصادية والإجتماعية, أعتقد أنها ستكون بدورها وخيمة على تونس لأن تواجد عدد كبير من اللاجئين سيعكر الوضع الإقتصادي التونسي الذي يشكو بطبعه من أزمة خانقة.

وكيف تقيمون الموقف الرسمي التونسي إزاء ما يحدث في ليبيا؟
الموقف التونسي من الملف الليبي من عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي هو موقف خجول لأن المفروض أن تأخذ تونس بزمام المبادرة في الملف الليبي, فتونس هي أكثر بلد يتأثر سلبا من تواصل الأزمة الليبية, وفي المقابل أكثر بلد ينتفع من حلحلة وإنهاء هذه الأزمة, فحتى المستثمرين الأجانب الراغبين في بعث مشاريع اقتصادية في تونس قد يتراجعون عن بعث هذه المشاريع خوفا من تداعيات الأزمة الليبية على الوضع العام التونسي في حال هي تواصلت.

ما المطلوب من تونس إزاء الأزمة الليبية؟
اليوم توجد فرصة تاريخية لتونس للمساهمة في إيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية بتواجدها بمجلس الأمن الدولي وبرئاستها للقمة العربية, لذلك فالمطلوب من تونس اليوم هو تقديم طلب إلى مجلس الأمن الدولي بالتعاون مع الجزائر وباقي دول الجوار من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار في ليبيا, وهذا الأمر يكون طبعا تحت رعاية وبدعم من بعثة الأمم المتحدة, وذلك لتحقيق هدفين رئيسيين: الأول هو محاولة قطع الطريق أمام الأجندات الأجنبية والتدخلات العسكرية في ليبيا, والثاني لعب دور الوسيط الذي يمكن أن يجمع كل الفرقاء الليبيين للجلوس حول طاولة الحوار والتفاوض من أجل التوصل إلى حل سلمي للأزمة والإبتعاد عن الحل العسكري.

هذه المبادرة تذكرنا بمبادرة الجزائر لحلحلة الأزمة المالية في 2015, وقتها قمنا بصفتنا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى مالي بإيجاد حلول سلمية لإنهاء الصراع في هذا البلد.
أنا على اقتناع تام أن الأزمة الليبية يمكن أن تحل على شاكلة الأزمة المالية, حيث تم وقتئذ إحداث تنسيقية ضمت كل دول الجوار المالي والإتحاد الإفريقي والإتحاد الأوروبي, وبدعم كبير من الجزائر التي احتضنت المفاوضات, وتوصلنا إثر ذلك إلى حل سلمي بين الأطراف المتصارعة في مالي.
حلحلة الأزمة الليبية لا يمكن أن يتم إلا بتضامن دول الجوار وبدعم الأمم المتحدة, وهذه المبادرة التي تحدثت عنها أعلاه يجب أن تقوم بها تونس التي يجب أن تستغل تواجدها بمجلس الأمن الدولي للتقدم بهذه المبادرة الريادية وتفعيلها.

كوزير خارجية أسبق سبق وأن عملتم على الملف الليبي, ما تعليقكم على إقصاء تونس من مؤتمر برلين؟
هذا الأمر عجيب وغريب جدا لأن المفروض أن تونس هي أول بلد توجه له دعوة للمشاركة في مؤتمر برلين.
أنا استغربت كثيرا عندما استمعت إلى تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول طلبه من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعوة تونس والجزائر لحضور أشغال المؤتمر لأن المفروض أن تكون تونس هي أول بلد يشارك في مؤتمر برلين.

هل السبب يعود إلى فشل الديبلوماسية التونسية الحالية في التعاطي مع الملف الليبي؟
كان هناك فراغا ديبلوماسيا في تونس على خلفية الإنشغال بتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية الفارطة, نعم ما حدث هو أن تونس انشغلت بالإنتخابات وركنت الملف الليبي جانبا ولم تهتم به بالشكل المطلوب الذي يمكنها من لعب دور حيوي وجوهري ما يخول لها المشاركة في مؤتمر برلين.
لكن حسب اعتقادي لا يمكن الإستغناء عن تونس في مؤتمر برلين وأرجح أن تتم دعوتها إذ لا يمكن أبدا تجاهلها.
كذلك الموقف التونسي إزاء الأزمة الليبية يجب أن يكون بتنسيق تام مع الجزائر بالنظر إلى أن مصير تونس مرتبط بمصير الجزائر في هذا الملف والعكس صحيح لأن تداعيات الأزمة الليبية ستشمل كلا البلدين معا.
أيضا بودي الإشارة إلى أن تونس لا يجب أن تتعاطى مع الأزمة الليبية من منطلق فخ المحاور لا شرقا ولا غربا لأنه يوجد محور واحد فقط هو محور تونس والمصلحة الوطنية التونسية, كذلك تونس يجب أن تلعب دور وسيط الخير والاعتدال وعدم الإنحياز لأي طرف في الأزمة الليبية.

نختم برأيكم في تحرير مدينة من المليشيات المسلحة, هل تعتبرونه إنتصارا مهما للجيش الليبي في معركة إحكام السيطرة على طرابلس؟
تحرير سرت انتصار مهم للجيش الليبي, لكن حتى في حال انتصر الجيش في معركة طرابلس سيكون لهذا الانتصار ثمنا باهضا جدا في الأرواح والبنية التحتية وتزايد عدد المهاجرين لذلك يبقى الحل السلمي هو الخيار الأفضل لإنهاء الأزمة وتونس يجب أن تدعم هذا الخيار.